لماذا تُعد إعادة فتح المدارس عملية معقدة للغاية في الولايات المتحدة؟

7 دقائق
إعادة افتتاح المدارس
مصدر الصورة: باتريك تي باورز

تعاني المدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة لاتخاذ القرار الصعب الخاص بإمكانية إعادة فتح أبوابها، وكيفية القيام بذلك مع الحد من المخاطر. وفي مدينة كالامازو بولاية ميشيغان -التي لا تبعد كثيراً عن أحد المواقع الرئيسية التي تصنع فيها شركة فايزر اللقاحات- تعتزم المدارس الاستمرار في الدراسة عبر الإنترنت حتى نهاية العام الدراسي. وفي ولاية أيوا -وهي ولاية لا تُلزم مواطنيها بارتداء الأقنعة- يمكن للأطفال حالياً العودة إلى التعليم وجهاً لوجه بشكل كامل. وفي تلك الأثناء، لم تتخذ المنطقة التعليمية التابعة لمقاطعة سان ماتيو بكاليفورنيا -الواقعة على حدود وادي السيليكون- قراراً واضحاً، ويشتبك الآباء من ذوي الدخل المنخفض مع الأثرياء حول ما يجب القيام به.

لقد كانت رحلة شاقة؛ فمنذ شهر مارس 2020، عندما أُغلقت معظم المدارس، طُلب من المناطق التعليمية مراراً وتكراراً التكيف مع المستجدات العلمية بشأن سلوك الفيروس، ومع التوصيات الجديدة المتعلقة بالسياسات، ومع الاحتياجات المختلفة للأسر والأطفال والمعلمين والموظفين.

وفي الوقت الحالي، وبينما يمضي الرئيس الأميركي جوزيف بايدن قدماً في تنفيذ تعهده الخاص بإعادة فتح معظم المدارس في غضون أول 100 يوم له في السلطة، تبدو المناقشات معقدة كما كانت دوماً، لتقدم لنا لمحة عن الصعوبات العديدة التي تواجه عملية إعادة فتح المجتمع ككل.

حدود “الإرشادات”

تطلعت المدارس في جميع أنحاء البلاد إلى المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) للحصول على إرشادات حول كيفية التعامل مع الجائحة. وفي أحدث توصياتها، قالت المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض الكثير من الأشياء التي سمعناها طوال عام كامل: يجب على جميع الأشخاص المتواجدين داخل مبنى المدرسة ارتداء الأقنعة، والبقاء على مسافة ستة أقدام على الأقل من بعضهم البعض، وغسل أيديهم بشكل متكرر. لكن المدارس وجدت أنه حتى عندما تبدو هذه الإرشادات بسيطة نسبياً على الورق، فإن وضعها موضع التنفيذ غالباً ما يكون أصعب بكثير، بل ومستحيل تماماً في بعض الأحيان.

وتقول تيريزا تشابل، عالمة الأوبئة المقيمة في العاصمة الأميركية واشنطن إن “هناك فرقاً بين التفكير في سياسات التخفيف من آثار الفيروس على الصحة العامة وكتابتها من ناحية، وبين محاولة تنفيذ هذه السياسات من ناحية أخرى. يمكننا أن نرى أن ثمة حواجز تعوق التنفيذ”.

وتشير تشابل إلى دراسة حديثة أجرتها مراكز السيطرة على الأمراض، تناولت فيها حالة المدارس الابتدائية في ولاية جورجيا. فبعد مرور 24 يوماً فقط من العودة لنظام التعلم وجهاً لوجه، وجد الباحثون تسع مجموعات من حالات الإصابة بكوفيد-19 يمكن ربطها بالمدارس. وإجمالاً، جاءت نتيجة اختبار حوالي 45 طالباً ومعلماً إيجابية. فكيف حدث ذلك؟ كانت تصميمات الفصول الدراسية وأحجامها تعني عدم إمكانية تطبيق التباعد الجسدي، لذلك جلس الطلاب على بعد أقل من ثلاثة أقدام من بعضهم البعض، لا تفصل بينهم سوى فواصل بلاستيكية. وعلى الرغم من أن الطلاب والمعلمين غالباً ما كانوا يرتدون الأقنعة، كان على الطلاب تناول الغداء داخل فصولهم الدراسية.

ويشير الباحثون أيضاً إلى أن المعلمين والطلاب ربما أصابوا بعضهم البعض بالعدوى “خلال حصص التدريس الجماعية الصغيرة التي يعمل فيها المعلمون على مقربة شديدة من الطلاب”.

إن اتباع أفضل الممارسات التي تنصح بها مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها قد لا يكون أمراً صعباً بطبيعته فحسب، ولكنه معقد أيضاً بسبب حقيقة أنها لا تعدو أن تكون مجرد إرشادات: فالولايات وغيرها من السلطات القضائية تضع القواعد، وكثيراً ما تتعارض تلك القواعد مع ما تنصح مراكز السيطرة على الأمراض بالقيام به. ومنذ 15 فبراير الماضي، طُلب من المدارس في ولاية آيوا أن تقدم للطلاب خيارات تعلم وجهاً لوجه بالكامل على نحو يقول بعض مسؤولي المدارس إنه يجعل التباعد أمراً مستحيلاً. ونظراً لأن الولاية لم تعد تفرض استخدام الأقنعة، فإن الطلاب غير مطالبين بارتدائها في المدرسة.

تشترك السلطات التي تتبع كل هذه السياسات المختلفة في شيء واحد، وهو أنه على الرغم من تراجع إجمالي عدد حالات الإصابة التي بلغت ذروتها في شهر يناير، إلا أن الغالبية العظمى من الولايات الأميركية لا تزال تعاني من معدل انتشار كبير أو مرتفع في المجتمعات المحلية. ومن بين النقاط التي تعلمناها من أحدث إرشادات مراكز السيطرة على الأمراض أن ارتفاع معدل انتقال الفيروس في المجتمعات المحلية مرتبط بالمخاطر المتزايدة في المدارس.

وتقول تشابل: “إذا كنا سنفتح المدارس، فإننا نقول إن ثمة قدراً مقبولاً من التفشي سنسمح به من أجل تعليم الأطفال”.

تلبية الاحتياجات المختلفة

تحاول بعض المدارس تجربة تكتيكات بديلة تأمل من خلالها أن تحد من المخاطر المرتبطة بالتعلم وجهاً لوجه.

ففي بلدة شارون الواقعة إلى الجنوب مباشرة من مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس، والتي لا يزال حوالي 60% من طلاب المدارس العامة بها يتعلمون عن بعد، يتم استدعاء مجموعات من الطلاب والموظفين إلى موقع مركزي في مبنى مدرستهم بمعدل مرتين في الأسبوع، لإجراء اختبارات طوعية للكشف عن كوفيد-19. واحداً تلو الآخر، يحضر الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم خمسة أعوام، فيعقمون أيديهم ويخفضون أقنعتهم لإجراء المسحات من خلال فتحات أنوفهم، ثم توضع مسحاتهم في أنبوب اختبار واحد مخصص لمجموعتهم بأكملها. ولإفساح المجال أمام الجميع، فإنه حتى مكتب المدير يصبح في بعض الأحيان موقعاً لإجراء الاختبار: يخرج شخص فيدخل الأخر. ثم يتم إرسال الأنابيب إلى المختبر لإجراء ما يسمى بـ “الاختبارات المجمّعة”.

بعد مرور 24 يوماً فقط من العودة لنظام التعلم وجهاً لوجه، وجد الباحثون تسع مجموعات من حالات الإصابة بكوفيد-19 يمكن ربطها بالمدارس.

تسمح الاختبارات المجمّعة بفحص مجموعة صغيرة من العينات في آن واحد، بحثاً عن كوفيد-19. وفي بلدة شارون، يحتوي كل أنبوب اختبار على ما بين 5 إلى 25 عينة. وإذا جاءت نتيجة الاختبار الخاص بتلك المجموعة الصغيرة سلبية، فإن ذلك يعني أن المجموعة بأكملها سليمة. أما إذا كانت النتيجة إيجابية، يتم إجراء اختبار لكل عضو في المجموعة حتى يتم العثور على الشخص الإيجابي. وتقول ميج دوسو، القائمة بأعمال المشرف على المنطقة التعليمية، إن كل اختبار مجمّع يكلف المدرسة ما بين 5 دولارات إلى 50 دولاراً، موضحة أن أكثر من ثلث طلاب وموظفي مدارس شارون العامة يشاركون في تلك الاختبارات.

 

وتقول دوسو: “لقد رأيت فوائد هذا الأمر، وأعتقد أنه ضروري”.

ونظراً لأن المدارس تُمول على نحو غير متكافئ، ومن خلال الضرائب إلى حد كبير، فإن الوصول إلى الموارد يُعد موضوعاً شائعاً في المناقشات التي تجري حول إعادة فتح المدارس. وقد دفعت الولاية ثمن الفترة التجريبية للاختبارات في بلدة شارون، ولكن ليس كل المناطق أو المدارس تمتلك المال أو الموظفين اللازمين لتنفيذ برامج واسعة النطاق مثل هذه. وتقول دوسو إن المنطقة التعليمية سيتعين عليها دفع تكاليف أي اختبارات بمجرد انتهاء هذا البرنامج في شهر أبريل القادم. كما سيتعين عليها أيضاً مواصلة الاعتماد على المساعي الحميدة التي يبذلها أولياء الأمور المتطوعين الذين يجمعون الطلاب والمسحات للاختبار كل أسبوع.

وتوضح دوسو أنه خلال الأسابيع السبعة التي مرت منذ بدء إجراء الاختبارات المجمّعة، لم تعد إليهم سوى دفعة واحدة إيجابية، الأمر الذي تركها مرتاحة البال.

وحتى في ظل تدابير التخفيف المتبعة حالياً، لا تزال هناك اختلافات ديموغرافية صارخة في الرأي بشأن إعادة فتح أبواب المدارس. وقد وجدت دراسة حديثة أجراها مركز بيو أن البالغين من ذوي البشرة السوداء والآسيويين والإسبان أكثر ميلاً لدعم تأجيل فتح المدارس إلى أن يحصل المعلمون على اللقاحات. كما أن هذه المجموعات أكثر ميلاً من البالغين البيض إلى القول بأنه “ينبغي إيلاء اهتمام كبير” بمخاطر انتقال عدوى كوفيد-19 عند تقييم إعادة فتح المدارس.

وتخشى تشابل من التغاضي عن مخاوف هؤلاء الآباء، أو من تضاؤل الأموال المخصصة للتعلم عن بُعد بسبب اتخاذ بعض المناطق قرارات بالانتقال إلى نظام التعلم وجهاً لوجه.

وتقول: “ينبغي أن تضع المناطق التعليمية في اعتبارها أنها قد تعيد فتح أبواب المدارس ولكن قد لا تعود سوى نسبة صغيرة من طلاب الأقليات المسجلين بها، فهل سيكون هذا الأمر منصفاً؟”.

قد يكون تحقيق التوازن بين الاحتياجات المختلفة أمراً صعباً بشكل خاص في المناطق الأكبر والأكثر تنوعاً، على حد قول توماس فريدريش، الأستاذ في كلية ماديسون للطب البيطري بجامعة ويسكونسن، وهو أحد أعضاء فريق “مختبر أبحاث لقاح الإيدز” التابع للكلية الذي يقوم بتحديد تسلسل عينات الفيروس القادمة من ولاية ويسكونسن.

ويضيف فريدريش: “لقد انخفضت وطأة المرض والوفاة على نحو غير متكافئ إلى حد كبير، ما أثر بشكل غير متناسب على الأشخاص الذين يعانون من ضعف اجتماعي واقتصادي شديد، وأصحاب البشرة الملونة”. كما يقول إن الأشخاص الذين شهدوا بالفعل الكثير من الخسائر وانتشار المرض بين أحبائهم، قد يرون المزيد من المخاطر في سرعة إعادة فتح المدارس وغيرها من الأماكن التي يمكن أن ينتشر فيها الفيروس.

وفي نهاية المطاف، حتى أشد الجهود صرامة تعتريها ثغرات وفجوات، تتمثل في العامل البشري. لذا، فقد أعلن بايدن هذا الأسبوع خطته لإيلاء الأولوية للمعلمين في الحصول على اللقاحات، وهو ما تقول دوسو إنه أولويتها القصوى حتى مع المعلومات الجديدة التي أظهرها الاختبار.

وتضيف: “كل طاقتنا الجماعية موجهة نحو محاولة ضمان تلقي موظفينا اللقاح”.

الضغط على النظام

ثمة مستوى أخر من التعقيد يثير قلق الخبراء والمناطق التعليمية: انتشار السلالات الفيروسية.

على سبيل المثال، لا تزال السلالة (B.1.1.7)، التي اكتُشفت أصلاً في المملكة المتحدة العام الماضي، نادرة نسبياً في الولايات المتحدة، إلا أن الخبراء يقدرون أنها قد تسود بحلول نهاية مارس الجاري. ويعتقد العلماء أنها أكثر قابلية للانتقال وربما أكثر فتكاً. وهذا الأمر قد لا يؤثر فقط على كيفية إعادة فتح المدارس، وإنما على طول مدة إعادة الفتح أيضاً.

ويمكن للولايات المتحدة أن تنظر إلى أوروبا لمعرفة كيفية حدوث ذلك: جربت الدول الأوروبية التعلم وجهاً لوجه، الخريف الماضي، لكنها بدأت في إغلاق المدارس عندما اجتاحت السلالة (B.1.1.7) القارة. وبحلول شهر ديسمبر، أغلقت دول من بينها هولندا وألمانيا مدارسَها؛ لمواجهة ارتفاع أعداد الحالات. وتقول مراكز السيطرة على الأمراض إنها قد تحتاج إلى تحديث إرشادات إعادة فتح المدارس في ضوء المعلومات الجديدة الخاصة بالسلالات.

وقد باتت هذه المهمة أكثر صعوبة؛ لأن تتبع انتشار سلالات الفيروس في الولايات المتحدة يُعد أمراً صعباً في الوقت الحالي. ويقول فريدريش إن الولايات المتحدة تمتلك عدداً قليلاً للغاية من المختبرات التي يمكنها القيام بهذا العمل مقارنة بالبلدان الأخرى، مضيفاً أنه على الرغم من أن المزيد من التمويل سوف يساعد، إلا أن الفجوة ستظل موجودة.

ويوضح: “إذا أصبحت (B.1.1.7) هي السلالة المهيمنة بحلول نهاية شهر مارس، فعندئذٍ حتى لو تم سن تشريع لضخ ملياري دولار إضافي للمراقبة الجينومية غداً، فإننا قد لا نتمكن من رفع قدرتنا على… اكتشاف حلولها محل السلالات الأخرى في الزمن الحقيقي في مختلف أرجاء الولايات المتحدة”.

وفي غياب إجابات حاسمة حول السلالات التي تنتشر في الولايات المتحدة، تقول تشابل إنه من الأهمية بمكان بالنسبة للمدارس أن تراقب التفشي في المجتمعات المحلية قدر الإمكان، وأن تخطط بعناية لتجنب الانزلاق إلى أزمة جديدة. بل إنها توصي المدارس -عندما تضع خططها الخاصة بإعادة الفتح- “بأن تضع معها أيضاً خططاً للإغلاق”.

وتتساءل: “ما الذي ستبحث عنه المدارس لمعرفة ما إذا كانت هذه الخطط لا تجدي نفعاً؟”، عن نصيحة يمكن أن تنطبق على جميع الأماكن والمؤسسات العامة.

تمثل هذه المقالة جزءاً من مشروع تكنولوجيا الجائحة، الذي تدعمه مؤسسة روكفيلر.

المحتوى محمي