أضف كلمة "فضاء" بعد أي كلمة عادية، وستشعر أن تلك الكلمة أصبحت فجأة أكثر إثارة للاهتمام، ذلك مثل قانون الفضاء، أو الزواج وإنجاب الأطفال في الفضاء، أو علم آثار الفضاء، أو السياسات القضائية للفضاء، وقد سمعنا مؤخراً في عناوين الأخبار حول الجناية التي حصلت في الفضاء.
تكهنت عشرات المواد الإخبارية بما قد تكون عليه شكل أول "جناية" في الفضاء، وكانت النتيجة أنه في شكوى إلى لجنة التجارة الفيدرالية ورسالة موجهة إلى الإدارة الوطنية الأميركية للملاحة الجوية والفضاء "ناسا"، اتهمت سمر ووردن شريكتها السابقة رائدة الفضاء آن ماكلين بأنها تجسست على حسابها المصرفي.
يتفق الاثنان على أن ماكلين كان لديها إمكانية الوصول إلى الحساب المصرفي الخاص بووردن أثناء وجودهما على متن محطة الفضاء الدولية. لكن ما يزعمه محامي ماكلين هو أن هذا الأمر كان عادياً وقد حصل طوال فترة شراكتهما، و"تنكر ماكلين بشدة أنها فعلت أي أمر غير لائق"، إلا أن السلطات ما زالت تحقق في القضية.
خطورة ارتكاب الجنايات في الفضاء
بقدر ما قد يكون عليه حجم وخطورة الجنايات في الفضاء، فإن هذا السيناريو ينبغي أن يُعتبر بمثابة مثال يُنظر فيه، حيث لا يجب الاستهانة بحادثة التجسس على الحساب المصرفي. في هذه القضية، لا يُعد أي طرف من الطرفين المتخاصمين في خطر مباشر، إذ لا تذكر ووردن أن ماكلين قد استخدمت الأموال أو نقلتها، وبفضل الاتفاق الحكومي الدولي الذي جرى توقيعه في عام 1998 لدعم محطة الفضاء الدولية، كان من الواضح أن الولايات المتحدة هي الجهة التي لها سلطة قضائية على هذه القضية. يوضح ذلك الاتفاق، كما تقول ميشيل هانلون، أستاذة في مجال قانون الجو والفضاء بـ "جامعة ميسيسيبي": "أنه إذا ارتُكبت جناية على المحطة، وفي حال لم تؤثر على أي طرف آخر، فيبقى الأخذ بإجراءات التعامل مع تلك الجناية ضمن صلاحيات بلد الشخص الذي ارتكبها".
لكن بالنظر إلى ما توصلنا إليه من معرفة حول السلوك الإنساني على الأرض، فليس هنالك من سبب يمنعنا من التصرف على نحو سيىء في الفضاء. وتبدو الظروف المحيطة بالفضاء مهيأة لجعل الجناية تحدث بصورة فوضوية أكثر. تقول هانلون: "سوف يكون هنالك جنايات وحالات إهمال، وليس لدينا نظام للتعامل مع ذلك حتى الآن". ما نملكه اليوم هو بعض المبادئ التوجيهية المكتوبة حول قانون الفضاء الحالي، ولكن في شكلها الحالي، فهي مجرد اقتراحات فضفاضة أكثر من اعتبارها سياسات مطبقة.
لنفترض على سبيل المثال أن هنالك جناية حدثت على محطة الفضاء أثرت فعلياً على طرف آخر، فإن الأمور في هذه الحالة ستصبح أكثر تعقيداً. تقول هانلون: "إذا سرق رائد فضاء "س" الذي ينتمي إلى البلد "س" ساعة من رائد الفضاء "ع" الذي ينتمي إلى البلد "ع"، وحدث ذلك على الطرف التابع للبلد "ص" على محطة الفضاء الدولية، فإن إحالة القضية سيكون أقل وضوحاً"، (حيث تتضمن محطة الفضاء وحدات تابعة لوكالة ناسا بالإضافة إلى تلك التابعة لوكالات الفضاء الروسية واليابانية والأوروبية). ينص اتفاق محطة الفضاء الدولية الحالي ببساطة على أن جميع البلدان المتأثرة في أي قضية ينبغي عليها إجراء محادثات مع بعضها والتفاوض من أجل الوصول إلى حل. يبدو ذلك منطقياً فيما يخص برامج الفضاء الموجودة لدينا حالياً، حيث يخضع العدد الصغير من رواد الفضاء المتجهين إلى محطة الفضاء إلى تدقيق كبير، بالإضافة إلى أن التهم الجنائية قليلة الحدوث إلى الآن، بحيث يمكن النظر فيها على أساس كل حالة على حدة.
لكن بمجرد بدء إطلاق رحلات السياحة إلى الفضاء، فإن تلك المبادئ التوجيهية لن تكون فعالة لفترة طويلة. إذ إن اتفاقية محطة الفضاء، كما يمكنك أن تخمّن، لا تنطبق إلا على محطة الفضاء الدولية، فإذا أطلقت الشركات الخاصة مركباتها الفضائية وبنت قواعدها، فإن عملية تحديد السلطة القضائية سوف تكون مهمة تكسوها الكثير من الضبابية. لنعود إلى مثالنا السابق، ولكن مع مواطنين موجودين في فندق خاص في الفضاء، ولنفرض أن المواطن "س" الذي ينتمي إلى البلد "س" اتهم المواطن "ع" الذي ينتمي إلى البلد "ع" بسرقة ساعته، في حادثة زُعم أنها وقعت في كبسولة فضائية بُنيت من قبل البلد "ص"، وهي جزء من مركبة فضائية رُخصت وأُطلقت من قبل الدولة "ط".
من الناحية التقنية، ووفقاً لمعاهدة الفضاء الخارجي، فإن الدول تعلن مسؤوليتها عن المركبات الفضائية التي تطلقها أو ترعاها، وعن أي ضرر قد تسببه. ولكن لا يوجد قانون ينظّم سلوك الإنسان على نحو خاص في الفضاء، هذا يعني أن البلد "ط" سوف يكون مسؤولاً عملياً عن تحديد الخطوات التالية في هذه الحالة - لكن قد تواجه الدولتان "س" و"ع" مشكلة في ذلك، ويمكن أن يتحول الأمر برمته إلى كابوس بيروقراطي.
الجنايات الخطيرة المسجلة في الفضاء
لا يجب نسيان أن الجنايات غالباً ما تكون أبعد من مجرد سرقة ساعة، فعلى الرغم من عدم وجود جنايات خطيرة مسجلة في الفضاء، وقعت حوادث في بيئات أخرى معزولة ومليئة بالضغوطات، مثل حادثة الباحث في القارة القطبية الجنوبية الذي طعن زميلاً له بعد ستة أشهر من وجودهما في القاعدة المعزولة (وعلى الرغم من أن التقارير الأولية تفيد بأنه فعل ذلك بسبب إصرار زميله على كشف نهايات القصص التي كان يقرأها، إلا أن الأمر يبدو غير دقيق). من الجدير بالذكر أن التدريبات المصممة فقط لـ "محاكاة" الفضاء الخارجي قد حفزت الجريمة أيضاً، ففي أواخر التسعينيات، عندما أجرى "المعهد الروسي لمشاكل الطب الحيوي" (Russian Institute of Biomedical Problems) تجارب لمحاكاة 110 أيام على متن محطة "مير" الفضائية، لم يضبط رواد الفضاء تصرفاتهم. وكتب أستاذ القانون جوليان هيرميدا في دراسة نشرها عام 2006 حول الجنايات في الفضاء ما يلي: "أفيد عن اعتداء رائدي فضاء روسيين على بعضهما بالضرب ومحاولة القتل، كما اعتدى أحدهما – وهو القائد الروسي – على (رائدة الفضاء الكندية) جوديث لابيير، وهو كان أيضاً قد هاجم أحد رواد الفضاء الروس قبل ذلك في اليوم نفسه. بالإضافة إلى ذلك، اضطر رائد فضاء روسي آخر، وذلك بعد عدة أيام، إلى إخفاء السكاكين في مطبخ المحطة لأن رائدي الفضاء الروسيين ذاتهما اللذين تشاجرا في السابق كانا يهددان بقتل بعضهما الآخر".
بأسلوب غامض، ذكر هيرميدا في ورقته أيضاً بعضاً من "الأفعال المنحرفة المماثلة التي تحدث خلال بعثات الفضاء الخارجي الأخرى" التي "بقيت سرية للغاية". كما حدثني المحامي توماس جانجل المختص في قضايا الفضاء، على الرغم من أنه لم يذكر الكثير من التفاصيل، حول شائعة قديمة توضح إمكانية ارتكاب جنايات كاملة بين المسافرين إلى الفضاء. تدور القصة حول اثنين من رواد الفضاء الروس اللذين كانا يطوفان في الفضاء، أو ما يسمى أيضاً بالـ "نشاط خارج المركبة" أو الـ "إيفا"، خلال حقبة محطات برنامج الفضاء "سالوت" و"مير"، ويقول: "كان أحد رواد الفضاء غاضباً من الآخر خلال طوفانهما خارج المركبة، وعندما أصبح أحدهما محرراً وكان في خطر الطفو إلى ما بعد النقطة التي يمكن استعادته فيها، تركه زميله في الفريق ينجرف لبعض الوقت قبل سحبه وإنقاذه في اللحظة الأخيرة". يشعر جانجل بأن القصة مبالغ فيها قليلاً – وقد أمضت زوجته الراحلة الكثير من الوقت حول الباحثين الروس الذين نسقوا مع وكالة الفضاء من أجل معرفة الحقيقة، ولكن بالطبع، جرى قبول ما قيل مع الاحتفاظ بدرجة كبيرة من الشك. ويقول: "في حال كان ذلك صحيحاً، فهو يدل على أن المشاعر يمكن أن تنجرف بشدة خلال المهمات طويلة الأجل حتى بين المهنيين المدربين تدريباً عالياً".
السياسات اللازمة لمنع ارتكاب الجرائم في الفضاء
سيكون من الحكمة العمل على وضع القواعد قبل حدوث جريمة كبرى في الفضاء، ويشبه جانجل ذلك بحدوث الزلازل في كاليفورنيا، في الولايات المتحدة الأميركية، قائلاً: "نحن نعلم أنه سيأتي، لكننا لا نعلم ماذا نفعل حياله إلى الآن". قد تكون هنالك فرص لإصلاح نظام العدالة الجنائية لدينا بالكامل، لكن من المرجح أننا سنكتفي فقط بتكييف قوانين الأرض للتعامل مع الجنايات في الفضاء. تشير هانلون إلى أن الإعلان الصريح عن تطبيق حقوق الإنسان في الفضاء قد يكون بمثابة الخطوة الأولى، أو يمكن وضع حقوق صريحة أخرى، كحق التزود بالأكسجين على سبيل المثال لأنّ الافتقار إليه سيكون معناه الموت المحتم، أو حق التواصل مع الخارج خشية أن يعرقل قائد المركبة الفضائية قدرة الركاب على طلب المساعدة. أما بالنسبة إلى ما يحدث للمشتبه به في الفضاء، فالإجابة هي أنه لا يوجد حالياً أي سجن في الفضاء، وبالنظر إلى كيفية تصميم مركبة الفضاء الحالية، سيكون من الصعب تحديد مساحة معينة كغرفة احتجاز، بالطريقة التي يفعلها أبطال أفلام الخيال العلمي عند إصابة زملائهم بفيروسات غريبة.
كنموذج على كيفية تنسيق السياسات الجديدة، تستذكر هانلون مدى سرعة اجتماع أطراف المجتمع الدولي لأخذ قرارات حول قطاع الطيران الناشئ حينها. ففي منتصف أربعينيات القرن الماضي، شكل خبراء الطيران "منظمة الطيران المدني الدولي" و"الاتحاد الدولي للنقل الجوي" لوضع معايير السلامة والتواصل، وخلق إجراءات للتحقيق في الحوادث والشكاوى، ووضع حدود للمسؤولية لحماية شركات النقل الجوي.
لا شك أن سياسات المؤسسات تلك قد واجهت انتقادات، ولكنها تعدّ مثالاً يوضح كيف يمكن للدول أن تتوحد لوضع معايير دولية والسعي إلى تطبيقها. تقول هانلون: "نحتاج إلى وجود ذلك النوع من النظام أيضاً في مجال السياحة في الفضاء".
ربما تكون قضية ماكلين بمثابة صيحة تنبيه من أجل الاستعداد لمواجهة قضايا حتمية متعلقة بضرورة وجود السياسات القضائية للفضاء الخارجي. تقول هانلون: "هذا تذكير لنا جميعاً بأن رواد الفضاء ليسوا مثاليين، والمدنيون الذين نرسلهم إلى الفضاء سيكونون على درجة أقل من المثالية".