يعتبر التنبؤ بالطقس من الأمور المعقدة التي تحتاج إلى العديد من الأدوات والخبراء لتقديم تنبؤات دقيقة قدر الإمكان، وعلى الرغم من قوة التقنيات المستخدمة في هذه العملية، مازلنا في حاجة إلى أدوات تقدم تنبؤات أدق وأسرع. لتحقيق ذلك، استطاع الباحثون وضع نماذج الذكاء الاصطناعي تقدم تنبؤات حول حالة الطقس بسرعة عالية وبدقة.
كيف يتم التنبؤ بحالة الطقس عادةً؟
لمعرفة أهمية تطبيق الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، يجب أن تعرف الطريقة المتبعة حالياً في التنبؤات، فالتنبؤ بالطقس هو تطبيق التكنولوجيا وما وصل إليه العلم حتى الآن للتنبؤ بالحالة المستقبلية للغلاف الجوي في موقع معين. وللتنبؤ بالطقس القادم، يجب جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول الطقس الحالي وحالة الغلاف الجوي مثل درجة الحرارة والضغط والرطوبة وسرعة الرياح، وذلك على مدار 24 ساعة في اليوم في جميع أنحاء العالم. تُجمع هذه البيانات بالاستعانة بالرادارت الأرضية ومناطيد الطقس والطائرات والأقمار الصناعية وعوامات المحيطات وغيرها.
تُدخَل هذه البيانات في أجهزة حاسوبية عملاقة، تتولى معالجة المعلومات لتقدم توقعاتها حول حالة الطقس القادم وتغيراته بناءً على معرفة حالة الطقس الحالية. وكلما توفرت معلومات أكثر حداثة ودقة لنماذج الحاسوب، كان التنبؤ أفضل. يعمل خبراء الأرصاد الجوية على مدار الساعة للتحقق من هذه التنبؤات الحاسوبية، ويجرون التعديلات على التوقعات عند الضرورة.
الذكاء الاصطناعي يحسّن دقة التنبؤ بالطقس
تبلغ نسبة دقة الطريقة الحالية 90% عند التنبؤ بحالة الطقس لـ 5 أيام قادمة، و50% عند التنبؤ لـ 10 أيام. ويمكن تحسين هذه النسب أكثر باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة، إذ تمنحنا تنبؤاً أسرع ودقة أكبر، كونها تستخدم أدوات حسابية أقوى، بالاستناد إلى التعلم الآلي.
تُعالِج تقنيات الذكاء الاصطناعي هذه مجموعات البيانات الضخمة التي يحصل عليها خبراء الأرصاد الجوية من المصادر المتعددة -الرادارت والأقمار الصناعية وغيرها- بسرعة عالية، وتحسّن دقة التنبؤات الآنية.
تعني سرعة تقنيات الذكاء الاصطناعي ودقتها في التنبؤ بأنماط الطقس القاسية أن هناك فرصة أفضل لتحذير الأشخاص المعرضين للأذى. مثلاً، إذا تمكن الذكاء الاصطناعي من تتبع سرعة ومسارات الأعاصير، فسيكون لدى الناس فرصة أفضل للإخلاء، وبالتالي إنقاذ حيواتهم.
اقرأ أيضاً: استطاعت مجموعة من الباحثين بناء نموذج جديد للتنبؤ بالأحوال الجوية بشكلٍ آني
أمثلة عن نماذج الذكاء الاصطناعي المتنبئة بحالة الطقس
يوجد الآن العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة والتي يمكنها تقديم تنبؤات دقيقة لحالات الطقس المختلفة، بالإضافة إلى كونها سريعة وآنية:
التنبؤ بموعد ومكان هطل الأمطار
تعاونت شركة ديب مايند المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق، مع مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، لتطوير أداة تعلم عميق تسمى «دي جي إم آر» (DGMR) -اختصاراً لعبارة "النموذج التوليدي العميق لهطل الأمطار"- تتمتع بدقة عالية في التنبؤ باحتمال هطل الأمطار خلال الـ 90 دقيقة المقبلة، وهو ما يعتبر أحد أصعب تحديات التنبؤ بالطقس.
بعد مقارنة هذه الأداة مع الأدوات الحالية، رأى عدة عشرات من الخبراء أن توقعات دي جي إم آر كانت الأفضل في 89% من الحالات ومن حيث مجموعة من المعايير بما في ذلك تنبؤاتها بموقع هطل المطر، ونطاقه، وحركة الهطل، وغزارة المطر. وقد نشرت هذه النتائج في مجلة نيتشر.
يعتبر التنبؤ بالأمطار، ولا سيما الأمطار الغزيرة، أمراً بالغ الأهمية للكثير من القطاعات بدءاً من تنظيم الأحداث في الهواء الطلق ومروراً بالطيران ووصولاً إلى خدمات الطوارئ، لكن من الصعب إجراء هذا التنبؤ بدقة جيدة. تعتمد معرفة كمية المياه الموجودة في السماء وموعد ومكان هطولها على عدد من العمليات المتعلقة بالطقس، مثل التغيرات في درجة الحرارة وتشكل السحب والرياح. ويعتبر كل من هذه العوامل معقداً في حد ذاته، فما بالك إن أردنا التعامل معها جميعاً في آن واحد، لكن هذا ما تمكن منه نموذج الذكاء الاصطناعي دي جي إم آر.
التنبؤ بالطقس المحلي
طور الباحثون في شركة مايكروسوفت نظاماً يعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، يسمى «ديب إم سي» (DeepMC) يمكنه التنبؤ بدقة بحالة الطقس المحلي، ليستخدمه المزارعون ومنتجو الطاقة المتجددة وغيرهم. يجمع النظام بين مصدرين مختلفين للبيانات، أحدهما من أجهزة استشعار خاصة موجودة في الموقع المراد التنبؤ بحالة الطقس فيه، والآخر من بيانات التنبؤ بالطقس المحلية القياسية، والتي يحصل عليها مباشرة من واجهات برمجة التطبيقات (APIs) التي تأتي من مصادر مثل الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي وغيرها.
يمكن لديب إم سي العثور على الخطأ بدقة بين توقعات الطقس المحلية والظروف المناخية الدقيقة. بالإضافة إلى العثور على اتجاهات وأنماط قصيرة وطويلة الأجل في بيانات الطقس، ما يجعله أكثر دقة. ولتقديم التنبؤات، يفحص النظام أربعة عوامل هي درجة الحرارة وسرعة الرياح والإشعاع الشمسي ومحتوى رطوبة التربة. تفوّق ديب إم سي على الأنظمة الشبيهة به، فعلى سبيل المثال، كانت نسبة دقة تنبؤاته بدرجة الحرارة تزيد عن 90%.
يستفيد المزارعون من هذا النظام بشكل خاص، إذ يقدم التنبؤات للمزارع في أرضه بغض النظر عن حالة الطقس وفي المنطقة ككل. على سبيل المثال، إذا أراد المزارع تسميد أرضه، يمكن أن يزوده النظام بدرجة الحرارة المناسبة للتسميد، بعيداً عن درجة التجمد التي يمكن أن تقتل المحصول في حال تسميده.
التنبؤ بحالة الطقس العامة حول العالم
وضع باحثون من جامعة واشنطن، بالاشتراك مع شركة مايكروسوفت، نموذجاً للذكاء الاصطناعي يمكنه تحليل أنماط الطقس للأربعين عاماً الماضية، لتقديم التنبؤات بهطول الأمطار والثلوج وأحداث الطقس الأخرى القادمة بسرعة.
يمكن لنموذج الذكاء الاصطناعي محاكاة الطقس العام حول العالم بسرعة كبيرة، وبدقة مشابهة لدقة نماذج الطقس التقليدية. لكن ما يميز نموذج الذكاء الاصطناعي هذا هو استخدامه قوة حوسبة أقل بنحو 7000 مرة لإنشاء تنبؤات لنفس العدد من النقاط على الكرة الأرضية. وبالطبع فإن العمل الحوسبي الأقل يعني نتائج أسرع، كما أنه يقدم تنبؤات الطقس بناءً على البيانات التاريخية دون الاعتماد على القوانين الفيزيائية.
التنبؤ بالعواصف الشديدة
طوّرت مجموعة من الباحثين من جامعة بنسلفانيا نموذجاً للذكاء الاصطناعي يكتشف الحركات الدورانية في السحب، والتي تشير إلى حدوث عواصف شديدة، وذلك من صور الأقمار الصناعية، لتقديم تنبؤات أفضل، كون النموذج يأخذ لقطة أكثر اكتمالاً للغلاف الجوي.
حلل الباحثون أكثر من 50 ألف صورة أقمار صناعية للطقس في الولايات المتحدة. وحددوا، بمساعدة خبراء الأرصاد الجوية، شكل السحب التي تشير إلى حدوث عواصف شديدة وحركتها. ترتبط هذه السحب بتشكيلات الأعاصير، والتي يمكن أن تؤدي إلى أحداث مناخية قاسية بما في ذلك العواصف الرعدية والرياح العاتية والعواصف الثلجية.
بعد ذلك، درّب الباحثون نظام الذكاء الاصطناعي على كيفية التعرف تلقائياً على هذا النوع من السحب واكتشافها في صور الأقمار الصناعية، ما يساعد الخبراء على تركيز انتباههم على المكان الذي تتشكل فيه السحب بالوقت الفعلي.
وجد الباحثون أن طريقتهم يمكن أن تكشف بشكل فعال هذه السحب بدقة 99% خلال 40 ثانية. كما كانت قادرة على التنبؤ بنسبة 64% من الظواهر الجوية القاسية، متفوقةً بذلك على طرق اكتشاف الطقس القاسي الأخرى الحالية.
مازالت إمكانيات الذكاء الاصطناعي في مجال التنبؤات الجوية قيد التطوير، لكن بالتأكيد ستغير قدرة خبراء الأرصاد الجوية على تقديم تنبؤات الطقس نحو الأفضل، ليصبح بإمكاننا الحصول على تحديثات سريعة ودقيقة لحالة الطقس متى شئنا.