وجد باحثون من معهد ماكجفرن لأبحاث الدماغ التابع لجامعة إم آي تي أنه يمكن لنموذج الذكاء الاصطناعي أن يعلّم نفسه الشم خلال بضع دقائق فقط باستخدام التعلّم الآلي. وفي دراسة نُشرت يوم 6 أكتوبر الجاري في دورية نيورون (Neuron) العلمية، أشار الباحثون إلى أن النموذج يبني شبكة عصبونية تحاكي الدوائر الشمية التي تستخدمها أدمغة الحيوانات لمعالجة الروائح.
تستخدم الكائنات الحية، من ذباب الفاكهة وصولاً إلى البشر، نفس الإستراتيجية لمعالجة معلومات حاسة الشم في الدماغ. بيد أن علماء الأعصاب الذين دربوا شبكة عصبونية اصطناعية على مهمة بسيطة لتصنيف الروائح فوجئوا بأنها تكرر هذه الاستراتيجية البيولوجية بدقة شديدة.
اقرأ أيضاً: الشبكات العصبونية المدرّبة تماثل الأداء البشري في الاختبارات النفسية التقليدية
الدوائر الشميّة الطبيعية عند الكائنات الحية
إن ذباب الفاكهة هو أكثر الكائنات الحية التي تمكّن العلماء من تحديد ودراسة الدوائر الشمية للدماغ لديها. تبدأ الرائحة في الأعضاء الشميّة الملامسة للهواء، حيث توجد الخلايا العصبية الحسية. وكل خلية منها مجهزةٌ بمستقبلات الرائحة المتخصصة للكشف عن روائح معينة. يؤدي ارتباط جزيئات الرائحة مع المستقبلات الحسية إلى تشكيل إشارات كهربائية.
اقرأ أيضاً: شريحة حاسوبية جديدة تُحاكي الدوائر العصبية لأنوفنا لتشم الروائح
تُشكل الخلايا العصبية الحسية الطبقة الأولى من شبكة حاسة الشم، تنتقل الإشارات منها إلى الطبقة الثانية من الخلايا العصبية الموجودة في جزء من دماغ ذبابة الفاكهة يسمى الفص الهوائي. ومنها تنتقل الإشارة إلى مجموعة أكبر من الخلايا العصبية في الطبقة الثالثة. وبين هذه الطبقات يوجد مستقبلات انتقائية تتلقى الإشارات العصبية الشميّة، ولا تتلقى أي إشارات من خلايا عصبية أخرى. ومن المحير أن هذه الاتصالات تبدو عشوائية.
الشبكات العصبونية الاصطناعية لتمييز الرائحة
الشبكة الاصطناعية المبتكرة مستوحاة من الدماغ، تتكون من خلايا عصبونية اصطناعية تعيد توصيل نفسها لأداء مهام محددة. يمكن تدريب هذه الخلايا على انتقاء الأنماط ضمن مجموعات البيانات المعقدة، مما يجعلها ذات قيمة في التعرف على الكلام والصورة وأشكال أخرى من الذكاء الاصطناعي. وعلى ما يبدو أن الشبكات الاصطناعية التي تفعل ذلك، تُحاكي نشاط الجهاز العصبي.
ولكن يمكن لشبكاتٍ لها بنية مختلفة أن تولّد نتائج مماثلة، ولا يزال علماء الأعصاب في حاجة إلى معرفة ما إذا كانت الشبكات العصبونية الاصطناعية تعكس البنية الفعلية للدوائر البيولوجية. وبعد الحصول على البنية التشريحية الشاملة لدوائر حاسة الشم لذبابة الفاكهة، أصبح الباحثون قادرون على استخدام الشبكات العصبونية الاصطناعية لدراسة الدماغ.
بالتعاون الوثيق مع علماء الأعصاب في جامعة كولومبيا، أنشأ الباحثون شبكة من الخلايا العصبية الاصطناعية تتكون من 3 طبقات، طبقة إدخال وطبقة ضغط وطبقة تمدد، تماماً مثل نظام حاسة الشم لذبابة الفاكهة. وبالرغم من أن عدد الخلايا العصبية ذاته، لم يضعها الباحثون ضمن بنية معينة، بل اعتمدوا في إعادة توصيل الروابط بين الخلايا العصبونية على ما تعلمه النموذج الاصطناعي لتصنيف الروائح. أراد الباحثون من النموذج التعرف على الروائح الفردية والمختلطة وتصنيفها أيضاً، وهو شيء يتميز به نظام حاسة الشم في الدماغ.
دماغ ذبابة الفاكهة والطفرات العشوائية مقابل الشبكات العصبونية الاصطناعية والتعلم الآلي
لم تستغرق الشبكة الاصطناعية سوى دقائق لتنظيم نفسها. كانت البنية التي رتبت فيها نفسها مشابهة تماماً لتلك الموجودة في دماغ ذبابة الفاكهة. تلقّت كل خلية عصبونية في طبقة الضغط مدخلات من نوع معين من الخلايا العصبونية المدخلة والمتصلة، على ما يبدو بشكل عشوائي، بخلايا عصبونية متعددة في طبقة التمدد. والمثير في الأمر أن كل خلية عصبونية في طبقة التمدد تتلقى اتصالات من 6 خلايا عصبونية في طبقة الضغط، تماماً كما يحدث في دماغ ذبابة الفاكهة.
تشكلت هذه البنية عند ذباب الفاكهة من خلال الطفرات العشوائية والانتقاء الطبيعي. وشكلتها الشبكة الاصطناعية من خلال خوارزميات التعلم الآلي القياسية.
يدل هذا التقارب المفاجئ على أن دوائر الدماغ التي تفسر معلومات حاسة الشم منظمة على النحو الأمثل لمهمتها. بعد الوصول إلى هذه النتائج، يمكن للباحثين استخدام نموذج الذكاء الاصطناعي هذا لمواصلة استكشاف هذه البنية، واستكشاف كيفية تطور الشبكة في ظل ظروف مختلفة والتلاعب بالدوائر بطرق لا يمكن إجراؤها تجريبياً.
إن الشبكة الاصطناعية ستساعد الباحثين على معرفة المزيد عن دوائر حاسة الشم في الدماغ. وستساعد أيضاً في إثبات صلة الشبكات العصبونية الاصطناعية بعلم الأعصاب.