أصبح أحد المرضى في الولايات المتحدة أول شخص يتلقى حقنة لعلاج تجريبي يهدف إلى تعديل خطأ وراثي في حمضه النووي. ويمثل استخدام تقنية التعديل الجيني لتصحيح الخلايا في الجسم حدثاً علمياً هاماً، ولكنه يشير أيضاً إلى معضلة طبية مزعجة.
ويعتبر المريض براين مادوكس -من ولاية أريزونا ويبلغ من العمر 44 عاماً- جزءاً من تجربة سريرية لاختبار إحدى طرق التعديل الجيني لمتلازمة هنتر، وهي نوع من الاضطرابات الاستقلابية التي تدمِّر خلايا الجسم ببطء. ويبلغ العمر المتوقع للأشخاص الذين يولدون وهم يعانون من هذا المرض من 10 إلى 20 سنة، ولذلك فإن معظم المرضى هم من الأطفال. وفي الوقت الحالي، تعدّ التجربة التي يشارك فيها مادوكس متاحةً للبالغين فقط. لذلك فإن المرضى الصغار -ممَّن هم في حاجة ماسة إلى العلاج من أجل البقاء على قيد الحياة- لا بدَّ لهم أن ينتظروا للحصول عليه.
تتطلَّب إدارة الغذاء والدواء الأميركية في كثير من الأحيان من الشركات أن تُثبت أن العلاج آمن عند البالغين قبل استخدامه عند الأطفال. وتهدف شركة سانجامو ثيرابيوتكس (Sangamo Therapeutics) التي تجري التجربة إلى علاج تسعة مرضى بالغين قبل أن تتمكَّن من قبول الأطفال في التجربة الحالية. لكن ساندي ماكراي (الرئيس التنفيذي لشركة سانجامو) يقول إن علاج الأطفال بعمر مبكر هو الهدف النهائي.
ويقول: "توجد الحاجة الطبية الحقيقية هناك. نريد أن نحاول معالجة هذا المرض قبل حدوث أي تأثيرات، وليس عند المرضى البالغين حيث تكون العديد من الملامح قد ظهرت بالفعل".
تحدث متلازمة هنتر في الغالب عند الأولاد وتؤثر على أجزاء مختلفة من الجسم. ويرجع سببها إلى طفرة في جين يدعى IDS، الذي يقدِّم تعليمات لإنتاج إنزيم يفكّك جزيئات السكر الكبيرة في الخلايا. عندما يتعرّض هذا الجين للطفرة، تتراكم جزيئات السكر هذه داخل الخلايا، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى تضخّم الأنسجة والأعضاء. كما أنه يؤدي إلى التدهور المعرفي والموت المبكر عند المرضى المصابين بالنوع الأكثر شدة من المرض.
ويمكن لعمليات النقل الأسبوعية للإنزيم الناقص أن تخفّف بعض الأعراض ولكنها لا تحسّن وظيفة الدماغ. ويمكن للعلاج -الذي يستغرق تطبيقه حوالي أربع ساعات- أن يكلّف مئات الآلاف من الدولارات سنوياً.
وعلى الرغم من أن العدد الدقيق للأشخاص المصابين بهذا المرض غير معروف، فإن مؤسسة متلازمة هنتر -وهي منظمة لمناصرة المرضى- تقدّر ذلك بنحو 500 شخص في أميركا الشمالية و2500 شخص حول العالم. وتقول جانيت هنريكيز -التي أسّست مؤسسة متلازمة هنتر- بأنه من المحتمل أن يكون من الصعب على شركة سانجامو أن تعثر على عدد كافٍ من المرضى البالغين لتجريب العلاج، لكنها متفائلة من أنه سيتم اختباره عند الأطفال في نهاية المطاف.
وتقول: "إن المجتمع متفائل جداً، وأنا شخصياً متفائلة جداً حول نتائج هذه التجربة". ويُذكر بأنه قد تم تشخيص إصابة ابنها دومينيك البالغ من العمر سبع سنوات بهذا المرض في عام 2011.
ويعتمد علاج شركة سانجامو على إحدى تقنيات التعديل الجيني التي تسمَّى نيوكلييز إصبع الزنك بدلاً من تقنية كريسبر الأحدث. وهي مصمّمة لإدخال نسخة صحيحة من جين IDS إلى خلايا الكبد. وتعتقد سانجامو أن هذا سيمكِّن الكبد من إنتاج إمدادات دائمة ومستقرة من الإنزيم الذي يفتقر إليه المريض.
وتقول هنريكيز بأنه على الرغم من تفاؤلها، إلا أنها متردّدة في تسجيل ابنها في التجربة إذا أصبحت متاحة للأطفال، لأن تعديل الجينات يرافقه بعض المخاطر. ويتمثّل أحد أكبر مصادر القلق فيما قد يحدث إذا لم تصل آلية التعديل إلى الجزء الصحيح من الجينوم، وقامت بإجراء قطع غير مقصود في مكان آخر بدلاً منه.
وكانت شركة سانجامو قد استخدمت في السابق تقنيتها في تعديل الجينات لتعديل خلايا مرضى فيروس الإيدز خارج الجسم ثم نقلها مرة أخرى إلى المريض على أمل القضاء على الفيروس. وكان من المفترض لهذه الطريقة أن تجعل الخلايا مقاوِمة للفيروس. ويقول ماكراي إن العلاج كان آمناً ولكنه لم يكن فعالاً بما يكفي للسماح للمرضى بالتوقف عن تناول الأدوية المضادة للفيروسات الراجعة، وهو العلاج الشائع لفيروس الإيدز.