لا يعتبر كريس رودلي نفسه فناناً أو عالم كمبيوتر. ولكن عندما نشر تغريدة تضمنت صورةً أنشأها باستخدام خوارزمية تعتمد على التعلم الآلي استطاع من خلالها دمج صفحة من رسومات توضيحية لديناصورات مع صفحة تحوي أزهاراً مطبوعة، افترض الكثير من الناس أنه فنان وعالم كمبيوتر أيضاً بسبب اتباع أسلوب الفن القائم على الذكاء الاصطناعي. كانت الصورة مدمجة بذكاء بحيث تظنها مرسومة من قبل عالم متخصص بدراسة الأشجار في الحديقة الجوراسية ( Jurassic Park)، ولذا انتشرت انتشار النار في الهشيم. وبعد فترة وجيزة، انهالت على رودلي رسائل تطلب شراء نسخ عالية الدقة من الصورة.
I used deep learning to cross a book of dinosaurs X a book of flowers pic.twitter.com/xT7kjkOL9E
— 𝓒𝓗𝓡𝓘𝓢 𝓡𝓞𝓓𝓛𝓔𝓨 (@chrisrodley) June 15, 2017
الفن القائم على الذكاء الاصطناعي
يقول رودلي، وهو طالب دكتوراه في الثقافات الرقمية بجامعة "سيدني": "لقد كانت محاولة ناجحة للغاية في المماطلة". وأوضح أنه نفّذ هذا الدمج على "ديب آرت دوت آي أو" (DeepArt.io)، وهو برنامج متاح عبر الإنترنت مدعوم من الشبكات العصبية العميقة (نوع من أنواع الخوارزميات المتقدمة للتعلم الآلي) والتي تحدد وتجمع بين عناصر أسلوب صورة ما وتطبقها على صورة أخرى. ولا يتطلب هذا الأمر خبرة فنية أو حاسوبية.
تُعرف التقنية التي استخدمها رودلي في برنامج "ديب آرت" باسم نقل النمط، وهي إحدى الطرق المتبعة في موجةٍ جديدة من الفن القائم على المساعدة الخوارزمية. وقد شهدت هذه الأنواع من البرامج رواجاً كبيراً في السنوات الأخيرة حيث حسّنها المطورون لخلق أعمال أصلية وتكوينات بصرية وصوتية متطورة وجميلة على نحو متزايد بسرعة لم يسبق لها مثيل مطلقاً.
ومع تنامي تعقيد هذه الخوارزميات وقدرتها، بدأ مستخدموها في التنازل عن المزيد من الرقابة الفنية على مخرجاتهم إلى الآلات. ومن خلال القيام بذلك، ربما يتنازلون أيضاً عن نوعٍ آخر من السيطرة أي ملكية المنتج الإبداعي. وقد تؤدي عواقب هذا الأمر إلى تغيير الطريقة المتبعة في إنتاج الفن السائد وتلّقيه، وكيفية تقديرنا للفنانين الذين يبدعونه.
لا يُعتبر الفن الخوارزمي جديداً، ولكنه لم يؤدّ، في أيامه الأولى، إلى نشوء أشكالٍ فنية أكثر إنسانية. وقد كانت أول رسومات حاسوبية توليدية معروفة من تصميم جورج نيس، عالم الرياضيات الألماني، و"عرّاب الفن الحاسوبي" في منتصف الستينيات. وتتألف في غالبيتها من رسومات بالحبر الأبيض والأسود تمثل خطوطاً ومضلعات. و قبل ذلك، في عام 1957، ظهرت أول مقطوعة موسيقية من صنع الكمبيوتر، لمؤلفَيها ليغارين هيلر وليونارد إيزاكسون، والتي تدعى "مقطوعة إلياك رباعية الآلات الوترية" (Illiac Suite for String Quartet). مثّلت كلتا المحاولتين جهداً تجريبياً سابقاً لعصره واستهدفتا الجمهور الأكاديمي. وقد خضع كلا النتاجين الفنيين لصلابة القواعد الصارمة البدائية التي فرضتها خوارزمية كل منهما. وحتى الأعمال اللاحقة مثل ألبوم برايان إينو الذي ظهر عام 1996 باسم "موسيقى توليدية 1" (Generative Music 1) (صدر على قرص مرن)، كانت لا تزال تعتمد على تعليمات خوارزمية بسيطة وواضحة. والنتيجة النهائية هي، كما وصف إينو الموسيقى المحيطية الإلكترونية ذات مرة: "بقدر ما هي مثيرة للاهتمام، بقدر ما يمكن تجاهلها".
لقد تطور الفن الخوارزمي بشكل كبير في العقد الماضي بفضل ظهور الشبكات العصبية الاصطناعية، وهي طريقة تعتمد على التعلم الآلي، وهي تقلّد بشكل فضفاض طريقة تنشيط الخلايا العصبية في الدماغ بعضها البعض. تبرز جودة الشبكات العصبية بشكل خاص في التقاط أنماط معقدة، مخفية في المواد التي درّبها المبرمج عليها. فبدلاً من الاضطرار إلى القيام بالعمل المرهق جداً المتمثل في ترميز كل قاعدة على حدة لتحويل المدخلات إلى مخرجات فنية، كما فعل كل من نيس وهيلر وإيزاكسون و إينو، فقد أُعدّت الشبكات العصبية لتستخلص القواعد تلقائياً من المواد المدخلة.
على سبيل المثال استخدم "ديبجاز" (deepjazz)، وهو برنامج أنشأه جي سونغ كيم، طالبِ الدكتوراه في جامعة "برينستون" ، شبكات عصبية اصطناعية لالتقاط الأنماط الموسيقية في أغاني الجاز وتوليد أغانٍ جديدة كلياً استناداً إليها. يقرأ البرنامج ملف "ميدي" MIDI (الواجهة البينية الرقمية للأدوات الموسيقية) ويحاول العثور على أنماط في نغمات وألحان الأغنية كما لو كانت كلمات وعبارات في لغة غير معروفة. وبمجرد اقتناع ديبجاز أنه تعلم "النحو" الخاص بإحدى الأغاني، فإنه ينتج جملاً موسيقية عشوائية تتبع قواعد ذلك النحو. حتى أن أحد الصحفيين درّب "ديبجاز" على إخراج حفل جاز موسيقى مرتجل يعتمد على الخوارزميات القائمة على موضوع مسلسل "الأصدقاء" (Friends). وكانت النتيجة ... محيرة.
كما اعتمد البرنامج الذي استخدمه رودلي لإنشاء زواحفه الزهرية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ أيضاً على خوارزمية عصبية، وتحديداً تلك التي طورها ليون غاتيس وزملاؤه في جامعة "توبنغن"، عام 2015، لالتقاط عناصر المحتوى والأسلوب الفنيين في الصور. ومنذ صدور دراستهم البحثية، تم استخدام هذا النوع من نقل النمط في مرشحات الصور التي تنتجها شركتا "فيسبوك" و"بريزما"، وعلى الصور المتحركة، مثل الفيديو الواسع الانتشار 2001: أوديسا بيكاسو (2001: A Picasso Odyssey). كما استخدمت كريستين ستيوارت، أيضاً، تقنية نقل النمط في فيلمها القصير وباكورة أعمالها الإخراجية "تعال اسبح" (Come Swim) لـإعادة رسم تسلسل حلم قصير في نمط لوحة انطباعية كانت قد رسمتها. (كما أنها شاركت في إعداد دراسة حول التعلم الآلي لتنطلق من هنا.)
مشهد من فيلم كريستين ستيوارت "تعال اسبح"، يبدأ قبل تسلسل الحلم مباشرة."
لا يقتصر الفن الخوارزمي على الفن التجريدي أو التجميعي. وقد استخدمت نفس التقنيات العامة لتعلم الآلة في توليد صور عالية الدقة وشديدة الواقعية من الأشياء التي لا وجود لها بالأصل. خلال هذا الأسبوع فقط، نشرت شركة تصنيع وحدات معالجة الرسومات "نفيديا" (Nvidia) دراسة توثق كيفية قيام الباحثين بذلك تماماً، مع نتائج مقنعة بشكل لا يصدق من بينها، واحدة تأخذ صوراً لمشهد شارع في فصل الشتاء وتتنبأ كيف سيبدو في يوم صيفي مشمس حافل بأوراق الشجر:
The biggest casualty to AI won't be jobs, but the final and complete eradication of trust in anything you see or hear. https://t.co/sg9o4v2Q3f pic.twitter.com/nkj007LtEF
— Oli Franklin-Wallis (@olifranklin) December 4, 2017
وأثارت الصورة الناتجة ذعر البعض على شبكة الإنترنت، فقد كانوا يخشون أن هذه الإبداعات التي تتزايد قدرتها الإقناعية باضطراد ستضعف الثقة في وسائل الإعلام. (بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن الراحة، قامت "نفيديا" بمزج صورة قطط منزلية مع صورة قطط كبيرة برية، وفي بحث سابق، اختلقت صوراً لرؤوس مشاهير وهميين). واستخدم جين كوغان، وهو فنان توليدي ومؤلف كتاب "تعلم الآلة للفنانين"(Machine Learning for Artists) أساليب مماثلة لصنع صور لأماكن غير موجودة بعد على نحو واقعي تماماً، مثل صور بعض المرافئ والتلال. وعلى الرغم من أن كلاً من "غاتيس" و"نفيديا" و"كوغان" يستخدمون أصنافاً متمايزة من الشبكات العصبية، فإن الأنظمة الثلاثة تتدرب على الأعمال القائمة بالفعل للتوصل إلى قواعد فنية تستخدم بعد ذلك لإنشاء صور جديدة.
ومع استمرار دخول الإنتاجات الفنية التي تولدها الخوارزميات ضمن الاتجاه السائد، بدأنا أيضاً نرى الشركات والمؤسسات الأكاديمية تكرس الكثير من الأموال وساعات العمل في تحسين سرعة وقدرات أساليب الإنتاج التي تقف وراء هذه الإنتاجات الفنية. وتتابع جامعة "كورنيل" وباحثو "أدوبي" العمل على نسخة متطورة من نقل النمط للصور. يمكن للعملية التي يطورونها، من بين حيلٍ أخرى، أخذ إضاءة غروب الشمس لصورة ما وتطبيقها على صورة نهارية لموقع آخر. كما تتابع "جوجل"أيضاً عملها على "تقنية فائقة الفاعلية في نقل النمط". ووجد الباحثون هناك طريقة لجعل الآلات تتعلم كيفية الجمع بين أنماط متعددة في صورة واحدة، ومزجها كما لو كانت لوحات. وقد واصل غاتيس وزملاؤه في "توبنغن" تحسين نظامهم أيضاً، بما في ذلك إيجاد وسيلة للسماح للمستخدمين بالمعايرة الدقيقة للنتاج الفني من خلال الحفاظ على ألوان معينة أو تطبيق النمط على مناطق معينة من الصورة فقط.
تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعي على الفنانين
مع هذه الموجة من الاهتمام بهذه الخوارزميات المولدة للفن، يبدو أننا نقترب من نقطة اختراق لهذه التقنية. ومع ذلك، لم نفكر جيداً بعد في مسألة ما تعنيه هذه الأدوات بالنسبة إلى المبدعين الذين يستخدمونها. ومن المؤكد أن الفنانين كانوا دائماً مدينين بالفضل لقدرات وحدود وسائل الإعلام المتاحة لهم. إذ يرتبط تاريخ الفن بتاريخ التكنولوجيا أيضاً. وقد أحدثت الألوان الممزوجة مسبقاً والألوان الاصطناعية والمطابع والكاميرات والفونوغراف والأقراص المدمجة وأدوات الإنتاج الرقمي والإنترنت وغيرها الكثير، ثورة في كيفية ونوعية إنتاج الفنانين وكيفية ونوعية ما يتقبله رعاتهم. ولطالما كان المبدعون يعتمدون على اقتراض، ورفع، وأخذ عينات، وإعادة دمج عمل الفنانين الآخرين، واستخدام أدوات لزيادة قدراتهم الخاصة أيضاً.
الأمر المختلف هنا هو أنه مع تزايد تعقيد وقدرة هذه الخوارزميات المتقدمة، أصبح من الصعب على الفنانين السيطرة على ما سوف تولده الآلات استناداً إلى المدخلات الخاصة بها. على الرغم من أنه باستطاعة المستخدمين التحكم في البيانات التي يتم تدريب الشبكة العصبية الاصطناعية عليها، فإن القواعد التي يستمدها النظام من البيانات هي أشبه ما تكون بصندوق أسود. والأمر الأكثر صعوبة من ذلك هو معرفة كيف تستمد الشبكات العصبية قواعدها، حتى بالنسبة للمبرمجين الذين بنوا تلك الآلات. يجعل هذا التعتيم من الصعب أو بالأحرى من المستحيل على الفنانين تشويه المخرجات الأسلوبية للآلة. وفي كثير من الأحيان، تكون الطريقة الوحيدة للتأثير على هذه المخرجات هي من خلال التجربة والخطأ – في مرحلة المدخلات، وهذا يحول دور الفنان الرقمي إلى مصارع مع الخوارزمية.
أساساً، يحول هذا النوع من البرامج المتطورة جزءاً أكبر من العمل الإبداعي إلى الآلات. وصف رودلي، الذي اشتهر بلقب ديناصور الأزهار، عملية صنع قطع نقل النمط بأنها تشبه مُخرجاً يحاول الحصول على أداء جيد من الممثل. وقال: "لا يمكنك أن تضغط على زر وتحصل على شيء مذهل فوراً". وأضاف: "لقد تعلمت المراوغات والسمات الشخصية للخوارزمية". ومؤخراً قال إنه قضى ساعات في العمل على برنامج فوتوشوب لتعديل ألوان "ولادة فينوس للرسام بوتيتشيلي" (Botticelli’s Birth of Venus)، في محاولةٍ لجعل الخوارزمية تعيد خلق اللوحة بحيث تشبه ألوانها الفراء الذهبي لكلب جولدن ريتريفر (كلب استرداد الطريدة). (في النهاية حصل على نتائج تتضمن الشعر المطلوب ولكن كان واضحاً للناظر أنه مصطنعاً).
قد تغير هذه البرامج الطريقة التي نقدر بها الفنانين الذين يقفون وراءها، أيضاً. وبينما تتحسن هذه الأنظمة وتبدأ شركات مثل "أدوبي" و"جوجل"، في طرحها ضمن منتجات العملاء لديها، فمن المرجح أن نرى المزيد من الفن الخوارزمي يخترق الثقافة السائدة. وما يفسر هذا الأمر هو أن هذه الأدوات سوف تضطلع ببعض العبء الواقع على كاهل الفنانين من مصممي الغرافيك، وموسيقيي الاستوديوهات، ومحرري الأفلام - مما يتيح لهم المزيد من الوقت للتركيز على "العمل الحقيقي". ولكن مثل غيرها من أشكال الأتمتة، قد يُترجم ترك المزيد من الوقت "للعمل الحقيقي" إلى فرص عمل أقل للفنانين في الاقتصاد الرقمي.
ونظراً لأن الخوارزميات تتحسن في التقاط القواعد الجمالية الكامنة التي غالباً ما يُمضي الفنانون الخبراء سنوات في تعلمها، يمكن للشركة في المستقبل إنشاء حملةٍ إعلانية كاملة من خلال ورقة أنماط، وبعض أطر الأسلاك، وعدد قليل من المصممين فقط لربط الأمرين معاً. مثل رودلي، قد لا يحتاج هؤلاء المتعاملون مع الخوارزمية حتى إلى مجرد خلفية فنية.
ولقد بدأ هذا الأمر بالحدوث بالفعل. ابتكر "تاوباو" (Taobao)، موقع التسوق الصيني المملوك لمجموعة "علي بابا"، إعلانات بانر لعطلة التسوق الضخمة المسماة "يوم العزّاب" من خلال تدريب الخوارزميات على تمييز أنماط تصميم الإعلانات الناجحة للتجارة الإلكترونية وتوليد إعلانات جديدة اعتماداً عليها. قبل بضعة أسابيع فقط، تباهت شركة "إير بي إن بي" (Airbnb) بأداة داخلية تستخدم تقنيات فنية خوارزمية لتحويل الرسومات التخطيطية المرسومة باليد إلى نماذج ويب أولية مصممة بشكل كامل وقابلة للاستخدام.
قد يجادل المتفائلون بأن الصفات الإنسانية الغامضة والفطرية مثل الابتكار والعاطفة والنيّة سوف تحمي الفنانين من أن يُستبدلوا بالخوارزميات. ومن المؤكد أنه، على الأقل في المستقبل القريب، ستحمي هذه الصفات بالتأكيد بعض أجزاء العملية الإبداعية وبعض أنواع الفنانين (وخاصة فيما يخص الفنون الجميلة التي تضع قيمة عالية على الأصالة). ولكن هذا لا يكفي لطمأنة الفنانين في التخصصات التجارية مثل التصميم الجرافيكي، أو كتابة الأغاني الشعبية، أو معارض التصوير الفوتوغرافي، الذين قد يجدون جوانب من وظائفهم قد استُبدلت بخوارزميات دون مستواهم ولكن أرخص بكثير.
كما أنه لا يتّضح مدى السيطرة الابتكارية التي يمكن للفنانين منحها للخوارزميات مع احتفاظهم بملكيتهم القانونية على أعمالهم. إذ يمكن في بعض الحالات لمالكي البرمجيات استخدام اتفاقيات ترخيص المستخدم النهائي – تلك الطباعة الصغيرة المبهمة التي ننقر عليها "أنا أوافق" دون قراءتها من أجل استخدام العديد من المنتجات الرقمية - للمطالبة بالملكية أو التنازل عنها، أو شيء ما بينهما.
ووفقاً لقرار محكمة محلية صدر في عام 2001، في قضية "توراه سوفت" المحدودة ضد "دروسنين"، عندما يقوم مستخدم نهائي (في هذه الحالة، فنان) بعمل شيء بمساعدة البرنامج، قد تكون شركة البرمجيات قادرة على المطالبة بملكية العمل إذا اعتُبرت البرمجيات مسؤولة عن "حصة الأسد من الإبداع".
من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت المحاكم الأخرى سوف تتبع هذا المنطق ذاته أو تبتعد عنه، ولكن برز هذا المنطق القائم على تحديد ما يشكل "حصة الأسد" مؤخراً في قضية دراماتيكية، يمكن أن تكون معلماً واضحاً في هذا المجال، بين الشركة الراقية لرسومات الكمبيوتر "موفا" (Mova) واستوديوهات السينما الرائدة "ديزني" و"فوكس" و"بارامونت".
تقنية "موفا"
تعترف الاستوديوهات باستخدامها عن عمد تقنية "موفا" المسروقة لتحويل تعبيرات وجوه الممثلين إلى رسومات كمبيوتر واقعية في أفلام مثل "حراس المجرة" (Guardians of the Galaxy) و"الحالة الغريبة لبنجامين بوتون" (The Curious Case of Benjamin Button). تدّعي "موفا" أنه نظراً لأن أدواتها تقوم بنصيب الأسد من العمل الإبداعي في توليد الوجوه، فإن أيّاً من الشخصيات المتحركة التي تظهر في الأفلام هي أعمال مشتقة غير قانونية (مما يعني استحقاق الشركة لمبالغ طائلة من المال). وتردّ الاستوديوهات أن الممثلين والمخرجين يقومون بنصيب الأسد من العمل، وأنه إذا أخذت المحكمة برأي "موفا"، فسيشكل هذا الأمر سابقة خطيرة على صعيد الفنانين الرقميين.
"إذا تحولت نظرية "موفا" القائمة على أن الملكية تعود لصاحب البرنامج إلى قانون، فستُعتبَر "أدوبي" أو "مايكروسوفت" المؤلفة و المالكة لأي أعمال تعبيرية ينشئها مستخدمو "فوتوشوب" أو "وورد" باستخدام تلك البرامج"، كتبت كيلي كلاوس، محامية الدفاع عن الاستوديوهات المُدعى عليها.
في وقتنا الراهن، تحمي ثقافة المصادر المفتوحة المنتشرة في مجتمع الفن الخوارزمي الفنانين من بعض هذه المخاوف. ولكن مع تحوّل الأدوات إلى المجال الخاص، قد يجد الفنانون أنفسهم في مأزق اعتماداً على موقف النظام القضائي.
وقد يتسبب التنازل عن الإبداع إلى البرامج أيضاً في إبعاد عنصر تحكمٍ نهائي عن الفنانين، وهو ما يؤثر على نظرة الجمهور إلى أعمالهم. قد يضطر عشاق الفن إلى تحويل طريقة تحليلهم للأعمال الفنية، وهو ما يستغرق منهم ساعات طويلة لتفسير أحد خيارٍات الأسلوب الذي اتبعه الفنان أو تحليل نية المبدع النفسية، وخاصة عندما تؤدي أسئلة النوايا هذه إلى طمر الإجابات في الصندوق الأسود للشبكة العصبية الاصطناعية. قد يكون هناك أيضاً التباس أو إحراج أو عدم ثقة في عالمٍ يزداد فيه غموض حقوق التأليف البشرية على نحو متزايد.
ومن المرجح أن يُضعف هذا الأمر النظرة النقدية للفن ليرتبط بشكل أكبر بالذوق وعلم الجمال. وقد يخيّب هذا الأمرظنّ النقاد الفنيين، كما يوضح رودلي، ولكنه يعتقد أن هذا الأمر سيجعل الفن سهل المنال. ويقول: "إن الفن الخوارزمي يهدد النموذج الحالي للفن، ولكنه لا يهدد الإبداع البشري بالإجمال". ويضيف أيضاً: "يجب أن نتحدى فكرة أنه علينا فقط الاستماع الى الفنانين".
لقد أسفرت كل التكنولوجيات التي غيرت طرق إنتاج وتلقّي الفن بشكل جذري عن أشكال جديدة وعميقة من التعبير الإبداعي. كما قال رينوار: "لولا أنابيب الألوان، لما كان لدينا سيزان أو مونيه أو بيسارو أو مدرسة انطباعية على الإطلاق".
ومع ذلك، يمكن لهذه الأدوات التي تتبع أسلوب الفن القائم على الذكاء الاصطناعي أن تأتي على حساب الفنانين. إذ مع الطباعة جاء الإنتاج الجماهيري. ومع ملفات MP3 جاءت القرصنة. ومع أجهزة الكمبيوتر جاء التحول إلى وسائل الإعلام الرقمية. ومع الفوتوشوب جاء انعدام الثقة. لن يكون الفن الخوارزمي استثناء لهذه القوى التاريخية. إن العالم المفعم بالحيوية بسبب ما زودته به الخوارزميات من إمكانات فنية سوف يصبح مظلماً من احتمال فقدان الفنانين للسيطرة.