تعرف على عالم الاجتماع العراقي علي الوردي وتفكيره الحداثي ومساهماته

2 دقائق
علي الوردي
حقوق الصورة: موقع مركز دراسات الوحدة العربية. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.

النشأة والدراسة

ولد علي الوردي عام 1913 بمنطقة الكاظمية شمال بغداد لعائلة عراقية تقليدية، ونشأ فيها متحدياً سياسة عائلته الرافضة للتعليم، حيث أراده والده أن يتعلم حرفة ما بدلاً من قراءة الكتب، إلا أنه نشأ كارهاً للعمل والحرف ومعجباً بشدة بقراءة الكتب.

تمكن من إنهاء دراسته الابتدائية والثانوية بتفوق في العراق، وعُين لاحقاً كمدرس في عدة مدارس ابتدائية وثانوية في جميع أنحاء العراق، ما سمح له بتشكيل رؤية عامة عن طبيعة المجتمع العراقي، ثم توقف عن عمله متجهاً إلى بيروت، بعد أن فاز بمنحة دراسية في الجامعة الأميركية في بيروت، وحصل منها على درجة البكالوريوس عام 1943، وعاد بعدها إلى العراق.

بعد عدة سنوات، غادر البلاد إلى الولايات المتحدة لاستكمال تعليمه العالي، وحصل على درجة الماجستير عام 1948 من "جامعة تكساس" وعلى درجة الدكتوراه في علم الاجتماع عام 1950 من الجامعة ذاتها، ثم عاد إلى العراق مجدداً، وعمل أستاذاً بجامعة بغداد وألقى فيها أولى محاضراته عن الشخصية العراقية، واستمر بالعمل بمجال التدريس حتى تقاعده عام 1969.

اقرأ أيضاً: تعرّف على المهندسة المعمارية العراقية البريطانية زها حديد وأعمالها البارزة في مجال العمارة

تحليلاته في بنية المجتمع العراقي الحديث

تأثر الوردي بالأفكار الفلسفية التي تنتقد الافتراض بأن طبيعة العقل البشري ثابتة، وتشكل لديه إيمان بالعقلانية العلمية وتقديس التطور العصري والتحديث، وجاءت هذه الأفكار من قراءته لعلماء الاجتماع أمثال ابن خلدون وكارل مانهايم، والطبيب النفسي سيغموند فرويد، وأعاد تفسير أفكارهم الذهنية وطبقها على المجتمع العراقي والعقل العراقي.

بدأ في كتابة العديد من المؤلفات حول البداوة (المجتمع البدوي) مقابل الحضارة (المجتمع المدني)، على أساس نظرية الدولة عند ابن خلدون التي كان متأثراً بها، منها "رؤى نفسية من التاريخ العراقي الحديث"، و"دراسة في طبيعة المجتمع العراقي"، و"شخصية الفرد العراقي: دراسة الشخصية العراقية في ضوء علم نفس جديد"، وكان مؤيداً لفكرة الخصوصية العراقية ورافضاً للقومية العربية، حتى اتهمه القوميون العرب بالعنصرية والقطرية كونه عنون كتابه بـ "شخصية الفرد العراقي"، فالشخصية العربية برأيهم متشابهة في كل البلدان العربية، إلا أن دراسة علي الوردي للشخصية العراقية تعتبر الأهم من نوعها ومنهجاً للبحث لباقي بلدان الشرق الأوسط.

حلل الوردي الشخصية العراقية على اعتبارها شخصية ازدواجية تحمل قيم متناقضة بين قيم البداوة وقيم الحضارة، وكان لجغرافيا العراق حسب رأيه أثراً في تكوين الشخصية العراقية، فهو بلد سمح ببناء حضارة بلاد مابين النهرين ولكن قربه من الصحراء جعل منه عرضة لهجرات كبيرة، وسمح باندماج البدو المهاجرين مع السكان الذين سبقوهم بالاستقرار والتحضر، فنشأت لديهم قيمتان: قيمة حضرية وقيمة بدوية. 

اقرأ أيضاً: تعرف على الباحث العراقي عمر فخري ودوره البارز في اكتشاف علاج لنزيف الأطفال

مؤلفاته وأسلوبه الكتابي

كتب الوردي ثمانية عشر كتاباً ومئات البحوث والمقالات نُشرت في مختلف الصحف، حملت أسلوباً نقدياً ساخراً، وتميز بقدرته على التعبير بأسلوب سلس وممتع مع سرده للحكايات والأمثلة التاريخية، وكان يدعو إلى الثورة في الثقافة بعيداً عن السياسة، لذا واجهت أفكاره الاجتماعية الجريئة انتقادات لاذعة، وعُرف عنه تبنيه نظريات حديثة تُحلّل الواقع الاجتماعي العراقي وبعض الأحداث التاريخية، كما فعل في كتاب "وعّاظ السلاطين" عام 1954، الذي اعتمد فيه على منطق الوعظ والإرشاد الأفلاطوني منطلقاً من أن الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ وحده، وأن الوعاظ أنفسهم لا يتبعون النصائح التي ينادون بها وهم يعيشون على موائد المترفين.

ومن مؤلفاته الأخرى المهمة كتاب بعنوان "مهزلة العقل البشري" عام 1959، وهو لا يختلف في مضمونه عن كتاب "وعاظ السلاطين"، ويبحث في فهم الطبيعة البشرية المترفة، ويحلل بعض الأمور ذات الطابع الاجتماعي، وبعض من أحداث التاريخ الإسلامي في ضوء المنطق الاجتماعي الحديث.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي واللغة العربية: أهم التحديات وتقنيات معالجتها

وفاته

توفي الوردي بتاريخ 13 يوليو/تموز عام 1995، تاركاً تأثيراً كبيراً على الفكر العراقي، ولا تزال أفكاره محط جدل عند البعض. وفي عام 2014 كلفت وزارة الثقافة العراقية من خلال دار النشر التابعة لها، فريقاً من أفضل المترجمين العراقيين لترجمة كتاب "اللمحات الاجتماعية لتاريخ العراق الحديث"، وبثت قناة "العربية" سلسلة وثائقية من خمس حلقات عام 2021 ضمن برنامج "روافد"، حملت اسم "علي الوردي عالم من بلادي"، واستضافت السلسلة نخبة من المفكرين والباحثين الذين عايشوا الوردي وبحثوا في نتاجه المعرفي.

المحتوى محمي