لم تَسِر الأمور على ما يرام في المرة الأولى التي تمَّ فيها طرح فكرة اللقاح الشخصي للسرطان على الإدارة العليا لشركة جينينتك (Genentech)، ويتذكَّر ذلك آيرا ميلمان (رئيس قسم أبحاث الأورام في جينينتك) بقوله: "ظننت أنه سيكون هناك صخب واضطراب".
وقد شاهد ميلمان -على الطرف الآخر من الطاولة- أعضاء لجنة المراجعة العلمية وهم يهزُّون رؤوسهم بانزعاج حينما كانت ليليا ديلامار (إحدى أعضاء فريقه، والمتعاونة معه منذ فترة طويلة) تتحدث عن الأمر، ثم سمع بالصدفة مدير التطوير السريري وهو يلتفت إلى الشخص الذي يجلس بجانبه ويتمتم قائلاً: "سأفعل المستحيل لمنع اللقاح، فهو لن ينجح أبداً".
كان ذلك في عام 2012، والآن صار العلاج المناعي للسرطان -الذي يعتمد على جهاز مناعة الشخص لمهاجمة الأورام- هو أحد أكثر المجالات الواعدة في الطب، وأحد أعظم الاكتشافات في علم الأورام منذ عقود. ولكن الأمر استغرق وقتاً طويلاً للوصول إلى هذه المرحلة، فقبل أن تظهر هذه الفئة الجديدة من الأدوية المناعية القوية في الآونة الأخيرة، كان هذا المجال سيئ السمعة بكونه علماً مشكوكاً فيه ومجرد دعاية وشيئاً مُخيِّباً للآمال بشكل كبير.
وما اقترحه ميلمان وفريقه في ذلك اليوم كان أكثر من مجرد تجهيز الخلايا المناعية لجعلها أكثر قدرة على مهاجمة السرطانات، إذ كانوا يتحدثون عن لقاح مصمَّم بشكل خاص لتحفيز جهاز المناعة ليتفاعل مع أورام محدَّدة. وإذا نجحت تلك الطريقة، فمن الممكن لها أن تكون -في بعض الحالات- أكثر قوة من الأنواع الأخرى من العلاج المناعي، ولكنها واجهت سلسلة من العقبات الشاقة، فشركة جينينتك -وهي شركة متخصصة في مجال التكنولوجيا الحيوية ومقرها في سان فرانسيسكو ومملوكة لشركة الصناعات الدوائية السويسرية العملاقة روش- إذا حاولت أن تطوِّر لقاحاً يمكنه مهاجمة أورام محدَّدة، فلن تضطر إلى قبول تقدم علمي جديد فحسب، بل سيكون عليها أيضاً تبنِّي نموذج أعمال جديد تماماً وغير مجرَّب؛ وذلك لأن اللقاح الذي تصوَّره ميلمان وديلامار لا يمكن تصنيعه بالطريقة التقليدية بدفعات كبيرة يمكن تعبئتها وتخزينها وتوزيعها من رفوف الصيدليات المحلية.
وعندما ذكر ميلمان وديلامار كلمة "شخصي"، كانا يعنيان ذلك حقاً؛ إذ يعتمد تركيب كل لقاح على خصائص الحمض النووي للورم الذي يعاني منه كل مريض، وسيتعيَّن على الشركة نظرياً أن تصنع علاجاً منفصلاً لكل مريض.
ولن يكون هذا نوعاً من الأدوية التي يمكنك طلبها بوصفة طبية والحصول عليها خلال بضعة أيام (مثل دوائي السرطان هيرسبتين وأفاستين الناجحين جداً من شركة جينينتك)، بل سيكون على الشركة -حين تريد إعداد هذا الدواء- أن تقوم بتنسيق عملية متعددة الخطوات لكل مريض، بحيث تتم في مواقع متعددة. كما أن كل مريض يحتاج إلى خزعة، ويجب أن تخضع أنسجة الورم للتسلسل الكامل للجينوم، وستتطلب النتائج تحليلاً حسابياً معقداً، ومن ثم ستحتاج اللقاحات الشخصية إلى أن تُصمَّم وتنتظر دورها من أجل التصنيع. ومن الناحية النظرية: إذا كان سيتم إنتاج اللقاحات على نطاق واسع، فإن هذا سيحدث مئات المرات في الأسبوع، وحينئذٍ يجب أن يحدث بسرعة.
كما أنه إذا انحرفت أي خطوة في العملية عن مسارها أو وقع خطأ في الشحن أو تلوثت الدفعة، فقد يكون ذلك مميتاً؛ لأن السرطان لا ينتظر. ولا عجب في أن إدارة جينينتك كانت متشككة جداً.
وقد عاد ميلمان وديلامار إلى مختبريهما بعد ذلك الاجتماع الأول الفاجع، ثم رجعا بعد بضعة أشهر ببيانات أكثر إثارة، فقد حدَّدا أهدافاً خاصة على الخلايا السرطانية، وهي أهداف يمكن مهاجمتها بسهولة من قِبل الخلايا المناعية. كما كان لديهما أبحاث جديدة مُقنعة من عدد متزايد من المجموعات الأكاديمية الأخرى حول جدوى طريقتهم، وكان لديهما خطة أولية حول كيفية قيام شركة جينينتك -بحدِّ ذاتها- بالخطوات التجريبية الأولى نحو جعل العلاجات المخصَّصة منتجاً قابلاً للتطبيق من الناحية الاقتصادية.
كان الاستقبال مختلفاً هذه المرة، إذ وقَّعت اللجنة على بحث استكشافي أسفر في عام 2016 عن صفقة قيمتها 310 مليون دولار مع شركة بيو إن تك (BioNTech)، وهي شركة ألمانية لديها تقنية لإنتاج لقاحات مخصَّصة لاستهداف الأورام. وقد أطلق الشريكان في شهر ديسمبر الماضي جولة ضخمة من التجارب البشرية، وكانت تستهدف على الأقل 10 أنواع من السرطان، وتُشرك ما يزيد عن 560 مريضاً في مواقع مختلفة حول العالم.
وفي المقر الرئيسي لشركة جينينتك، كبرَ فريق ميلمان وديلامار الصغير الآن ليصل إلى المئات، وهو لا يقتصر على عمال المختبر فحسب، ولكنه يضمُّ أيضاً متخصصين في سلسلة التوريد وخبراء تنظيميين وأخصائيين في التشخيص ومجموعة كبيرة من الاستشاريين، وقد ركزوا جميعاً على المهمة الشاقة في معرفة كيف يمكن لمنتجهم الجديد الواعد أن تتم زيادة إنتاجه -إذا استمر في إظهار التأثيرات القوية التي تمت ملاحظتها حتى الآن- بطريقة لا تؤدِّي إلى إفلاس الشركة.
ويقول شون كيلي (قائد فريق المشروع الذي يشرف على هذا العمل): "إنه أمر لم يتم القيام به أبداً، ولذلك فإننا نتعلم ونحن نتقدَّم في العمل".
ولا تعتبر جينينتك وبيو إن تك هما الشركتان الوحيدتان اللتان يدفعان نحو هذا المجال الجديد في الوقت الحالي، حيث إن شركة موديرنا (Moderna) -وهي شركة متخصِّصة في مجال التكنولوجيا الحيوية ومقرها في كامبريدج بولاية ماساشوستس- أعلنت في أواخر عام 2017 أنها تعتزم القيام بالشراكة مع شركة ميرك العملاقة للصناعات الدوائية لبدء تجارب على البشر باستخدام لقاح يستهدف الأورام الصلبة. حتى أن شركة أخرى تُدعى نيون ثيرابيوتكس (Neon Therapeutics) -وقد أسَّسها باحثون في معهد دانا فاربر للسرطان وجامعة واشنطن- قد قامت بمعالجة أول مريض لها في المرحلة الأولى من التجارب في شهر مايو، بواسطة لقاح مماثل مشتقٍّ باستخدام طريقة مختلفة، وقد جمعت الشركة 100 مليون دولار في العرض العام الأوَّلي هذا الصيف، الأمر الذي قاده التفاؤل بشأن طريقتها إلى حدٍّ كبير.
ويقول: "يمكنك تخيل سيناريو يستفيد فيه كل مريض بالسرطان من هذا اللقاح، هذا أمر لم يسمع به أحد".ولم يتم بعد إثبات التقنية لأول لقاح شخصي للسرطان، ومن المرجح أن تكون هذه العلاجات باهظة التكاليف، وذلك كما أقرَّ ميلمان مؤخراً عندما كان يجلس في غرفة اجتماعات واسعة خارج مكتبه في مقر شركة جينينتك في ساوث سان فرانسيسكو، ومع ذلك فهو يصرُّ على أنه إذا سار كل شيء في الاتجاه الصحيح، فإن التكاليف الإضافية والحدود الأقل سيتم تعويضها بواسطة العدد الكبير من الأشخاص الذين سيستخدمون العلاج.
مكافحة نفسك بنفسك
أُثير اهتمام العلماء لعقودٍ بسبب احتمال أن تكون أعظم نقاط قوة السرطان -أي قدرته على التعرُّض للطفرات والتطوُّر- هي إحدى أكبر نقاط ضعفه أيضاً.
فإننا -بعد كل شيء- نجد أن الطفرات في الحمض النووي الخلوي هي السبب في الإصابة بالسرطان في المقام الأول، وذلك عن طريق تحفيز الخلايا التي تحملها على النمو والتكاثر بشكل خارج عن السيطرة. وكان بعض الباحثين في الأربعينيات من القرن الماضي يجادلون في أنه قد يكون من الممكن جعل خلايا الجهاز المناعي تقتفي رائحة ورم محدَّد عن طريق تحضيرها بلقاح يساعدها في التعرُّف على طفرات الورم، كما قام عدد من الباحثين بالتجارب، واستمروا في تجربة تقنيات تنطوي على إزالة الخلايا المناعية من الجسم وتعديلها وراثياً ومن ثم إعادة حقنها على أمل إثارة استجابة قوية. بينما ركّز علماء مناعة آخرون متخصصون في السرطان على تطوير أدوية لتثبيط المفاتيح الجزيئية الموجودة على الخلايا التائية للجهاز المناعي، التي يمكنها أن تتداخل مع قدرتها على الهجوم.
ولكن لم يكن بسيطاً -حتى وقت قريب- أن توجد الأدوات العلمية اللازمة لاتِّباع الطريقة الشخصية المتطورة التي تسعى إليها شركة جينينتك الآن، وهي طريقة تتطلب من العلماء أن يميِّزوا الورم السرطاني تماماً وبشكل فردي، وأن يحدِّدوا الطفرات الأكثر عرضة للهجوم، ثم يصمِّموا لقاحاً شخصياً من شأنه حثُّ جهاز المناعة على استهدافها.
وكانت المشكلة هي تحديد الجزيئات الهدف الصحيحة على الخلية السرطانية، أو هي -كما اعتقد الباحثون- المستضدات التي من شأنها أن تلفت انتباه الخلايا المناعية، حيث يقول روبرت دي شرايبر (مدير العلاج المناعي في جامعة واشنطن): "كان هناك الكثير من العمل لتحديد المستضدات في الماضي، وكان من الممكن أن تقوم بكل هذا العمل، ومن ثم ينتهي بك الأمر بمستضد واحد من فرد واحد، وهو ما قد لا يوجد مرة أخرى عند أي فرد آخر".
وقد تغيَّر كل ذلك مع ظهور التسلسل الجيني رخيص التكلفة، ففي عام 2008 -أي بعد خمس سنوات من قيام مشروع الجينوم البشري بنشر تسلسل أول جينوم بشري- نشر العلماء تسلسلَ أول جينوم لخلية سرطانية، وبعد فترة وجيزة بدأ العلماء يقارنون الحمض النووي في الخلايا السرطانية والخلايا السليمة لتمييز طرق اختلافها التي لا تعدُّ ولا تحصى، وأكدت هذه الدراسات أن جميع الخلايا السرطانية تحتوي على مئات من الطفرات، إن لم يكن الآلاف منها، ومعظمها خاصة بكل ورم.
وفي عام 2012 قام فريق من الباحثين الألمان -بقيادة علماء في شركة بيو إن تك- بإجراء تسلسل لخط خلوي ورمي عند الفئران يستخدم على نطاق واسع بهدف محاكاة خلايا سرطان الخلايا الصبغية (الميلانوما) عند البشر، وقاموا بتحديد 962 طفرة، واستخدموا تسلسل الحمض النووي الريبي لتحديد 563 طفرة تم التعبير عنها في الجينات، ثم قامت المجموعة بإعداد لقاحات مصنوعة من أجزاء بروتينية تحتوي على 50 طفرة، وحقنتها في الفئران بهدف معرفة ما إذا كان ذلك سيدفع الجهاز المناعي للاستجابة. وتم الكشف عن حوالي الثلث -16 طفرة- من قِبل الجهاز المناعي، وولَّدت خمس طفرات منها استجابة مناعية مصمَّمة بشكل خاص للهجوم على أي خلية وجدتها تحتوي على مثل هذه الطفرات.
وكان ذلك دليلاً ملموساً على أن من الممكن استخدام تسلسل الجينوم لتصميم لقاح فعال ضد السرطان يمكنه جعل جهاز المناعة يقتفي أثر العديد من الطفرات في نفس الوقت، وأن مثل هذا اللقاح قد يحفِّز جهاز المناعة بالفعل لمهاجمة الورم. وكان السباق محتدماً للإجابة عن السؤالين المنطقيين التاليين: لماذا يمكن تحفيز جهاز المناعة البشري لمهاجمة بعض الطفرات دون غيرها؟ وكيف يمكننا أن نحدد الطفرات الأكثر عرضة للهجوم؟
وبناءً على إلحاح ميلمان، أخذت ديلامار فئران المختبر الخاصة بشركة جينينتك وقامت بإجراء تسلسل لخلاياها الورمية، وحدَّدت 1200 طفرة فردية غير موجودة في الأنسجة الطبيعية، ثم قاست كيفية استجابة الخلايا التائية لها بشكل طبيعي، ووجدت أن من بين الطفرات الـ 1200، كان الجهاز المناعي للفئران قد بدأ يشنُّ هجمات ضد اثنتين فقط.
وللإجابة عن السبب في أن هاتين الطفرتين فقط كانتا يستدعيان الاستجابة المناعية، ألقت ديلامار نظرة أدق على التفاعل بين الحمض النووي للسرطان وبين أحد المكوِّنات الرئيسية لجهاز المناعة عند الفئران، الذي يُعرف باسم: معقّد التوافق النسيجي الكبير، والذي يطلق عليه عند الإنسان اسم: مستضد كريات الدم البيضاء البشرية (HLA). ويتألف هذا المعقّد من 200 بروتين مختلف يبرز من السطوح الخلوية كدبابيس مجهرية على لوح إعلانات، وعندما تكشف الخلايا المناعية عن وجود جزء بروتيني غريب (قطعة من فيروس أو بكتيريا غير مرغوب فيها أو طفرة) فإنها تدقُّ ناقوس الخطر وتسبب مهاجمة الجسم له.
وقد حدَّدت ديلامار أن ما يقرب من سبعة من الطفرات الورمية الـ 1200 التي قامت بتمييزها قد تم عرضها على سطح الخلايا بواسطة مستضدات كريات الدم البيضاء البشرية، وعندما درست بنية هذه الأجزاء البروتينية السبعة، لفت انتباهها شيء ما، وهو أن الطفرتين اللتين تعرَّف عليهما جهاز المناعة كانتا بارزتين على السطح الخلوي ومتجهتين نحو الخلايا المناعية العابرة، أما الطفرات التي تجاهلها جهاز المناعة فقد كانت مختبئة في أخاديد السطح الخلوي أو متخفِّية على حواف مستضدات كريات الدم البيضاء البشرية، وقد قام الجهاز المناعي بمهاجمة هاتين الطفرتين لأنهما كانتا الأسهل في الاكتشاف، ومن خلال حقن الفئران بلقاح مصمَّم لاستهداف هاتين الطفرتين، تمكَّنت ديلامار من تعزيز قدرة أجسام الفئران على مكافحة الأورام.
وكانت هذه النتائج مجتمعة هي ما ساعدها وساعد ميلمان على إقناع لجنة المراجعة لشركة جينينتك بأن اللقاح المضاد للسرطان يستحق البحث.
مواجهة العواقب السلبية
يقع المقر الرئيسي لشركة جينينتك في مجمَّع صناعي قبالة الطريق السريع 101 في ولاية كاليفورنيا، وهو عبارة عن حرم ضخم من المباني الزجاجية والمستودعات الضخمة وساحات الأفنية العشبية، وفي صباح أحد الأيام المشمسة في شهر أغسطس الماضي، كانت هناك مجموعات مبتهجة من الرجال والنساء يرتدون قمصاناً بأكمام وبأنصاف أكمام يسيرون بشكل استعراضي في فناء خارج كافتيريا الشركة، كما تم إعداد فرقة موسيقية، واستعدت لغناء بعض الأغاني الكئيبة للحشد المتجمع وقت الغداء، بينما قام بعض العاملين في المطبخ في مكان قريب بتحضير المشاوي في الهواء الطلق لإعداد الطعام للموظفين.
يتم دفع الكثير مقابل مثل هذه الأمور من قِبل أدوية السرطان، إذ حازت شركة جينينتك على الموافقة على أول علاج للسرطان في عام 1997، ومنذ ذلك الحين أصدرت الشركة ما لا يقل عن 15 علاجاً منها.
يقول أوغور ساهين (الرئيس التنفيذي لشركة بيو إن تك، والباحث المتخصص في السرطان، والذي شارك في تأسيس الشركة في عام 2008) عن إنتاج اللقاحات -حتى بالنسبة لعدد صغير من المرضى في التجارب المبكرة- إنه "كان عملية صعبة للغاية، فقد كان كل شيء يتم بواسطة الأنابيب من قِبل أشخاص يجلسون على المقاعد لإنتاج اللقاحات، ولذلك كان لدينا قدرة صغيرة جداً".ولكن لقاح السرطان يعد أمراً مجهولاً؛ فالتجارب البشرية الأولية التي أطلقتها جينينتك وبيو إن تك في العام الماضي تشكَّلت كاختبارٍ ليس لفعالية اللقاح فحسب، ولكن أيضاً لقدرة الشريكين على الارتقاء بالتكنولوجيا الجديدة، وحسب التصميم فإن النطاق الجغرافي وعدد الحالات المستهدفة في التجربة كانا كبيرين، فحتى الآن افتتحت جينينتك وبيو إن تك مواقع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبلجيكا وكندا وألمانيا، ومن المحتمل أن تتوسع إلى دول أخرى حول العالم.
وقد تمكنت بيو إن تك من أتمتة بعض الوظائف وتقليل الوقت المستغرق لتصنيع كل لقاح من ثلاثة أشهر إلى حوالي ستة أسابيع، وهي تستهدف تقليل ذلك ليصل إلى أربعة أسابيع في نهاية العام.
وتستطيع الشركة الآن إنتاج المئات من اللقاحات خلال عام، وتهدف إلى الوصول إلى 1500 لقاح خلال العام المقبل، ولكن إذا استطاعت كل من جينينتك وبيو إن تك إدخالَ المنتج إلى الأسواق، فسيكون عليهما إنتاج ما بين 10000 و20000 لقاح سنوياً، وذلك حسب قول ساهين.
وفي سان فرانسيسكو، تقوم فرق من جينينتك وبيو إن تك بتتبُّع التقدم في مساحات محدَّدة تتكون من مجموعة من الغرف، وهناك على الجدران مخطَّطات ضخمة توضح حالة المريض وسلسلة التصنيع والتوريد والمدة والجدول الزمني لكل نشاط، ويقول شون كيلي (من جينينتك): "الأمر الرئيسي هو أن العملية يمكن أن تبدو منسَّقة للغاية على الورق، ولكن إذا تدهورت أي من هذه الخطوات، فعندئذ قد تكون في وضع يجب أن تبدأ فيه من جديد".
وقد ظهرت بعض التحدِّيات غير المتوقعة؛ فقد فوجئ الفريق في وقت مبكر باكتشاف أن العمال في شركة بيو إن تك ممنوعون تعاقدياً من العمل في عطلات نهاية الأسبوع، لذلك لم يكن هناك أحد لأخذ عينات أنسجة المريض الذي يصل في ذلك الوقت.
يقول جريج فاين (المدير الطبي الأقدم الذي يشرف على التجارب) إنه فوجئ بمدى تغيُّر الوقت الدوري في العيادات والمختبرات، حيث يتم جمع خزعات المريض وتحليلها، الأمر الذي يعدُّ مشكلة لأن من غير الممكن تصنيع اللقاحات الفردية قبل أن يتم استلام العينات.
ويعتقد فاين أن المشكلة تكمن في أن المرضى المصابين بالسرطان النقيلي قد يواجهون مشاكل في الوصول إلى الطبيب في الوقت المناسب بسبب مرضهم الشديد، ولا يوجد في العديد من أماكن أخذ العينات حتى الآن أي إجراء للإبلاغ عن أن عيناتهم عاجلة، مما يعني أنها يمكن أن تضيع بين مجموعات الخزعات الأخرى.
كما ثبت أيضاً أن إعادة اللقاحات مرة أخرى إلى المرضى يعد مشكلة؛ فقد تم إيقاف لقاح واحد على الأقل من الجمارك في مدينة نيويورك.
وتعدُّ المشاكل في الوقت الحالي قابلةً للتدبير، وهي تُعطي معلومات مفيدة لأن عدد المرضى صغير نسبياً، لكن كل هذه المشاكل يجب أن تُحلَّ إذا أصبحت اللقاحات سائدة، حيث يقول كيلي: "لن تتمكن من الانتظار لمدة ستة أشهر للحصول على اللقاح إذا كان لديك مريض يعاني من سرطان البنكرياس سريع التقدُّم".
وقد رفض مسؤولو جينينتك التكهُّن بشأن السعر النهائي للقاح، وأصرُّوا على أنه من السابق لأوانه معرفة ذلك، حيث يقول كيلي: "سيزداد الأمر تكلفة، فهو سيكلفنا الكثير لصنع اللقاح لشخص واحد".
وربما تنخفض تكلفة إجراء التسلسل، ومن شأن بناء شبكة التصنيع أن يزيد من الكفاءة، ويمكن تطوير فحوصات أو تكنولوجيات جديدة تسمح بتصنيع اللقاحات بشكل أرخص، ويقول كيلي: "لقد انتهينا من التقديرات، ونرى أن الأمر قابل للتطبيق في الوقت الحالي، ولكننا نرغب في أن يصبح ذلك عملياً بشكل أكثر وضوحاً".
ومع ذلك يظل أحد أكثر التطوُّرات الواعدة حالياً في أبحاث السرطان هو مجرَّد علاج تجريبي، وقد يكون ذلك بمنزلة اكتشاف طبي كبير، ولكنه يواجه تحدِّياً لوجستياً مألوفاً، وهو كيفية الحصول على المنتج بسعر رخيص وبشكل سريع عند الحاجة إليه.