هل تستطيع شبكة سنيكرنت الخفية في أفغانستان أن تنجو من طالبان؟

5 دقائق
شبكة سنيكرنت
حقوق الصورة: فيليب دانا/ أسوشيتد برس.

عندما وقعت أفغانستان بيد طالبان في أغسطس/آب، اضطر محمد ياسين إلى اتخاذ بعض القرارات الصعبة بسرعة كبيرة.
ومع محاولة البلاد استيعاب صدمة انتقال السلطة، تسلل ابن الواحد والعشرين عاماً -والذي تم تغيير اسمه حفاظاً على سلامته- إلى مكتبه الصغير وبدأ العمل.

كيف بدأ "كارات" شبكة "سنيكرنت" في أفغانستان التعامل مع وجود طالبان؟

وقد بدأ بمحو بعض المعلومات الحساسة عن حاسوبه ونقل بقية المعلومات إلى اثنين من أضخم محركات الأقراص الصلبة لديه، وقام بلفها بعد ذلك بطبقة من البلاستيك ودفنها تحت الأرض في مكان سري.

لم يتخذ ياسين هذه الاحتياطات لأنه جزء من المخابرات الأفغانية، أو لأنه ذو صلة بالحكومة. فليس لديه أي أسرار حكومية على حواسيبه. بل هو ما يشار إليه محلياً باسم "كمبيوتر ⁧⁩كار⁧⁩" أو "كارات"، أي الشخص الذي يبيع المحتوى الرقمي باليد في بلاد يعتبر الحصول على اتصال مستقر بالإنترنت فيها أمراً بالغ الصعوبة. "أنا أبيع تقريباً كل شيء، بدءاً من الأفلام والموسيقى وتطبيقات الهواتف الخلوية، وصولاً إلى تحديثات نظام آي أو إس". ويكمل بصوت خفيض: "أيضاً، أساعد على إنشاء حسابات آبل وحسابات خدمات التواصل الاجتماعي، ودعم الهواتف واسترجاع البيانات. كما أستطيع فك قفل الهواتف المسروقة، وتأمين بعض الفيديوهات الممنوعة".

عندما وقعت مدينة هرات بيد طالبان في 12 أغسطس/آب، توقع ياسين وزملاؤه أن قوات طالبان ستجتاح مدينته، مزار شريف، قريباً. ويقول: "كانت الأمور أكثر توتراً في مزار أيضاً، ولهذا، عقدت اجتماعاً سرياً مع بعض ⁧الكارات⁧⁩ الآخرين الذين أعمل معهم في مزار، وذلك لاتخاذ قرار حول كيفية حماية محتوانا".

وقد كان لدى أفراد هذه الوحدة غير الرسمية من ⁧⁩الكارات⁧⁩ ما مجموعه عدة مئات من التيرابايتات من البيانات التي جمعوها على مدى عدة سنوات، وأغلب هذه البيانات تُعتبر مثيرة للمشاكل، بل وحتى مخالفة للقانون، من قبل طالبان. ويقول: "لقد اتفقنا على عدم حذف المحتوى المثير للمشاكل، وإخفائه بدلاً من ذلك، وبررنا ذلك بأن هذه الأنظمة تأتي وتذهب في أفغانستان بشكل متكرر، ولكن عملنا يجب ألا يتأثر بهذا".

ويبدو أنه لا يشعر بالكثير من القلق حول اكتشافه من قبل طالبان. ويقول: "إن الناس يخبؤون الأسلحة النارية، والأموال، والمجوهرات، وغير ذلك، ولهذا لا أشعر بالخوف من تخبئة أقراصي الصلبة، ولن يتمكنوا أبداً من العثور عليها؛ فأنا فتى ينتمي إلى القرن الواحد والعشرين، في حين يعيش معظم أفراد طالبان في الماضي".

كيف نشأت شبكة سنيكرنت؟

بعد ⁧⁩أقل من 20 سنة⁧⁩ من إجراء الرئيس الأفغاني السابق، حميد كرزاي، أول مكالمة خلوية في أفغانستان، يوجد ما يقارب ⁧⁩23 مليون مستخدم للهواتف الخلوية⁧ في بلاد لا يكاد يصل عدد سكانها إلى 39 مليون شخص. ولكن الوصول إلى الإنترنت مسألة مختلفة تماماً، فبحلول بداية العام 2021، كان هناك أقل من ⁧9 ملايين مستخدم إنترنت⁧، وهو تأخر يُعزى بشكل كبير إلى انتشار المشاكل الأمنية في الشوارع، والتكاليف المرتفعة، ونقص تطوير البنى التحتية عبر المنطقة الجبلية في البلاد.

ولهذا، ينتشر ⁧⁩كارات⁧⁩ الكمبيوتر مثل ياسين في جميع أنحاء أفغانستان. وعلى الرغم من أنهم يقومون في بعض الأحيان بتنزيل المعلومات عن الإنترنت عند إمكانية الاتصال به، إلا أنهم يقومون في أغلب الأحيان بنقل الكثير من المعلومات فيزيائياً على أقراص صلبة من البلدان المجاورة، وهو ما يعرف باسم شبكة سنيكرنت.

يقول محب الله، ⁧⁩كار⁧⁩ آخر طلب عدم التعريف عنه باسمه الحقيقي: "أنا أستخدم الواي فاي في المنزل لتنزيل بعض الموسيقى والتطبيقات، كما يوجد لدي خمس شرائح خليوية للإنترنت". "ولكن الاتصال هنا غير موثوق، ولهذا أقوم كل شهر بإرسال محرك أقراص صلبة بسعة 4 تيرابايت إلى جلال آباد، حيث يُملأ بالمحتوى ويُعاد إلىّ خلال فترة أسبوع مع أحدث الأفلام الهندية أو المسلسلات الدرامية التركية، والموسيقى، والتطبيقات"، والتي يقول إنه يدفع تكلفتها مبلغاً يتراوح ما بين 800 وألف أفغانية (8.75 إلى 11 دولار).

"إن الناس يخبؤون الأسلحة النارية، والأموال، والمجوهرات، وغير ذلك، ولهذا لا أشعر بالخوف من تخبئة أقراصي الصلبة، فأنا فتى ينتمي إلى القرن الواحد والعشرين، على حين يعيش معظم أفراد طالبان في الماضي". محمد ياسين، كمبيوتر كار.

يقول محب الله إنه يستطيع وضع أكثر من 5 غيغابايت من البيانات على هاتف، بما في ذلك الأفلام والأغاني وفيديوهات الموسيقى وحتى الدروس التعليمية، مقابل 100 أفغاني فقط أو 1.09 دولار.

وقد قال لي في بداية أغسطس/آب، قبل أيام وحسب من اجتياح طالبان: "لدي أحدث أفلام هوليوود وبوليوود مدبلجة بالداري والباشتو (وهي اللغات الوطنية الأفغانية)، وموسيقى من جميع أنحاء العالم، وألعاب، وتطبيقات".

ومقابل مبلغ إضافي صغير، يساعد محب الله زبائنه على إنشاء حسابات التواصل الاجتماعي، وإعداد هواتفهم وحواسيبهم المحمولة للاستخدام، بل وحتى كتابة رسائل البريد الإلكتروني لهم. "أنا أبيع كل شيء، وجميع أنواع المحتوى". واستدرك قائلاً: "كل شيء باستثناء "أفلام 100%"، مشيراً إلى الأفلام الإباحية. (ولكنه اعترف لاحقاً بوجود بعض "الفيديوهات الحرة" لديه، وهو اسم رمزي آخر للأفلام الإباحية، ولكنه يبيعها فقط للزبائن الموثوقين). وعلى الرغم من أن معظم الزبائن من الرجال، فإن النساء يشترين أيضاً الموسيقى والأفلام منه بصورة منتظمة.

يأتي معظم هذا المحتوى من باكستان، والتي يقول بأنها تتميز باتصال إنترنت أفضل وأقل تكلفة. وأثناء نقاشنا هذا العمل في متجر محب الله الصغير في شارع مزدحم في غرب كابول، دخلت امرأتان المكان. رفضت الامرأتان طلب المقابلة، ولكنهما أخبرتانا بأنهما تعملان في تنسيق الموسيقى في الأعراس، وأنهما تبحثان عن أحدث الأغاني والموسيقى لتشغيلها في حفلات الأعراس الباذخة التي يقيمها زبائنهما.

عرض عليهما محب الله مجموعة مختارة من أحدث الأغاني الهندية لاستعراضها، ومن ثم قام بنقل قائمة تشغيل تتضمن أكثر من 100 أغنية إلى كل منهما مقابل 70 أفغاني. ومن سوء حظ ⁧⁩الكارات⁧، فقد اختفى هؤلاء الزبائن كلياً منذ سيطرة طالبان.
فقد قام النظام العنيف والمتطرف بحظر الموسيقى، وتقييد حريات النساء. واضطر ياسين ومحب الله إلى تعديل طريقة العمل للتكيف بسرعة مع النظام الجديد. فقد استبدلا الفيديوهات الغنائية المثيرة البوليوودية والإيرانية ⁧⁩بالتارانات⁧⁩ الطالبانية (أغانٍ دون موسيقى) والتلاوات القرآنية.

وبما أن الأفغان يحبون حمل صور المشاهير على هواتفهم، فقد استُبدلت هذه الصور بصور أعلام ورايات طالبان بتصاميم مختلفة. كما أن جميع "الأفلام الحرة" التي كان ⁧⁩الكارات⁧⁩ يعرضونها على الزبائن أصبحت مخبأة في مكان لا أحد يعرفه غيرهم. "إذا عثروا على هذه الأفلام، فسوف أتعرض إلى عقوبة شديدة للغاية" ويكمل ياسين مرتجفاً: "سوف يعدمونني".

اقرأ أيضاً: هل ستفشل خطة أفغانستان التي كانت قد وضعتها لإيقاف التعامل بالأموال النقدية؟

هجمات على المحتوى

يعترف كلا الشابين بأن سيطرة طالبان أحدثت ضرراً فادحاً بالعمل. فقد تراجعت أرباحهما الوسطية بنسبة 90% تقريباً، من حوالي 3000 أفغاني يومياً إلى أقل من 350، أي من 32 إلى 3.8 دولار. يقول ياسين: "ومن هذه الأرباح، يتم تخصيص حوالي 100 أفغاني لوقود المولد الكهربائي، وحوالي 50 أفغاني للسلطات البلدية لقاء المساحة التي أشغلها في الشارع، وهذا غير كاف لمعيشة أشقائي الخمسة ووالديّ".

وإضافة إلى مراقبة المحتوى، فقد كانت طالبان تشن هجمات ومداهمات متكررة على ⁧⁩الكارات⁧⁩ مثل ياسين ممن وسعوا خدماتهم حتى تشمل مساعدة الأفغان على الهروب من الملاحقة.

ويقول: "يلجأ إليّ الأشخاص المختبئون أو الذين ينتظرون الإجلاء لمساعدتهم على تخزين بيانات هواتفهم الخليوية على وحدات تخزين فلاش، وذلك لتجنب الاعتقال من قبل مقاتلي طالبان الذين يتحققون من الهواتف على نقاط التفتيش". ويقول إنه يتقاضى أجرة رمزية لقاء هذه الخدمات، غير أنه تخلى عنها أيضاً في بعض الحالات.

ويقول: "عادة ما تكون بيانات شخصية تخالف تعليمات طالبان ويرغبون بأخذها معهم، وفي بعض الأحيان تكون معلومات يمكن أن تشير إلى دعمهم للحكومة السابقة أو الحلفاء الأجانب، وهو ما يمكن أن يعرضهم إلى الاعتقال وحتى الإعدام".

بالنسبة لمحب الله، فإن هجمات طالبان على تجار المحتوى بعد وصولهم إلى السلطة تمثل شكلاً من أشكال سخرية القدر، حيث إن طالبان كانت تستخدم شبكة سنيكرنت أيضاً لأغراض التجنيد وتحفيز الميول المتطرفة. ويقول: "بين الحين والآخر، كان يأتينا بعض الرجال لتوزيع ⁧تارانات⁧⁩ طالبان التي تمجد مقاتليهم، أو مقاطع فيديو مخيفة لعمليات الإعدام التي نفذوها، وكانوا يريدون استخدام خدماتنا لنشر إيديولوجيتهم ودعاياتهم بين الشباب".

ويضيف إنه لم يشارك محتوى كهذا مع زبائنه قبل الآن. "ولكن، وفي هذه الأيام، فإن طالبان أصبحت بيننا، وأفرادها يطالبون بهذا المحتوى، كما يطلبون أيضاً صوراً للرايات الطالبانية ومقاتلي طالبان مع أسلحتهم، وأنا أستجيب لطلباتهم لأنني يجب أن أعيل عائلتي"، كما يقول.

ولكن ⁧الكارات⁧ الأفغان يتميزون دون شك بالجرأة. فما زال الكثيرون منهم يبيعون المحتوى الممنوع سراً. بل إن غيرهم، والذين يبحثون عن بصيص أمل في هذا الجو الكئيب، يأملون حتى بزيادة نشاط الأعمال لأنواع معينة من المحتوى الترفيهي، وذلك بسبب اضطرار الكثير من الأفغان، خصوصاً النساء، للبقاء في المنازل.

يقول محب الله: "خلال فترات الحجر الصحي لوباء كوفيد، شهدنا زيادة في الطلب على مقاطع الرسوم المتحركة، بسبب بقاء الأطفال في المنزل، وحالياً، ومع وجود طالبان وزيادة البطالة، فقد أصبح هناك الكثيرون من الأشخاص العالقين في المنازل، والذين قد يرغبون بمشاهدة المزيد من الأفلام".

المحتوى محمي