تحديث النموذج الذهني حول مفهوم التحول الرقمي

3 دقائق
المفهوم الواسع للتحول الرقمي

نعيش حالياً في عالم يعج بالتكنولوجيا الرقمية التقليدية والناشئة، ما زاد من توقعات الأفراد حول ما يجب أن تقوم به الحكومات والمؤسسات في سبيل توفير الوصول إلى خدماتها من أي قناة وفي أي وقت وفي أي مكان. لذا، تتجه الحكومات والمؤسسات إلى تلبية توقعات المستفيدين المتزايدة عبر أتمتة الخدمات وجعلها في متناول أيديهم على مدار الساعة.

وقد برز مصطلح التحول الرقمي في الأوساط المختلفة كمجتمعات الباحثين، ومجتمعات المهتمين والممارسين في تكنولوجيا المعلومات والأعمال، والجهات الاستشارية، والمؤسسات الحكومية والخاصة. وقد بدأت مؤسسسات كثيرة مشاريع متعلقة بالتحول الرقمي، ولكن هل ما يتم القيام به حالياً تحت غطاء التحول الرقمي هو الممارسة الصحيحة؟

المفهوم السائد للتحول الرقمي 

يُستخدم مصطلح التحول الرقمي على نطاق واسع، لكن يبدو أن مفهومه الحقيقي ضيق الانتشار، حيث يعتبر الكثيرون أن التحول الرقمي هو رقمنة المعاملات والعمليات الورقية، ما يجعله وفقاً لهذا التعريف متمركزاً حول تكنولوجيا وأساليب محددة، وتقوم به فرق تكنولوجية منعزلة. وهذا المفهوم يمكن سماعه من الأفراد في المؤسسات وملاحظته في المنشورات والتصريحات لأشخاص من خلفيات مختلفة.
 
كما يمكن استنباط ذلك بشكل جلي من توجهات بعض المؤسسات بالنظر إلى واقعهم المتعلق بالتحول الرقمي والمشاريع التي ينفذونها حالياً أو المشاريع التي يطرحونها للمنافسة. فعلى سبيل المثال، من خلال تحليلنا لعدد من مشاريع المؤسسات ذات العلاقة بالتحول الرقمي المطروحة للمنافسة، نجد أن طلبات الخدمات الاستشارية في موضوع التحول الرقمي متمحورة بشكل كبير على الأدوات والتقنيات وكيفية نقل التعاملات الورقية إلى إلكترونية. وهذا يعني أن التحول الرقمي تم حصره في بُعد واحد وهو تحويل التعاملات الورقية إلى إلكترونية.

المفهوم الحقيقي للتحول الرقمي 

أما المفهوم الحقيقي للتحول الرقمي، فيتمثل في الإسهام بتلبية احتياجات المستفيد بكفاءة وفعالية بغض النظر عن الأدوات والتقنيات المستخدمة، لذا فهو يتمحور حول المستفيد أو المستخدم. ويعد التحول الرقمي عملية تعتمد على الأدلة والأبحاث والبيانات، وليست على الآراء، وذلك لتحسين تجربة المستفيدين من خدمات المنظمة.     

كما أن التحول الرقمي يؤكد أهمية إعادة النظر في عملنا الحالي بما يشمل الأساليب والسياسات والتقنيات ونماذج العمل والعمليات والإجراءات. فضمن رحلة التحول الرقمي، يأتي هدف مهم يغفل عنه الكثيرون وهو إجراء تحسينات على السياسات واللوائح والتقنيات والأدوات ونماذج الأعمال لتلبية احتياجات المستفيد أو المستخدم بشكل أفضل.

لذلك، فإن عملية التحول الرقمي تعتبر فرصة ذهبية للاستغناء عن نماذج العمل القديمة واستحداث نماذج عمل تناسب متطلبات القرن الحادي والعشرين. ويجب أن تكون نماذج وأساليب العمل المستحدثة قابلة للتكيف والتحسين المستمر بناء على متطلبات المستفيدين والتغيرات في أساليب العمل والثورات التقنية المتلاحقة.

التحول الرقمي في المؤسسات

يبدأ التحول الرقمي في المؤسسات ببناء الوعي وتوحيد النماذج الذهنية حول التحول قبل كل شيء. ويتلو ذلك بناء استراتيجية التحول الرقمي التي تغطي أبعاد مفهوم التحول الرقمي. ثم تأتي بعد ذلك عملية التحول الرقمي الفعلية التي تستند إلى استراتيجية التحول الرقمي وخريطة الطريق المرسومة للتنفيذ.

ومن المشاريع المهمة التي يجب أن تأخذها المؤسسة في الحسبان مشروع بناء القدرات البشرية التي ستدعم عملية التحول في المجالات المختلفة، وليس فقط في المجال التقني. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي للمؤسسة أن تركز على عدة مشاريع أخرى مثل: تحسين الإجراءات، وتحسين تجربة المستفيد، وإدارة التغيير، وتحليل وتصميم تجربة المستخدم، وإدارة البيانات والبنية التحتية. وقد يتطلب التحول الرقمي تغييرات في نهج المؤسسات، بما في ذلك نماذج التمويل، والسياسات والتشريعات، والهياكل التنظيمية، ما يتطلب القيام بمراجعة للممارسات الحالية، وتحسينها في حال الحاجة. 

وعادة لا يوجد إطار موحد في التحول الرقمي يلائم جميع المؤسسات، إذ إن هناك الكثير من العوامل التي تؤثر في عملية التحول الرقمي في المؤسسة، مثل فئات وأعداد المستفيدين، وحجم المؤسسة، وثقافة المؤسسة، والقدرات البشرية في المؤسسة، والبنية التحتية التقنية، ووعي المسؤولين بأهمية التحول الرقمي، والدعم المالي.

تحديث النموذج الذهني حول التحول الرقمي

ومن الأهمية بمكان أن يتم تحديث النموذج الذهني حول التحول الرقمي للقيادات والمعنيين بموضوع التحول الرقمي، وقد يكون ذلك عبر برامج تدريبية أو توعوية تقرها الجهات المرجعية الوطنية التي تعنى بمنظومة التحول الرقمي على مستوى الدولة، وتكون هذه البرامج موجهة للمعنيين بالتحول الرقمي في الجهات المختلفة، أو برامج خاصة على مستوى المؤسسة موجهة لمنسوبيها من المعنيين بموضوع التحول الرقمي.

من خلال هذه البرامج، يجب أن يتم بناء النموذج الذهني الصحيح حول التحول الرقمي، ومن ذلك أن التحول الرقمي كمفهوم وممارسة قائم على التمركز حول الإنسان/المستخدم بدلاً من التمركز حول التقنية، والاستناد إلى الأدلة والبيانات خلال عملية التحول بدلاً من الآراء والمشاعر، والابتكار والاستعداد للتغيير بدلاً من السكون والثبات، والاعتماد على فرق متعددة المهارات والتخصصات بدلاً من الاعتماد على فرق من تخصصات تقنية فقط، والتمكين بالتقنية بدلاً من الانقياد بالتقنية.

المحتوى محمي