يمكن للأشخاص الذين يرغبون في إنجاب الأطفال، على سبيل المثال، استخدام تطبيقات تساعدهم في تخزين بياناتهم الخاصة وتذكيرهم بالمواعيد المهمة، بدلاً من إرهاق أنفسهم بمحاولة تذكّر تلك المواعيد (أو كتابتها في دفتر الملاحظات الذي قد يفقدونه أو ينسون استخدامه). ويمكن لتلك التطبيقات أيضاً تتبع معلومات شخصية أخرى حول أجسامنا ونشاطاتنا، بما في ذلك الوزن والمزاج، إلى جانب أمور أخرى. إنه شيء رائع حقاً. فهل يسوغ ذلك مراقبة الشركات للعاملين؟
يبقى الأمر رائعاً طالما أن صاحب العمل الذي تعمل معه لا يحصل على نسخة من تلك البيانات مقابل الدفع لقائها. ففي أبريل/نيسان، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، أن "تطبيق أوفيا" (Ovia)، وهو تطبيق تستخدمه النساء الحوامل لتتبع حالة الجنين، ولكنه يسمح لأصحاب العمل بتزويد التطبيق بحسابات للموظفين باعتبارها جزءاً من برامج الصحة والوصول إلى كامل بيانات الموظفين المقدمة. ويمكن لأصحاب العمل استخدام تلك المعلومات لاتخاذ قرارات تتعلق بالتوظيف أو الترقية أو دفع التعويضات، الأمر الذي يعدّ انتهاكاً للقانون، لكن هذا لا يعني عدم حصوله. قد يكون الأمر خطيراً على نحو خاص بالنسبة إلى القليل من النساء في مكان العمل، حيث توفر البيانات التي "تحجب الهوية" حماية محدودة من التمييز المحتمل.
مراقبة الشركات للعاملين
إن "تطبيق أوفيا"، هو مثال على سعي أصحاب العمل للحصول على مزيد من المعلومات حول موظفيهم، ويتوقعون من أولئك الموظفين أيضاً مساعدتهم من خلال المراقبة الذاتية. رغم هذا، إذا كنت ترغب في متابعة المداولات الدائرة حول الخصوصية في واشنطن العاصمة، فإنك ستسمع القليل في هذا الخصوص. إذ يغفل النقاش الدائر في الولايات المتحدة حول إقرار قوانين الخصوصية عامل حماية الموظف من انتهاك خصوصيته في مكان العمل، ويتمحور حول "خصوصية المستهلك" فقط، لكن هذا التمييز يخلق ازدواجية باطلة مع أشكال حماية مختلفة للمستهلك والموظف.
مراقبة الموظفين ومكان العمل ليست ظاهرة حديثة، فمثل حال الأقليات العرقية والمهاجرين والأقليات الدينية، لطالما تمت مراقبة الفقراء والعمال على نحو جائر من قبل أصحاب عملهم والحكومة. أرسل هنري فورد، على سبيل المثال، محققين إلى منازل عمال مصنعه لطرح الأسئلة عليهم وفحص منازلهم من أجل تقييم وضعهم الأخلاقي. فانطلاقاً من شعوره بالقلق إثر ارتفاع معدل دوران الموظفين، أراد فورد التحقق من أن العاملين لديه يتوافقون مع توقعاته التي يضعها على الصعيدين الاجتماعي والأخلاقي. وتسلل "جهاز المباحث" إلى مجتمعات العمال الذين يعملون في مجال التعدين وإلى النقابات، بناء على توجيهات أصحاب رأي فض النقابات، وكانت النتيجة أن جمع المحققون معلومات لتعطيل العمل المنظم وحل النقابات.
من تسعينيات القرن السادس عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر، راقب المشرعون الإنجليز الفقراء الذين تلقوا مساعدات مالية، وحسب "قانون الفقراء" الذي أصدروه، تطلّب من الفقراء المعدمين العمل مقابل الحصول على المزايا. كما حملت السياسات بين طياتها آليات للسيطرة الاجتماعية، فيمكن للمسؤولين استخدام ذريعة التغيب عن حضور المناسبات الدينية والتصرف على نحو غير محبب لخفض الدعم أو حجبه. كما استند تطبيق قانون الفقراء أيضاً على الجيران للإبلاغ عن بعضهم الآخر.
لكن في تلك الأوقات، كانت عمليات المراقبة تواجه بعض القيود، ولم يكن بإمكان المحقق سوى تتبع عدد محدود من العمال في وقت واحد، وكانت العملية مكلفة وتستهلك الكثير من الموارد.
فحص رسائل البريد الإلكتروني
مع مرور الوقت، أصبحت المراقبة أكثر تطوراً وتنطوي على تفاصيل أكثر ومنتشرة على نطاق أوسع. لقد انتقل أصحاب العمل من الاستعانة بالمخبرين البشر إلى فحص رسائل البريد الإلكتروني للموظفين أو مراقبتهم عبر "موقع ريديت" في يوليو/تموز، فُصل أحد موظفي "شركة وول مارت" لنشره معلومات سرية حول أحد برامج "وول مارت" الجديدة على رابط فرعي يستخدمه موظفو الشركة الآخرون. ردّ الأعضاء بنشر "الميمات" المؤيدة لنقابات العمال (إذ تُعرف شركة "وول مارت" بأنها مناهضة لتلك النقابات).
لكن المراقبة امتدت إلى أبعد من التجسس على الاتصالات، وكذلك، بدلاً من سؤال كبير العمال حول إنتاجية أحد الموظفين، يمكن لصاحب العمل سحب هذه المعلومات من أحد التطبيقات، وهو شكل جديد من المراقبة التي أصبحت ممكنة مع الخوارزميات. على عكس الطرق السابقة للمراقبة، تطلب الخوارزميات من العمال مراقبة أنفسهم وتقديم تقارير، ويخزن ذلك المدير الاصطناعي (الخوارزمية) مدخلات العامل ويديرها ويجمع المعلومات باستمرار. إنه يعرف موقعك ومقدار العمل الذي أنجزته بالتفاصيل الدقيقة، فتحمّل الفنادق مثلاً تطبيقات لمدبرات الغرف لتتبع سير العمل. يعرف التطبيق في أي غرفة تتواجد مدبرة الغرف، ذلك لأن المدبرة نفسها تعطيه علماً بمكانها، وتخبره عن المدة التي استغرقتها في تنظيف الغرفة. كما تتابع الخوارزميات أوامر الشراء التي أنجزها عمال المستودعات، والكيلومترات التي أنجزها عمال المستودعات، والكيلومترات التي قطعها سائقو الشركات التي تعمل في مجال خدمات النقل. وغالباً ما يتعذر على الموظفين تعطيل تلك التطبيقات دون التعرض لعقوبات، وفي بعض الحالات، مثل العمل في مجال النقل وتوصيل الطعام، سيكون من المستحيل حرفياً العمل من دون التطبيق.
يفقد العمال الحماية مع تكثيف المراقبة وتوسعها، ويمكن أن يعطي التفاوض الجماعي للعمال فرصة للوقوف في وجه تلك المراقبة، لكن قلة منهم لديه هذه الفرصة. في ذروة موجة العضوية النقابية، انضم واحد من كل 3 أميركيين إلى نقابته، ولكن اليوم ينضم إليها واحد فقط من كل عشرة أشخاص. بالإضافة إلى ذلك، فإن العمال الأكثر تأثراً بالخوارزميات مشتتون ويواجهون صعوبات من نوع خاص في تنظيم العمل الجماعي. في شهر مايو/أيار، على سبيل المثال، أضرب سائقو شركتي "أوبر" و"ليفت" احتجاجاً على طرح أسهم "شركة أوبر" للاكتتاب العام. بيد أنه ومن دون مكان مركزي للتواصل، لم يعلم بعض السائقين بالاحتجاج إلا في أثناء وقت تنفيذ الإضراب أو بعد انتهائه.
يحتاج العمال إلى الحماية من توسّع نطاق المراقبة والسيطرة. لكن إذا لم تؤت مداولات "الكونغرس" الحالية أي نتائج، فإن المواطن الأميركي العادي قد يحظى قريباً بحماية من عمالقة التكنولوجيا وشركات الاتصالات أكثر مما قد تقدمه له الشركة التي يعمل فيها. يتأثر كل من المستهلكين والعمال سلباً نتيجة الاستخدامات غير المصرح بها أو المؤذية لبيانات تحديد الموقع الجغرافي، إلا أنه يجري تناول قضايا المستهلك فقط مع تجاهل تلك البيانات الخاصة بالعمال. بعد أن ذكر موقع "فايس" (Vice) أن صائدي الجوائز كانوا يشترون معلومات تحديد الموقع الجغرافي الخاصة بالمستهلكين من شركات الهواتف المحمولة، دعا كل من جيفري ستاركس، مفوّض "هيئة الاتصالات الفيدرالية"، ورون وايدن، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوريغون، إلى اتخاذ إجراءات أو تغيير في السياسات لوقف عمليات بيع هذه البيانات.
على الرغم من ذلك، وفي نهاية الحديث عن مراقبة الشركات للعاملين، فيمكن لأصحاب العمل الوصول مباشرة إلى بيانات الموقع الجغرافي لموظفيهم من خلال تطبيقات الأجهزة المحمولة، ولا يوجد أي إجراء قيد البحث في "الكونغرس" الأميركي إلى الآن. ينبغي أن يتمتع العمال بالخصوصية على بياناتهم مثل المستهلكين، وإلا فإنهم سوف يُحشرون دائماً في مكان يجري مراقبتهم فيه.