الطائرات-المسيرة-وزراعة-الغابات
لم يكن عام 2020 عادياً، فالتغييرات الجذرية التي أحدثتها جائحة كورونا وما رافقها من عمليات إغلاق صارمة تركت آثاراً مزمنة على جميع الأصعدة تقريباً، وغيرت نمط حياة المواطنين في مختلف دول العالم. ولكن فيما كان العالم يحاول التأقلم مع الوضع الجديد الذي خلقته الكارثة، كانت الولايات المتحدة تواجه خطراً من نوع أخر: أحد أقوى مواسم حرائق الغابات تدميراً على الإطلاق.
يشير المركز الوطني لمكافحة الحرائق في الولايات المتحدة إلى أن البلاد شهدت 52 ألفاً و934 حريقاً كبيراً خلال الفترة من 1 يناير إلى 4 ديسمبر 2020، مقارنة بـ 47 ألفاً و673 حريقاً في نفس الفترة من عام 2019. وقد أحرقت النيران نحو 9.5 مليون فدان هذا العام، مقارنة بـ 4.7 مليون فدان العام الماضي، أي ما يقرب من ضعف المساحة.
وعلى الرغم من تأكيد الباحثين أن حرائق الغابات الدورية هي أمر طبيعي، بل وضروري أحياناً للعديد من النظم البيئية، لأنها تزيل المواد العضوية الميتة وتساعد بعض أنواع النباتات والحيوانات على البقاء والتكاثر، إلا أن قدرة الطبيعة بمفردها على إعادة زراعة هذه الأشجار تدهورت بشكل كبير خلال العقود الماضية بسبب شدة الحرائق ومعدلات تكرارها، ولم تعد الأدوات الحالية وسلاسل إمداد شتلات الأشجار كافية لسد هذه الفجوة.
طائرات "درون سيد" توقف تدمير الغابة
ربما يكمن الحل في التكنولوجيا، حيث تقول شركة درون سيد (DroneSeed) الناشئة إنها تستخدم مجموعة متطورة من الأدوات لمواجهة هذه المشكلة: الطائرات المُسيَّرة والذكاء الاصطناعي والهندسة البيولوجية.
وتشير الشركة، التي تتخذ من مدينة سياتل الأميركية مقراً لها، إلى أن الحل الذي تقدمه لتجديد الغابات أسرع وأكثر فعالية من الأسلوب اليدوي الذي يستغرق في العادة سنوات ويحتاج لمئات الأشخاص لزراعة الشتلات يدوياً.
وتستخدم الشركة "أسراباً" من الطائرات المُسيَّرة، لإعادة تشجير المناطق التي احترقت، وإسقاط ما تسميه "أوعية البذور" في المناطق التي يتوفر فيها لهذه البذور أفضل فرصة للنمو مرة أخرى.
وتحتوي أوعية البذور التي طورتها "درون سيد" على مجموعة من الأسمدة والعناصر الغذائية الضرورية ومضادات الآفات التي تساعد البذور على ترسيخ جذورها في التربة بشكل أكثر فعالية، دون الحاجة إلى دفنها فعلياً في الأرض. كما أنها قادرة على مقاومة مختلف الأسباب التي تؤدي إلى موت البذور، بما فيها الجفاف والحيوانات مثل السناجب، حيث تشمل المكونات فلفل حار للغاية لمنع السناجب من أكلها.
وكانت إدارة الطيران الفدرالية أعلنت عام 2018 أن "درون سيد أصبحت الشركة الأميركية الأولى والوحيدة التي تحصل على تصريح لاستخدام أسراب الطائرات المُسيَّرة لعكس تدمير حرائق الغابات، عن طريق زراعة الأشجار من الهواء". وتقول الشركة إن الطلب على خدماتها هذا العام ارتفع بشكل غير مسبوق.
50 فداناً في اليوم
قال الرئيس التنفيذي للشركة جرانت كناري، في تصريحات لشبكة (سي.إن.إن) الأميركية، إن الطائرات المُسيَّرة التي يبلغ طولها ثمانية أقدام (244 سم)، والتي قد تطير في مجموعات مكونة من خمس طائرات بشكل متزامن في طرق مُبرمجة مسبقاً، يمكن أن تغطي مساحة تصل إلى 50 فداناً في اليوم الواحد، وتحمل كل منها ما يصل إلى 57 رطلاً (26 كيلو جراماً) من أوعية البذور.
كان الأسلوب المتبع سابقاً هو استخدام مزارعين بشريين يحملون أكياساً من الشتلات يزرعونها على امتداد المساحات الشاسعة للغابات المحترقة. ولكن نظراً للمشقة التي يحتاجها هذا العمل، فإن العمالة المطلوبة أصبحت نادرة، وعادة لا يستمر الشخص في هذه المهنة لأكثر من عام أو عامين.
أما الحل البديل المتمثل في رش هذه المناطق بالمبيدات -لقتل الأعشاب الضارة التي تستولي على مناطق الغابات- فقد كان خطيراً، لأن الطيارين مطالبين بالطيران على ارتفاعات تقل عن 100 قدم، وتنفيذ مناورات عالية السرعة لتصل المبيدات إلى حواف المناطق المحترقة دون اصطدام الطائرة بالأشجار، ومع ذلك تقع ما بين 80 إلى 100 حادثة تحطم كل عام في الولايات المتحدة وحدها.
والطريقة الجديدة، بحسب كناري، أسرع بست مرات من الطريقة المعتادة، كما أن الشركة "اختصرت سلاسل التوريد للحصول على بذور جديدة، من ثلاث سنوات إلى ثلاثة أشهر".
وإضافة إلى الكاميرات متعددة الأطياف التي توفر لمهندسي "درون سيد" إمكانية إجراء تحليلات متعمقة للتربة والحياة النباتية، تستخدم الطائرات تقنية الليدار (Lidar) -تقنية استشعار عن بعد تستخدم نبضات الضوء، وهي التقنية التي تستخدمها السيارات ذاتية القيادة لرسم خريطة للعالم من حولها- لإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد للتضاريس.
كما تستخدم الطائرات أيضاً أجهزة استشعار تقيس الأطوال الموجية المختلفة للضوء، لمعرفة الفرق بين الأماكن المكونة من الحصى والأماكن التي تكون التربة فيها أكثر ملاءمة لنمو الأشجار.
وتقول الشركة إنها تأمل من تطوير تقنيات إعادة زراعة الغابات إلى التخفيف من حدة التغير المناخي، وتمهيد الطريق أمام استخدام وسائل أكثر فعالية "لعزل الكربون" من الغلاف الجوي.