خوارزمية ميراي تتنبأ بسرطان الثدي قبل 5 سنوات من الإصابة

4 دقائق
خوارزمية ميراي
حقوق الصورة: شيننبونغ/ شترستوك. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.

أعلن باحثون بمختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي (CSAIL) التابع لجامعة إم آي تي، أنهم على وشك بدء التجارب على نظام ذكاء اصطناعي جديد، يُعرف باسم ميراي (Mirai)، يمكنه التنبؤ بما يقرب من نصف حالات سرطان الثدي قبل خمس سنوات من الإصابة به، موضحين أنه في حالة نجاح التجارب فإنها يمكن أن تغير بشكل جذري طريقة تعاملنا مع المرض.

نشر الفريق البحثي النتائج التي توصل إليها في مقالة نُشرت في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في دورية "علم الأورام السريرية" (Journal of Clinical Oncology)، ومن المقرر استكمالها في مقالة أخرى ستنشر في دورية "نيتشر ميديسن" (Nature Medicine).

إصابة عالمة الذكاء الاصطناعي بسرطان الثدي قادتها لوضع «ميراي»

قاد البحث «ريجينا برزيلاي» الخبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، والمتخصصة في معالجة اللغات الطبيعية. برزيلاي، التي تبلغ من العمر 51 عاماً، كانت قد شُفيت من سرطان الثدي منذ 7 سنوات، بعد تلقيها جلسات العلاج الكيميائي والإشعاعي واستئصال الورم مرتين. وقررت حينها أن توقف معاناة المصابات بوضع نظام للذكاء الاصطناعي يمكنه التنبؤ بالسرطان، فقد توقعت بارزيلاي وجود علامات مسبقة للإصابة بسرطان الثدي، لكن لم نتمكن من ابتكار الأدوات اللازمة لقراءتها.

اقرأ أيضاً: تعرف على قصة العالمة السعودية سامية العمودي ودورها في مكافحة سرطان الثدي بعد نجاتها منه مرتين

خوارزمية «ميراي» ونتائج تجاربها بالمقارنة مع غيرها من طرق تشخيص سرطان الثدي

يمكن لخوارزمية ميراي -التي تم تدريبها على مجموعة بيانات تضم 200 ألف فحص تم إجراؤه في مستشفى ماساتشوستس العام- توقع "درجات الخطر" لكل مريضة تخضع لتصوير الثدي بالأشعة السينية، وتتفوق على الطرق الحالية في معدلات الكشف عن احتمالية الإصابة بالسرطان. كما تم التحقق من صحة النتائج التنبؤية للخوارزمية على مجموعات بيانات إضافية من معهد «كارولينسكا» السويدي ومستشفى «تشانغ جونغ» في تايوان.

وعلى عكس الطرق السابقة، أظهرت الخوارزمية "أداءً ثابتاً" عند تطبيقها على مرضى من أعراق مختلفة. فقد كانت معدلات السرطان التي وجدتها بين المصابين من آسيا وأميركا الجنوبية والشرق الأوسط وإفريقيا، متوافقة مع المعدلات الفعلية في العالم الحقيقي. وتكمن أهمية هذا الأمر في أن الإصابة بسرطان الثدي تتفاوت وفقاً للمجموعات العرقية، فالنساء من أصل إفريقي أكثر عرضة بنسبة 40% للوفاة بسبب سرطان الثدي مقارنة بالنساء البيض. 

وتصف «جانين كاتزن»، أخصائية الأشعة في كلية الطب بجامعة «كورنيل»، النظام الجديد بأنه "تزاوج بين التكنولوجيا والرعاية الصحية يمكن أن يغير حياة ملايين الأشخاص دون قطرة واحدة من الدواء". ويرى الباحثون أنه إذا تم التحقق من صحة البيانات، يمكن لميراي فتح عالم جديد تماماً من أساليب الاختبار والوقاية، وإنقاذ حياة عدد لا يحصى من الأشخاص الذين سيمنحهم فرصة للحصول على الرعاية الصحية لم يكن بإمكان الأجيال السابقة إلا أن تحلم بها.

التصوير الشعاعي للثدي «الماموغرام»

يُكتشف سرطان الثدي عادة بالتصوير الشعاعي المعروف باسم «الماموغرام»، تُستخدم فيه الأشعة السينية لفحص أنسجة الثدي من زوايا متعددة، وهو إجراء غير مريح، ويُعرّض النساء إلى الإشعاع غير الضروري، كما أنه يعطي أحياناً نتيجة إيجابية كاذبة.

لا تكمن المشكلة في التصوير الشعاعي للثدي، بل في كيفية استخدامه، إذ يركز أخصائيو الأشعة في الوقت الحالي على عوامل مثل كثافة الثدي، وهي علامة معروفة لا يمكن الاعتماد عليها لأن كثافة الثدي شائعة لدى العديد من النساء الصحيحات أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، عادة ما تُجرى الصورة على أساس العمر -يوصى بإجرائها لمن هنَّ فوق سن الأربعين سنوياً- بينما قد تتعرض بعض النساء لخطر الإصابة بسرطان الثدي قبل أن يبلغن الأربعين عاماً.

نتائج تجارب ميراي

أجريت تجارب خوارزمية ميراي باستخدام 129 ألف صورة أشعة للثدي من 62 ألف مريضة في خمسة بلدان، وتمكن النظام من التنبؤ بالمرضى الذين أصيبوا بالسرطان في غضون خمس سنوات بمتوسط دقة بلغ 76%. كما يمكن للنظام أن يوصي بإجراء المزيد من الاختبارات مثل الخزعة أو التصوير بالرنين المغناطيسي.

يعتبر التنبؤ الذي يقدمه نظام ميراي أفضل بـ 22% من الطريقة المتبعة حالياً، وهي عبارة عن نموذج إحصائي يسمى "تايرير كوزيك" (Tyrer-Cuzick)، يُدخل فيه الأطباء قائمة بالمتغيرات الأساسية مثل عمر الشخص وتاريخ عائلته. وقد تعني هذه النسبة إنقاذ حياة ملايين النساء في العالم الحقيقي، فقد قررت برزيلاي وزملاؤها جعل التكنولوجيا التي يقوم عليها النظام مفتوحة المصدر بحيث يمكن لأي مستشفى استخدامها؛ دون الحاجة إلى شراء حقوق براءة الاختراع.

اقرأ أيضاً: دراسةٌ لتعميم اختبار الكشف عن سرطان الثدي المُعتمد على الذكاء الاصطناعي لجوجل

التحديات التي تواجه خوارزمية ميراي

عندما بدأت بارزيلاي بحثها لأول مرة، رفضت معظم المستشفيات مساعدتها بحجة أن سرطان الثدي قد عولج لسنوات بدون الذكاء الاصطناعي، وبحثت لمدة طويلة عن مصدر تحصل منه على صور الثدي الشعاعي اللازمة لتدريب الذكاء الاصطناعي.

تضارب النتائج

من التحديات أيضاً، أنه في بعض الأحيان يختلف التشخيص بين نظام ميراي ونظام تايرير كوزيك، فقد يقول أحدهما إن الشخص معرض لخطر كبير، ويقول الآخر عكس ذلك. لكن ليس المطلوب أن يكون تشخيص الآلة صحيحاً في كل مرة، إذ يجب أن يكون تشخيصها أفضل من البشر في العدد الإجمالي للحالات.

تقبّل الأخصائيين

أشاد بعض الأخصائيين الطبيين بهذا الإنجاز، لكنهم أشاروا إلى ضرورة التقدم بحذر في هذا المجال. وعبّر بعض أطباء الأشعة عن إعجابهم بنظام ميراي من التشخيص حتى التوصيات اللاحقة له. في المقابل، لم يتقبل بعض جراحي سرطان الثدي أو أطباء الأورام فكرة الاعتماد على الحاسوب للتشخيص وفضلوا النصيحة المباشرة للمرضى بشأن مخاطر الإصابة بسرطان الثدي، ويخشى أيضاً بعض أطباء الأشعة أن يحل الذكاء الاصطناعي محلهم. لكن يؤكد خبراء التكنولوجيا أن هذه التقنيات تهدف فقط إلى أن تكون أداة مساعدة للمختصين من البشر.

تقبّل شركات التأمين

من التحديات التي يواجهها نظام ميراي أيضاً هو إقناع شركات التأمين بالدفع لقاء اعتماده في التصوير والتشخيص لمن هنَّ دون الأربعين عاماً. لكن المسؤولين في تلك الشركات قد يتقبلون ذلك عندما يقتنعون بأن التشخيص المبكر للأشخاص الأصغر سناً سيؤدي في الواقع إلى خفض التكاليف بالنسبة لهم من خلال المساعدة في تجنب العلاجات باهظة الثمن في المستقبل.

تقبّل المرضى

أيضاً، قد يرفض بعض المرضى استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص، إذ يتقبل الشباب فكرة الاعتماد على الخوارزميات بينما يرفضها الأكبر سناً.

موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية

هناك أيضا تحديات تنظيمية، إذ تطلب إدارة الغذاء والدواء الأميركية أن تخضع أي أداة جديدة في المشافي لم تتم الموافقة عليها لعملية مراجعة داخلية صارمة، ما يعني العديد من التحديات الميدانية القادمة لميراي لتثبت أن إيجابياتها تفوق سلبياتها.

تحكي برزيلاي أنها أجرت صورة شعاعية للثدي قبل بلوغها الأربعين -قبل نحو ثلاث سنوات من تشخيص حالتها- وقيل لها إنها على ما يرام. تسأل نفسها الآن: «هل كانت ميراي ستلاحظ ما يحدث بداخلي؟ هل كانت سترسلني لإجراء فحوصات أخرى؟ هل كانت ستتنبأ لي بالإصابة بالسرطان في وقت أبكر بكثير وتجنبني كل هذا العلاج؟» لإشباع فضولها، أدخلت برزيلاي الصورة الشعاعية تلك إلى ميراي، وفي النتيجة أخبرتها أنها صورة شديدة الخطورة للإصابة بالسرطان، لذلك تشعر برزيلاي بالثقة وبالمسؤولية لأنها منحت ميراي للنساء الآن.

المحتوى محمي