اكتُشِف شكل شديد العدوى من فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد-19 في منظومة الصرف الصحي الأميركية في ولايتي كاليفورنيا وفلوريدا، ما يؤكد اتساع انتشاره في الولايات المتحدة.
إن دلاء المياه القذرة -التي تم سحبها من أنابيب الصرف الصحي بالقرب من لوس أنجلوس وخارج أورلاندو ابتداءً من أواخر يناير- هي من بين تلك التي اكتُشفت ضمنها طفرات جينية مشتركة مع ما يسمى بالمتغير البريطاني.
لا يبدو أن سلالة المملكة المتحدة B.1.1.7 –وهي شكل متحور من فيروس كورونا اكتُشف لأول مرة في جنوب شرق إنجلترا في كانون الأول- مقاومة للقاحات، ولكن يبدو أنها تنتشر بسهولة أكبر، وقد حققت نسبة انتشار كبيرة للغاية في عدة دول، حيث تسببت الآن بما يصل إلى 80% من الحالات. حذر بعض الباحثين من أنه في حالة تغلغل المتغير في الولايات المتحدة، فقد يصبح الشكل المهيمن بحلول مارس.
تتفق بيانات الصرف الصحي الجديدة مع التقديرات الأخرى التي تقول إن المتغير يزداد انتشاراً؛ ففي 7 يناير، وبناء على نتائج اختبارات المرضى، توصلت شركة هيليكس والباحثون في كاليفورنيا إلى تقديرات تقول إن المتغير أصبح الآن المسبب لنسبة تتراوح من 1% إلى 2% من الحالات في الولايات المتحدة ككل، و4% من الحالات في فلوريدا، أي حوالي أربعة أضعاف النسبة التي تم العثور عليها في أوائل يناير.
وفي مجاري ألتامونتي سبرينجز بالقرب من أورلاندو، تشير الاختبارات على مياه الصرف إلى أن 4% من الإصابات ناتجة عن المتغير الجديد. “كنت أظن أننا سنشهد هذه النتائج في ميامي أو مناطق أكبر. لكن هذا لم يكن أكثر من مجرد أمنية”، كما يقول إد توريس، مدير الأشغال والمرافق العامة في ألتامونتي سبرينجز، والذي يشرف على برنامج اختبار مياه الصرف الصحي.
انتشار محلي
تقدم اختبارات الصرف الصحي الآن لمحة مباشرة عن عدد الأشخاص المصابين بالمتغير في بعض المدن. يقول توريس إن النموذج الذي يعمل به يشير إلى إصابة أكثر من 200 شخص بالمتغير في منطقته لتجميع مياه الصرف الصحي، وهي ضاحية تضم 77,500 شخص.
في البداية، ألقى مسؤولو الصحة في وسط فلوريدا بلائمة الإصابة بالسلالة B.1.1.7 على الزائرين الذين ثبتت إصابتهم، غير أن اختبارات الصرف الصحي في ألتامونتي أشارت إلى أن المتغير ينتشر محلياً أيضاً. لا تزال أغلبية الأعمال التجارية في فلوريدا نشطة بالكامل، بما فيها المتنزهات التي تعمل باستخدام الأقنعة والتباعد الجسدي.
ووفقاً للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، تم تأكيد 611 حالة فقط من B.1.1.7 بشكل مباشر على المستوى الوطني، عبر التسلسل الجيني للعينات الفيروسية التي تم جمعها من مسحات أنوف المرضى، مع وجود العديد من المسحات الايجابية من كاليفورنيا وفلوريدا. وبما أنه لا يتم تحليل سوى نسبة صغيرة من مسحات المستشفى لمعرفة صنف الفيروس الموجود، فإن العدد الحقيقي لحالات B.1.1.7 هو بالتأكيد أكبر بكثير.
تتمتع الولايات المتحدة بقدرة أقل من بعض الدول الأوروبية على تتبع متغيرات الفيروس؛ لأن نسبة مسحات الاختبار التي تخضع للتسلسل الجيني الكامل أقل بكثير، وهو ما وصفه بعض الخبراء بأنه “طيران على غير هدى” في مواجهة الجائحة المتقلبة.
وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، واعتباراً من يناير، كانت نتائج الاختبارات تشير إلى إصابة حوالي 1.4 مليون مصاب بفيروس كورونا كل سبعة أيام، ولكن لم يخضع سوى أقل من 3,000 من تلك العينات السريرية إلى التسلسل الجيني الدقيق حرفاً بحرف، وهذه عادةً خطوةٌ ضروريةٌ لمعرفة الطفرات التي اكتسبها الفيروس.
مراقبة مياه الصرف الصحي
توفر مياه الصرف الصحي فرصة لمراقبة المتغير على نطاق أوسع وبتكلفة أقل؛ حيث يحمل لترٌ واحدٌ من المياه القذرة بقايا الفيروسات التي يتم إلقاؤها في المراحيض من قِبل جميع المشتركين في نظام الصرف الصحي، وهو ما يوفر قراءات عن صحة الآلاف، بل الملايين من الناس.
منذ الربيع الفائت، استخدمت بعض المدن الاختبارات الجزيئية على مياه الصرف الصحي كنظام إنذار مبكر، حيث يمكن استخدام كمية فيروس كورونا في مياه الصرف الصحي للتنبؤ بعدد الأشخاص الذين سيأتون إلى المستشفيات بعد أسبوع إلى عشرة أيام. يبدو أن السبب في ارتفاع نتائج مياه الصرف الصحي أو انخفاضها قبل ظهور أرقام الحالات الرسمية، هو أن الناس يبدؤون بنقل الفيروس إلى دورات المياه خلال يوم أو يومين قبل أن يشعروا بالمرض، وغالبًا ما يستغرق الأمر وقتاً أطول للحصول على نتيجة الاختبار.
يقول راؤول غونزاليس، الذي يجري اختبارات على مياه الصرف الصحي لمنشأة في فيرجينيا بيتش: “يمكنك أن ترى الارتفاع الحاد في الحالات بعد عيد الشكر، والازدياد الكبير ما بعد عيد الميلاد”.
تقوم لوحة معلومات فضلات كوفيد-19 -التي تديرها جامعة كاليفورنيا، ميرسيد- بتتبع البيانات الواردة من أكثر من 1,000 موقع في 47 دولة. ويقول خبراء الاختبارات إن الفيروس -أو بقاياه- في مياه الصرف الصحي ليس حياً أو خطيراً.
النتائج الأولية
تعتمد اختبارات مياه الصرف الصحي على نسخة حساسة من البي سي آر (تفاعل البوليميراز المتسلسل PCR)، وهي تقنية الاختبار المستخدمة في اختبارات المستشفيات. يُطلق على هذه النسخة اسم اختبار البي سي آر الرقمي، وهو يستخدم أيضاً في ما يسمى بالخزعات السائلة لاكتشاف علامات السرطان في عينات الدم المسحوبة.
عندما ظهرت التقارير الأولى لمتغير B.1.1.7 في ديسمبر، كانت شركة جي تي موليكيولار، وهي شركة في فورت كولينز، كولورادو، أول من أعاد صياغة اختبار الصرف الصحي للبحث عن المتغير. يتضمن ذلك فحص مياه الصرف الصحي للبحث عن طفرتين مميزتين للسلالة B.1.1.7.
تقول روز ناش، مديرة البحث والتطوير في الشركة: “نحن نقيس مقدار الفيروس الذي يمتلك التسلسل الأبوي وكمية الفيروس مع التسلسلات الطافرة”. وتضيف: “معظم العينات غير إيجابية، ولكن ما نراه عبر العينات الإيجابية هو حوالي 5% من مستويات المتغير. نتوقع أن يزداد ذلك”.
ونظراً لبدء استخدام اختبار مياه الصرف الصحي منذ بضعة أسابيع فقط، فمن السابق لأوانه الجزم بارتفاع أو انخفاض مستويات المتغير على أساس هذا الدليل وحده. يقول مايك شافر، الذي يدير بيانات أوكسنارد، كاليفورنيا، وهي مدينة شاطئية شمال غرب لوس أنجلوس، والتي وجدت مستويات منخفضة من المتغير في يناير: “لم يكشف المتغير عن أي اتجاه واضح حتى الآن”.
يقول شافر إنه يريد أيضاً تأكيد قدرة الاختبار على كشف متغير المملكة المتحدة بالتحديد، وليس إحدى السلالات المشابهة، ويقول إن عينات الصرف الصحي من أوكسنارد تم إرسالها إلى جامعة ستانفورد للتسلسل. يوافق كريستوفر ماكي، الرئيس التنفيذي لشركة جي تي موليكيولار، على أن الأساس العلمي لاختبار المتغير “لا يزال حديث النشأة”.
وفقاً لجي تي موليكيولار، فقد ظهرت نتائج إيجابية في العديد من المقاطعات الأخرى في كاليفورنيا وفلوريدا، لكنها لم تعلن عنها بعد. يقول توريس: “بالنسبة لي، لا فائدة تُرجى من عدم نشر المعلومات للجميع. نحن في حاجة لإيصالها إلى الأشخاص الذين يمكنهم فعل شيء ما حيال ذلك”.
ولكن حتى الآن، لم تؤدِ الأخبار الخاصة بالمتغير في مياه الصرف الصحي أو انتشارها إلى أي تغيير كبير في السياسة العامة. والى الآن، لا توجد خطة وطنية في الولايات المتحدة للتعامل مع تهديد انتشار المتغير بسرعة وتسبّبه في ارتفاع عدد الإصابات.
قدم روبرت ليفين، مسؤول الصحة العامة في مقاطعة فينتورا حيث تقع أوكسنارد، نتائجَ مياه الصرف الصحي إلى اجتماع مجلس الإشراف الأسبوع الفائت. قال ليفين: “لقد وجدوا كمية ضئيلة من المتغيرات التي تعتبر شديدة القابلية للانتقال. ولا يمكن التنبؤ بالتأثير الذي سيحدثه هذا على مقاطعتنا. إنها مسألة لم يسبق لنا أن تعاملنا معها”.