في أول تواصل محتمل، قد يكون الأطفال في مرحلة تعلم الكلام هم أفضل من يساعدنا بذلك. فماذا عن التواصل مع الكائنات الفضائية عبر الأطفال؟
كيف يمكن تدريس لغة لا يتحدثها أحد ولا حتى سمع بها أحد؟ هذا هو السؤال الأول الذي كان على شيري ويلز جينسن، أستاذة في علم اللغويات بجامعة ولاية "بولينغ غرين" الأميركية، الإجابة عنه في أثناء إعدادها المنهج الدراسي للغة الغرباء (أو ما تسمى بلغة سزينولجستك)، أي دراسة لغات الكائنات الفضائية.
كيفية التواصل مع الكائنات الفضائية
تقول ويلز جينسن: "إن مشكلة عدم وجود لغة نعرفها خاصة بالكائنات الفضائية ليست هي المشكلة الحقيقية، لذلك إذا تمكنا من التعرّف على إحداها، فسيكون من الجيد التفكير في ذلك مقدماً، إذ يجب أن نكون مستعدين، لأن أول تواصل لنا معهم يمكن أن يكون في وقت قريب جداً؛ لا أحد يعلم".
وتتابع: "إذا حدث تواصل أولي في وقت قريب؛ فستكون ردة الفعل الأولى هي استدعاء أكثر اللغويين مهنية وثقافة و"إحضارهم إلى قاعدتنا السرية"، مثلما حصل مع الأستاذة لويس بانكس في فيلم "الوافد" (إصدار العام 2016)، والتي لعبت دورها إيمي آدمز. عندما يظهر في الفيلم 12 كائناً غريباً في أماكن مختلفة حول العالم، يتم استدعاء بانكس من قبل الجيش الأميركي للذهاب إلى مكان المركبة الفضائية التي تحوم في ولاية مونتانا لفك شيفرة اللغة الغريبة لتلك الكائنات ومحاولة معرفة ما يريدونه. لكن هذا فيلم هوليودي؛ أي أن الأمر يتطلب فقط عملية مونتاج قبل أن تتقن لغتهم.
وإذا حصل وهبطت كائنات فضائية في عالمنا الحقيقي، فإننا سنبدأ على الأرجح في محاولات للتواصل معهم بطرق مشابهة لتلك التي يستخدمونها في الفيلم، بواسطة الصور، والكثير من الإشارات والإيماءات، على سبيل المثال، من أجل بناء مفردات أساسية من الكلمات والأوصاف البسيطة. ولكن، على عكس التصوّر في فيلم "الوافد"، فإن أفضل الذين سيتعلمون التواصل معهم بسرعة وكفاءة قد لا يكونون لغويين العالم، بل قد نراهن على أفضل متعلمين للغة لدينا: وهم الأطفال.
لكن أولاً، وبالعودة إلى الخبراء، كيف يمكننا تدريس أمر لا نعرف عنه شيئاً؟ تقول ويلز جينسن: "إن ذلك مستحيل؛ لكن يمكننا البدء بالأساسيات".
ومن أجل دراسة هذه الفرضية، تناقش ويلز جينسن في منهاجها الدراسي للغة سزينولجستك العلاقة بين اللغة والفكر وأنواع بنية الجمل في اللغات المحكية على الأرض. ويتطرقون أيضاً إلى ما لا تقدمه هذه اللغات، ولكن في المقابل يلاحظون ما يمكن الاستفادة منه. إذ يُظهر البشر قدرة استثنائية على التواصل، وعندما يتعلق الأمر بالتواصل مع الغرباء، تقول جينسن:"هناك الكثير من الإمكانيات لدينا طالما أن أسلوبهم "بشري" على الأقل".
على سبيل المثال، الكثير من أنماط التواصل لدينا تفرضها أجسادنا والطريقة التي نتأثر بها مع العالم المادي من حولنا. وإذا كان لدى الكائنات الفضائية شيئاً يشبه الأيدي، ووجهاً يعبّرون من خلاله، فقد يكون لدينا فرصة كبيرة لفهم بعضنا الآخر.
وتقول جينسن: "يمكننا تعلم لغة البشر، ويمكننا تعلم لغة الأشياء والكائنات التي نعرفها، لكننا على الأرجح لا نستطيع تعلم لغة كائنات فائقة الذكاء".
هناك أيضاً احتمال كبير بأن تكون الوسيلة لتعلم لغة الغرباء غير مجدية بالنسبة لنا. ففي فيلم "الوافد"، يتواصل الفضائيون المتخيّلون من خلال الوسائل البصرية، و"يتحدثون" من خلال انبعاثات غازية دائرية تمثل جمل كاملة. وإذا تبين أن الوسيلة التي يتحدثون من خلالها في سيناريو التواصل الأول هو شيء لا يمكننا تقليده؛ تعترف جينسن بأن ذلك سيكون مشكلة حقيقية. فماذا لو كانت لغتهم عبارة عن تذبذبات كيميائية أو مغناطيسية؟ وماذا لو كانت عالية جداً أو منخفضة جداً عن نطاق طاقة البشر؟ وتقول: "هناك الكثير من الاحتمالات".
إرسال الرسائل إلى المخلوقات الذكية في الفضاء
"في الواقع، ربما لن يكون لدينا أي فكرة عن ماهية الكائنات الفضائية عندما نسمع بهم في المرة الأولى"، كما تقول ويلز جينسن، التي عملت مع خبراء في مشروع علم الفضاء "ميتي" (METI)، الذي يهدف إلى إرسال رسائل إلى مخلوقات ذكية خارج الأرض (وتم تأسيسه من قبل المدير السابق لمشروع "سيتي" (SETI)، للبحث عن ذكاء خارج كوكب الأرض، الذي انفصل عنه للتركيز أكثر على العمل من أجل إمكانية التحدث مع الكائنات خارج كوكب الأرض بدلاً من الاستماع إليها فقط). في جميع الأحوال، سيكون التواصل الأول عبارة عن رسالة منقولة عبر سنوات ضوئية، وسيتم التقاطها بواسطة شخص ما يعمل في مشروع مثل مشروع ميتي.
تقول ويلز جينسن: "ستصلنا إشارة لاسلكية، وسيكون الناس متحمسين جداً، وسينتهي الأمر هنا، ثم سنكتشف بعدها كيفية إرسال رد لهم، ثم سننتظر 50 عاماً لمعرفة ما إذا نجح ذلك".
ومثل جميع المختصين في علم الفضاء، تتبع جينسن الفرضيات، ويسعدها أن تتحدث عن أفكار حول ما يمكن أن يحدث إذا كانت الحياة تحاكي ما يتم إنتاجه من فنون، وما يتم تصويره في هوليوود. فماذا لو قدمت الكائنات الفضائية إلى الأرض؟ وكان "لديها" لغة يمكننا فهمها وإعادة تقليدها، وأجسام تسمح لهم بالتأثير على بيئتنا؟ وكنا على يقين من أنهم لن يتعدوا علينا أو يدمروا كوكبنا؟.
وإذا افترضنا أن جميع هذه الفرضيات صحيحة، فإن هذا سيعود بنا إلى الأطفال، وأفضل ما يمكن لسكان الأرض فعله لالتقاط لغة الغرباء في هذا السيناريو المطروح هو الاستعانة بأطفال في مرحلة تعلم النطق. إذ هذه المرحلة العمرية تنطوي على ذروة المرونة العصبية لدى البشر، وهي المرحلة التي يركز فيها جزء من أدمغتهم على معرفة كيفية إعطاء المعلومات وتلقيها؛ لذلك فإن هؤلاء الأطفال هم المرشحون المثاليون لالتقاط الأنماط التي قد لا يتمكن الخبراء من فهمها.
يبدأ الأطفال بإدراك الكلام كشكل من أشكال التواصل عندما يبلغون من العمر 4 أشهر، ويبدؤون في تعلم اللغة بسرعة ولهفة. عند هذه المرحلة، هم قادرون على سماع وتقليد كل صوت فردي؛ المسمى بالوحدة الصوتية والمستخدمة في كل لغات الأرض البالغ عددها حوالي 6,500 لغة. ونحن نفقد هذه القدرة في مرحلة المراهقة أو حتى قبل ذلك، لكن الأطفال الصغار قادرون على تعلم نطق أصوات لغة ثانية من دون لكنة، وهو أمر لا يستطيع معظم البالغين فعله.
التواصل مع الكائنات الفضائية عبر الأطفال
تقول كاثرين إيكولز، أستاذة بجامعة "تكساس" ومدرّسة مادة اكتساب اللغة: "إن الأطفال الصغار ليسوا قادرين فقط على التقاط اللغة بكفاءة لا يمكن أن يصل إليها البالغين، لكنهم أيضاّ أكثر مرونة في التقاط الأصوات التي تصنف بأنها لغة، ويمكن أن تكون هذه المرونة مفيدة فعلاً عندما نسمع أصواتاً لا نسمعها عادة على الأرض".
تشير إيكولز إلى الدراسات التي تُظهر أن الأطفال البالغين من العمر 13 شهراً يتعلمون كلمات أكثر ارتباطاً بالأصوات غير اللغوية - مثل الصفير أو الإشارة أو النغمة لوصف أمر ما، بينما يفضل الأطفال الأكبر سناً الكلام. وتعتبر هذه المرحلة قصيرة جداً، وتجدر الإشارة إلى أن ذلك النوع من مرونة الدماغ لا يدوم. تقول إيكولز: "عند بلوغ الأطفال عمر الـ 20 شهراً، فإنهم لن يقبلوا صوت صافرة أو صوت آلة الهارمونيكا كإشارة لأمر ما، إنهم لن يقبلوا سوى الكلمات".
وإذا جلس أطفال في الخامسة عشر من العمر في غرفة مع كائنات فضائية، فإن أدمغتهم التحليلية، من الناحية النظرية، ستعطيهم قدرة على تجزئة اللغة غير المألوفة إلى عناصرها الأساسية وبنيتها النحوية. ويعتقد العديد من اللغويين التقليديين أن تعلم اللغة يعتمد أولاً على التعرف على الأنماط والنظم في الكلام، وهذا أمر يتم إعداده للأطفال جيداً.
تقول إيكولز: "يجب أن نكون قادرين على تعلم أي نوع من التواصل الذي ينطوي على بنية معينة، وحتى نتمكن من التعرف على نظام ما، يجب علينا تجزئته إلى عناصره المكونة له، ولأن ذاكرة الأطفال ليست معقدة، فقد يكون لديهم قدرة أكبر في التركيز على تلك المقاطع الصغيرة".
وإذا كان الاعتماد على الأطفال لاكتشاف كيفية التواصل مع الكائنات الفضائية يبدو أمراً مضحكاً، فهو فعلاً كذلك. لكن الدراسة الكاملة للكائنات الفضائية، والتأثيرات الثقافية واللاهوتية والاقتصادية للتواصل الأول، تعتمد على نظريات غير مرتبطة تماماً مع الواقع كما نعرفه. وكما تقول ويلز جينسن: "إن فهم المجهول يتطلب التفكير خارج الصندوق".
وتضيف: "إذا كان علينا حل مشكلة ما نعرف أنها فعلاً معقدة، والتي تؤثر على الجنس البشري بأكمله، فلا يمكننا حينها الاعتماد على اختبار أمر واحد فقط، ولكن بدلاً من ذلك يجب علينا اختبار الأمور التي نعتقد أنها ساذجة؛ لنتمكن من تلقي الذكاء والإبداع والحكمة من أي مكان يرد إلينا".
وتقول أيضاً في حديثها عن التواصل مع الكائنات الفضائية عبر الأطفال: "إن القيام بأمر على هذا القدر من الصعوبة والأهمية سيتطلب تقديم أفضل ما لدينا، وأنقى ما بأنفسنا، لذا من الأفضل أن نبدأ التحضير من الآن، إنها مسألة خطيرة وجميلة ومعقدة فعلاً، ويمكن أن تحدث في أي لحظة".