طائرات الدرون المخصصة لتقصي الحمى ليست مجدية

10 دقائق
استخدام طائرات الدرون في تتبع مصابي فيروس كورونا

على الرغم من الضجيج الكبير حول استخدام الطائرات ذاتية القيادة (الدرون) للحصول على معلومات حول انتشار مرض "كوفيد-19"، إلا أن هذه الفكرة ليست بالفكرة الجيدة.

استخدام طائرات الدرون لتتبع مصابي فيروس كورونا حول العالم

منذ بدء الجائحة، بدأت السلطات في كل من نيودلهي وإيطاليا وعُمان وولاية كونيتيكت الأميركية والصين باختبار طائرات الدرون لتحديد المصابين بالحمى كوسيلة لإجراء فحص شامل للإصابات بمرض "كوفيد-19". تزعم هذه السلطات أنه بالإمكان استخدام الدرون من أجل التوصل إلى فهم أفضل لصحة الناس بصورة عامة، ولتحديد الأشخاص الذين تحتمل إصابتهم بالمرض وعزلهم لإجراء مزيد من الفحوص.

في إيطاليا، تستخدم قوات الشرطة طائرات الدرون من أجل فحص درجة حرارة أجسام الناس الذين يتجولون خارج منازلهم أثناء فترة الحجر. في حين يأمل المسؤولون في الهند أن يتمكنوا من استخدام الدرون المجهزة بجهاز فحص حراري من أجل البحث عن الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع غير طبيعي في درجات حرارة أجسامهم على الأرض. وفي ليتوانيا، استخدم طيار طائرته الدرون المجهزة بجهاز فحص حراري من أجل فحص درجة حرارة صديقه المريض لأن الأخير لا يملك ميزان حرارة شخصي.

للأسف، يكاد الدليل على فاعلية هذه الطائرات أن يكون معدوماً.

عموماً، هناك نوعان من حساسات طائرات الدرون التي تبحث عن حالات الحمى، وهما الاستشعار الحراري ونظام الرؤية بالكمبيوتر. يعتمد الأول على الكاميرات الكاشفة للحرارة التي تعتمد على الأشعة تحت الحمراء للبحث عن علامات تدل على ارتفاع درجة حرارة جلد الإنسان. إذ تتتبع الأشعة تحت الحمراء التي تبثها على الأشخاص والأشياء وتحول قراءاتها إلى صور، حيث يعبر اللون الأحمر عن ارتفاع درجة الحرارة والأزرق عن انخفاضها، ويتدرج اللونان بحسب تدرج الحرارة.

في عالم طائرات الدرون، تستخدم الكاميرات الكاشفة للحرارة بصورة أساسية من أجل فحص البنية التحتية إلى جانب استخدامات أخرى. وفي الطب، استخدمت هذه الكاميرات وأجهزة الكشف عن الحرارة لأول مرة في فحص الحمى بعد انتشار مرض السارس في بدايات العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. يمكن استخدام صور الكاميرات الكاشفة للحرارة في تقدير حرارة جسم الإنسان الداخلية عن طريق قياس درجة حرارة سطح الجلد، وإذا ازدادت عن حد معين لدى شخص ما يؤخذ جانباً ويخضع لفحوصات أشمل.

والآن، أصبحت هذه الكاميرات وسيلة قياسية لإجراء فحص شامل للجماعات البشرية عند حدود البلاد أثناء فترات انتشار الأمراض، على الرغم من أن الخبراء يشككون منذ زمن طويل في إمكانية الوثوق بها. وتتزايد هذه الانتقادات مع ثبوت عدم إمكانية الاعتماد على فحص درجة الحرارة في تحديد حالات الإصابة المحتملة. بيد أن البعض ما زالوا يعتقدون أنهم قادرون على الاكتفاء بجهاز الفحص الحراري على طائرة الدرون واعتباره الابتكار الأقوى لفحص درجة الحرارة بصورة جماعية.

لكن الأمر ليس بهذه البساطة. ففي حين يمكن أن يزعم مستخدمو طائرات فحص الحمى وصانعوها أنه بالإمكان استخدام طائراتهم في التعرف على 19 عرضاً من أعراض "كوفيد-19" المحتملة، فأنا لم أعثر على أي دراسات أو تقارير علمية تثبت صحة هذه المزاعم. وفي غياب هذه الأدلة، يجب أن نعتمد على ما هو معروف بالفعل عن مشكلات إمكانية الوثوق بالتصوير الحراري. ولا يبدو أن هذه الأدلة تميل إلى صالح طائرات الدرون.

مشكلات استخدام الطائرات ذاتية القيادة للكشف عن أعراض فيروس "كوفيد-19"

أولاً، ثمة مشكلات في المسافة. إذ يجب أن تكون الكاميرات الكاشفة للحرارة قادرة على رؤية عدد معين من وحدات البكسل على وجه الشخص من أجل الحصول على قراءة دقيقة. عادة، تحاول الكاميرات المستخدمة في فحص الحمى الحصول على لقطة واضحة لزاوية عين الشخص، لذا يجب أن تكون قريبة جداً من هذا الهدف الصغير كي تتمكن من التقاط عدد كاف من وحدات البكسل.

تصرح شركة "فلير" (FLIR)، الرائدة في تصنيع الكاميرات الحرارية، في منشوراتها أنه ينبغي أن تستخدم كاميراتها عموماً على مسافة تتراوح ما بين متر واحد و1.6 متر كحد أقصى من الهدف من أجل ضمان الحصول على قياسات متسقة للحرارة. وعلى الرغم من أن الشركة تبيع كاميرات حرارية مصممة لطائرات الدرون، فإنها لا تسوقها للأغراض الطبية.

أخبرني راندال وارناس، وهو موظف في الشركة وخبير في طائرات الدرون أن هذه المسافة القريبة الضرورية كي يكون القياس دقيقاً لا تناسب الدرون، وأنه "لا ينصح باستخدامها لهذه الأغراض في ظل التقنيات المتاحة اليوم". وتحليق طائرة الدرون على مسافة أقرب إلى الهدف لن يفيد أيضاً، فهي تحلق على مسافة لا تنقص عن متر واحد أو 1.6 متر من الهدف لأسباب واضحة فيما يتعلق بالسلامة، ولن يرغب أحد في أن تحلق طائرة بلاستيكية أمام عينه مباشرة.

في دول كثيرة، ومنها الولايات المتحدة، يمنع القانون تحليق طائرات الدرون فوق رؤوس الناس مباشرة. كما يمكن أن تسبب عوامل أخرى بعض المشكلات، كإمكانية تثبيت الكاميرا والرياح وحرارة الجو. أجريت دراسة عام 2019 لاختبار دقة قراءات الكاميرا الكاشفة للحرارة على طائرة الدرون لأغراض غير طبية، وتوصلت إلى أن الخطأ في قراءة الكاميرا للحرارة أثناء التحليق كان بنحو خمس درجات مئوية، وذلك على الأرجح بسبب الرياح وتغيرات درجة حرارة الجو، لكن مجال الخطأ هذا أوسع مما يتيح قياس الاختلافات الصغيرة في درجة حرارة جسم الإنسان والتي تدل على وجود حمى. علماً أن إدارة الغذاء والدواء توصي بأن يكون مجال الخطأ في دقة قراءة الأجهزة الحرارية للكشف عن الحمى يساوي 0.5 درجة مئوية زيادة أو نقصاناً.

بالإمكان الحصول على نفس النتيجة عن طريق كاميرا حرارية مثبتة على عمود بجانب متجر البقالة.

أضف إلى ذلك أنه من غير الواضح ما إذا كان ممكناً إجراء فحص دقيق على عدة أشخاص في وقت واحد بحثاً عن علامات الحمى باستخدام هذه الأجهزة، حتى وإن كانت ثابتة على الأرض. وفي حين تراخت إدارة الغذاء والدواء مؤقتاً في قوانينها المتعلقة بالكاميرات الحرارية أثناء الجائحة، إلا أن أحدث توجيهاتها المتعلقة بالفحص الحراري لتحري أعراض الحمى توصي بوضوح بأن "تستخدم هذه التقنيات لقياس حرارة جسم شخص واحد في كل مرة"، وكذلك الأمر بالنسبة للمعايير التي نشرتها "المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس" (International Organization for Standardization).

بجمع تلك العوامل معاً نجد أنها تتفق على اعتبار الطائرات ذاتية القيادة المستخدمة في الفحص الحراري للحمى تقنية مشكوك في كفاءتها بدرجة كبيرة. إذ إنه بالإمكان الحصول على نفس النتيجة عن طريق كاميرا حرارية مثبتة على عمود بجانب متجر البقالة.

أما النوع الثاني من طائرات الدرون المستخدمة في تتبع حالات الإصابة بمرض "كوفيد-19" فيعتمد على نظام الرؤية بالكمبيوتر. احتلت شركة "دراغانفلاي" (Draganfly) العناوين الرئيسة عندما أعلنت في 21 من أبريل/نيسان أنها ستتعاون مع شرطة ويستبورت في ولاية كونيتيكت الأميركية في برنامج تجريبي واعد يستخدم أنظمتها لتحري درجة حرارة جسم الإنسان ونبضه ومعدل تنفسه ومدى اقترابه من الآخرين وسعاله. في مؤتمر صحفي، زعمت الشركة أن نظام طائرات الدرون هذا (الذي لم يطرح للبيع بعد) قادر على "تقصي أعراض الإصابة بدقة من مسافة تصل إلى قرابة 58 متراً، بالإضافة إلى قياس التباعد الاجتماعي من أجل الممارسات الاستباقية للسلامة العامة". (لم يجب مسؤولو مدينة ويستبورت عن سؤالي عما إذا كانت المدينة قد دفعت ثمن الطائرات أم أن شركة "دراغانفلاي" قدمتها لها مجاناً).

لكن مشروع ويستبورت كان قصير العمر. ففي 23 من أبريل/نيسان، أعلن قسم الشرطة أنه ينسحب من البرنامج التجريبي الأول، وذلك بناء على تقييمات سلبية من المجتمع والاتحاد الأميركي للحريات المدنية.

يقود الرئيس التنفيذي كاميرون تشيل شركة "دراغانفلاي"، وهو رائد أعمال مثير للجدل في قطاع التقنية، حيث يضم ملف سيرته الذاتية كل شيء، بدءاً من الحفارات مروراً بكاميرات الفضاء وصولاً إلى مشروع متحرر متعلق بالعملة الإلكترونية "بيتكوين" مع ريك سانتوروم. حصلت الشركة على التقنية التي تتقصى أعراض الإصابة من "فايتال إنتليجنس بروجيكت" (مشروع الذكاء الحيوي) (the Vital Intelligence Project)، وهي شركة ناشئة لخدمة البيانات في قطاع الرعاية الصحية عقدت اتفاقاً للبحث والتسويق مع جامعة "ساوث أستراليا".

تم التعاقد مع "دراغانفلاي" من خلال "فايتال إنتليجنس" من أجل المساعدة على طرح التقنية التي طورها باحثو جامعة "ساوث أستراليا" ومجموعة العلوم والتقنية في وزارة الدفاع الأسترالية في الأسواق. تستخدم تقنية "فايتال إنتليجنس" "للمقاييس الصحية من دون لمس" نظام الرؤية بالكمبيوتر والذكاء الاصطناعي وكاميرات رقمية عالية الدقة من أجل محاولة مراقبة العلامات الحيوية لدى الإنسان (والحيوانات في حديقة الحيوان) عن بعد. ويتم تحليل مقاطع الفيديو التي تسجلها الكاميرات من أجل التقاط الحركات الدقيقة كارتفاع الصدر عند التنفس، ومن ثم استخدامها من أجل تقدير نبض الشخص ومعدل تنفسه أو العثور على ناجين بعد الكوارث.

تقنية طائرات الدرون المزودة بكاميرات لمراقبة العلامات الحيوية

يعتبر البحث السابق بحثاً واعداً بالتأكيد، لكن وفقاً للدراسات التي قرأتها والتي أصدرها فريق الباحثين في جامعة "ساوث أستراليا"، لم يتم اختبار التقنية إلا في ظل شروط تجريبية خاضعة للمراقبة، وهذا ليس ما نفهمه من الوعود الكبيرة التي قدمتها شركة "دراغانفلاي" فيما يتعلق بدقة التقنية. (سألت الشركة عما إذا طرحت بحثاً يدعم مزاعمها، لكنها لم تقدم لي أي معلومات إضافية).

على سبيل المثال، قال تشيل في إحدى المقابلات إن النظام قادر على تقصي العلامات الجسدية لدى الإنسان على مسافة تصل إلى ما بين 50 و60 متراً، لكن البحث الذي كان يشير إليه استخدم كاميرا رقمية ثابتة وليست محمولة على طائرة "درون" متحركة. وعلى الرغم من أن إحدى مراحل التجربة حققت نجاحاً في القراءة المتزامنة للعلامات الحيوية لمجموعة من ستة أشخاص من أعمار وألوان بشرة مختلفة بواسطة طائرة الدرون، فإن هذه الطائرة حلقت على مسافة لا تزيد عن 3 أمتار من أهدافها، حيث طلب من هؤلاء الأشخاص المشاركين في التجربة في أحد السيناريوهات التحدث فيما بينهم والغمز بأعينهم وتحريك رؤوسهم، لكن لم يطلب منهم تغيير مواقعهم أثناء الاختبار.

أجريت مقابلة عبر البريد الإلكتروني مع جافان تشال، قائد فريق البحث في جامعة "ساوث أستراليا" والمشارك في تأليف البحث، وأخبرني فيها أن "العامل المقيد الأساسي هو ضرورة أن نتمكن من رؤية وجوه الأهداف لمدة لا تقل عن عدة دورات قلبية تنفسية".

سيكون من الصعب تلبية هذه الشروط على أرض الواقع، إذ سيتم استخدم كاميرا مثبتة على طائرة درون متحركة تحاول قراءة العلامات الحيوية لمجموعات أشخاص يمشون من مكان إلى آخر وعلى مسافة أكبر بكثير من 3 أمتار. يجب أن تُعالج هذه المشكلات الفنية في تقنية الفحص هذه قبل أن تصل إلى الأسواق، علماً أن تشيل، الرئيس التنفيذي لشركة "دراغانفلاي"، قال عنها بوضوح إنها مصممة لجمع "عينات سكانية".

وفيما يتعلق بهذه النقطة، سألت تشال في مقابلة عبر البريد الإلكتروني عما إذا كانت تقنية طائرات الدرون المزودة بكاميرات لمراقبة العلامات الحيوية قد أثبتت فاعليتها في ظل شروط مماثلة لشروط العالم الحقيقي ومشابهة لشروط الأماكن العامة المزدحمة. فقال لي: "من الصعوبة بمكان نشر أبحاث عن شروط غير تجريبية وغير خاضعة للمراقبة"، على الرغم من اعتقاده بأن المواقع التي اختارها مع فريقه في البحث (قبل شراكتهم مع شركة دراغانفلاي) كانت "دليلاً معقولاً على المفهوم، في الهواء الطلق والحدائق والمزارع وما إلى ذلك".

كما أخبرني أن الفريق سيجري دراسات أوسع في أستراليا والولايات المتحدة، وأنه يعتقد أن تقنيات طائرات الدرون الأحدث ستكون قادرة على التغلب على العوائق الفنية الحالية. وستنشر شركة "دراغانفلاي" قريباً دراساتها أو تقاريرها أو غيرها من الوسائل التي تتبعها في إجراء تقييم مستقل لما تزعم أن تقنيتها تتمتع به من قدرة على التقاط بيانات "كوفيد-19" لدى السكان. ويقول تشيل إن هناك خططاً لمشروعين تجريبيين آخرين في المستقبل القريب.

ربما يبدو كل ذلك انتقاداً مجحفاً لصانعي التقنيات ذوي النوايا الحسنة الذين يحاولون ابتكار مجتمع لا يعاني من حالة الإغلاق العام العالمية ليس إلا. لكن من الضروري أن تتمكن هذه التقنيات من فعل ما يقول بائعوها إنها تفعله، وتزداد هذه الضرورة عندما تؤثر هذه التقنيات على صحتنا وحريتنا.

تحفيز الكوارث لطرح التقنيات الجديدة

عادة، تحفز الكوارث الشركات والباحثين لطرح تقنيات ومفاهيم وتدخلات طبية غير مختبرة على نطاق واسع، فتعمل في ظل جدل دائر حول عدم توفر وقت كاف لتطبيق الحجم المعتاد من الصرامة والتدقيق على الابتكارات التي قد تساعد في إنقاذ الأرواح. يشير خبراء الاستجابة للكوارث إلى ذلك بأنه "التجريب الإنساني"، الذي يختبر فيه صانعو التقنيات ابتكاراتهم الجديدة على الناس الضعفاء والمغلوب على أمرهم. وبفضل الجائحة، أصبح العالم بأسره الآن خاضعاً للعرف المقلق المتمثل في قول "ما الضرر في ذلك؟".

في حين زعم تشيل في إحدى المقابلات أن بيانات المقاييس الحيوية التي تجمعها طائرات الدرون جميعها "مجهولة الهوية"، إذ كانت مقاطع الفيديو التي نشرتها الشركة للترويج لتقنيتها قد صُورت من ارتفاع متدن جداً وتبين ملامح الأشخاص بوضوح. هذه ليست بيانات سكانية تحافظ على سرية الهوية، بل هي بيانات يمكن لمستخدميها استغلالها بسهولة للتعرف على الأشخاص واحتجازهم، وذلك يشمل الشرطة.

حتى وإن تمكنت الشركة من التوصل إلى طريقة ما لإخفاء المعلومات الشخصية في بيانات طائراتها، حيث لا يمكن لمستخدمي البيانات إعادة الكشف عن هذه المعلومات، فهذا لا يعني أنها غير مؤذية. ما الذي سيحدث إذا ما لاحظت طائرات الدرون (بدرجة غير واضحة من اليقين) أن حياً فقيراً، أو حياً تهيمن عليه إحدى مجموعات الأقليات، ظهرت فيه نسب مرتفعة من أعراض الإصابة بمرض "كوفيد-19"؟ هل سيتلقى جميع سكانه دعماً صحياً إضافياً؟ أم أنهم سيجدون أنفسهم خاضعين لمزيد من المراقبة ويوجه إليهم اللوم؟

تؤدي قضايا الأخلاقيات والحقوق المدنية هذه إلى عواقب هائلة فيما يتعلق بمستقبل تقصي الإصابة بالحمى بواسطة طائرات الدرون. يقول مايكل مينا، أستاذ مساعد مادة الوبائيات في كلية "هارفارد تي آتش تشان" للصحة العامة: "يبدو لي أن تشخيص الأعراض لدى الناس، ولو كان جزئياً، هو عمل غير أخلاقي تماماً في الوقت الحالي، في مجتمعنا وفي الطب الذي نمارسه. ما الذي سنفعله بهذه المعلومات؟ ... فمجتمعنا لم يواجه ذلك من قبل بأي شكل من الأشكال". 

تبين البيانات الأولى بالفعل أن ذوي البشرة السمراء من الأميركيين يُعتقلون بأعداد كبيرة جداً بسبب مخالفة قوانين التباعد الاجتماعي. يقول جاي ستانلي، خبير كبير في تحليل السياسات ويعمل مع الاتحاد الأميركي للحريات المدنية: "ما تعلمناه من خلال خبرتنا الطويلة هو أنه إذا كان لديك تقنية زائفة لا تعمل على نحو جيد وتولد نتائج عشوائية وغامضة، فإنها غالباً ما تتحول إلى تمييز عنصري وإلى غيره من أشكال التمييز". وينوه إلى مثال فشل الأميركيين ذوي البشرة السمراء في اختبارات كشف الكذب بنسبة كبيرة جداً، على الأرجح بسبب تحيز من يجري الاختبار.

هناك مشكلات مثبتة في دقة نتائج قراءات خوارزميات التعرف على الوجه وغيرها من أساليب نظام الرؤية بالكمبيوتر على الأشخاص ذوي البشرة الملونة والنساء. وقد اعترف تشيل نفسه في مقابلة أجراها مؤخراً مع موقع "فينشر بيت" (VentureBeat) أن ثمة صعوبات في تقنية شركته "دراغانفلاي" وأن "البشرة الداكنة واختلاف الإضاءة والعوامل الأخرى يمكنها أن تسبب بعض المشكلات".

لدينا بضعة أمور يمكننا القيام بها من أجل ضمان ألا توضع طائرات الدرون المخصصة لتقصي الإصابات بالحمى قيد الاستخدام بطرق لا أخلاقية تهدر الموارد. ويجب أن تكون السلطات واثقة تماماً من أن التقنية الجديدة التي تبدو مثيرة للإعجاب وتستخدمها لمجابهة الجائحة (وتدفع أموال دافعي الضرائب فيها) تعمل بالفعل.

وإذا كانت الوكالات العامة ترغب في دراسة تقنيات طائرات الدرون لتقصي الحمى التي لم تثبت فاعليتها، فيجب ألا تكون هذه الاختبارات مرتبطة بأي شكل من الأشكال بالإجراءات القمعية على أرض الواقع. ويجب أن يترافق هذا البحث مع الشفافية بشأن طريقة ترجمة السلطات التي ستشتري هذه الطائرات للبيانات التي تجمعها وطريقة حمايتها لخصوصيات الناس وما يحدث للأشخاص والمجموعات الذين توضع عليهم علامة بأنهم مصابون.

وأخيراً، يجب على شركات تصنيع طائرات الدرون أن تكون حذرة جداً في استخدام اللغة التي تجعل تقنية تقصي الإصابات بمرض "كوفيد-19" تبدو موثوقة أكثر مما هي عليه في الحقيقة. فترويج هذه الحلول للعملاء الذين لا يعلمون حقيقتها هو ممارسة مشبوهة في الأوقات الجيدة، وهو ممارسة لا أخلاقية صريحة أثناء الأزمات. لطالما عانى بائعو طائرات الدرون من صعوبات في اكتساب ثقة الجمهور في تقنياتهم، واستعجال طرح الأنظمة التي لم تثبت فاعليتها في الأسواق في الوقت الذي نعيش فيه كارثة يزيد الشكوك التي تساور الناس بالفعل بشأن طائرات الدرون.

في حاضرنا الذي يزداد صعوبة، يمكن توجيه الوقت والمال باتجاه تدابير واعدة أكثر بدلاً من إنفاقهما على تقنيات غير مجربة مثل طائرات الدرون المخصصة لتقصي الإصابات بمرض "كوفيد-19". وإلى أن تتوفر بيانات تثبت قيمة هذه التقنيات في العالم الحقيقي، لن تكون طائرات الدرون لتقصي الإصابات بالحمى أكثر من مجرد فكرة حالمة، وأشياء تجعلنا نشعر أننا نسيطر على الجائحة أكثر مما هو الحال في الحقيقة.

المحتوى محمي