عثر فريق متعدد الاختصاصات من جامعة بنسلفانيا الأميركية على مضادات حيوية طبيعية في الجينوم البشري، وذلك باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
تتطور البكتيريا باستمرار، وتزداد قدرتها على مقاومة المضادات الحيوية المعروفة، ما يدفع العلماء للبحث عن مضادات حيوية جديدة وفعالة ضد البكتيريا المقاومة. وفي هذا البحث، لجأ العلماء لتقنيات الذكاء الاصطناعي، واكتشفوا بمساعدتها الببتيدات المضادة للميكروبات التي يصنعها الجسم بشكل طبيعي. وقد قاد البحث سيزار دي لا فوينتي، الأستاذ المساعد في الهندسة الحيوية، وعلم الأحياء الدقيقة والطب النفسي والهندسة الكيميائية والجزيئية الحيوية. ونشرت الدراسة في دورية نيتشر بيوميديكال إنجينيرينغ (Nature Biomedical Engineering) في الرابع من نوفمبر الجاري.
المضادات الحيوية الببتيدية
لمعرفة ما هي الببتيدات، يجب أن تعرف أن الجينوم عند الكائنات الحية يُشفّر سلاسل طويلة من التعليمات البرمجية التي تحتوي على تعليمات لصنع كل الجزيئات التي يحتاجها الجسم. من أبسط هذه الجزيئات الأحماض الأمينية، التي تُشكل الببتيدات، والتي بدورها تتحد لتشكل البروتينات.
يؤكد دي لا فوينتي أن الببتيدات المضادة للميكروبات التي كانت مخبأة داخل بروتينات أكبر يبدو أن لا علاقة لها بالجهاز المناعي المسؤول عن الدفاع عن الجسم ضد الميكروبات. تتشكل الببتيدات المضادة للميكروبات (AMPs) في أجسام الكائنات الحية بشكل طبيعي، لكن الطرق التقليدية للبحث منعت من اكتشافها مسبقاً.
اقرأ أيضاً: “قرميد” حيّ يستخدم البكتيريا لبناء نفسه
الذكاء الاصطناعي يساعد في اكتشاف المضادات الحيوية الببتيدية
يقول دي لا فوينتي: "في هذه الدراسة، طبقّنا طريقة جديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في اكتشاف المضادات الحيوية في أماكن لم يتم التعرف عليها سابقاً. ما هو أفضل مكان للبدء لاستكشاف المعلومات البيولوجية الخاصة بنا؟ مجموعة الجينات والبروتينات التي تجعلنا ما نحن عليه».
قام الباحثون أولاً بتحديد الخصائص الفيزيوكيميائية لجميع البيبتيدات، مثل الطول (من 8 إلى 50 حمضاً أمينياً) والشحنة الموجبة وامتلاك أجزاء كارهة للماء وأجزاء محبّة للماء. ثم صمموا خوارزمية لتحدد وتبحث عن الببتيدات ذات الخصائص المضادة للميكروبات في الجينومات والبروتينات.
بحثت خوارزمية الذكاء الاصطناعي في جميع بروتينات الجسم، ووجدت أن 43 ألفاً من الببتيدات يتراوح طولها من 8 إلى 50 حمضاً أمينياً، ثم حددت الخوارزمية 2603 ببتيداً، من المحتمل أن يكون من الببتيدات المضادة للميكروبات، وذلك بناءً على وظيفتها الحركية.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يساهم في اكتشاف مضاد حيوي قادر على قتل البكتيريا شديدة المقاومة
نتائج الدراسة
للتحقق من صحة امتلاك هذه الببتيدات لخصائص مضادة للميكروبات، تم تصنيع 55 ببتيداً من الببتيدات التي حددتها الخوارزمية، واختبار فعاليتها على ثمانية مسببات مرَضية مختلفة، منها بكتيريا «الإشريكية القولونية» والبكتيريا التي تسبب عدوى «المكورات العنقودية» والالتهاب الرئوي.
وأظهرت النتائج أن 63.6% من الببتيدات الـ55 مضادة للميكروبات. وأن هذه الببتيدات ليست فعالة ضد البكتيريا الضارة فحسب، بل تستهدف بكتيريا الأمعاء والجلد المفيدة أيضاً، ويعتقد دي لا فوينتي أن هذا دليل على أن هذه الببتيدات لها دور في توازن البكتيريا الضارة والمفيدة في الجسم.
اختبر الفريق أيضاً قدرة الببتيدات على العمل بشكل تآزري، ووجدوا أن مزيجاً من الببتيدات المنتشرة في منطقة حيوية محددة داخل الجسم كانت قادرة على تعزيز قدراتها الفردية على محاربة العدوى بمقدار 100 ضعف عندما تتعاون مع بعضها البعض
ووجد الباحثون أن الببتيدات التي اكتشفتها الخوارزمية تنتشر في جميع أنحاء الجسم، بدءاً من الجهاز المناعي، وصولاً إلى الجهاز الهضمي والدورة الدموية والجهاز العصبي، مما يشير إلى أن مكافحة العدوى الميكروبية قد تعمل بنهج أكثر شمولية مما كان يُعتقد سابقاً.
وعند اختبار هذه الببتيدات على الفئران، أثبتت فعاليتها في منع حدوث العدوى، وقللت حجم الحمل البكتيري حتى ثلاث مرات، وأثبتت أيضاً أنها تتمتع بنفس فعالية المضادات الحيوية القوية المعروفة، ومن دون علامات سميّة.
وأما عن آلية تأثيرها على البكتيريا، فقد وجد الباحثون أنها تخترق أغشية الخلايا البكتيرية، وتؤدي بالتالي إلى تدميرها. تضمن هذه الآلية عدم قدرة البكتيريا على مقاومة هذا النوع من المضادات الحيوية.
يقول دي لا فوينتي: "يسلط هذا العمل الضوء على أن كل كائن حي هو مجموعة بيانات من التعليمات البرمجية التي يمكن تطبيق الذكاء الاصطناعي عليها للعثور على الجزيئات ذات الصلة". ويؤكد أنه يمكن تطبيق هذه الأداة على جزيئات أُخرى غير الجينوم والبروتينات، بهدف البحث السريع والشامل في مجموعة واسعة من الأماكن عن تلك الجزيئات، سواء كانت مضادة للميكروبات، أو مضادة للسرطان، أو مضادة للفيروسات، ما يؤدي إلى فتح أبواب جديدة في العديد من مجالات اكتشاف الأدوية والأبحاث الجزيئية.