كان من الممكن أن يتم اختيار توقيت أفضل من هذا؛ ففي 11 يوليو، انطلق رائد الأعمال والملياردير البريطاني ريتشارد برانسون إلى حدود الفضاء الخارجي في مركبة صنعتها شركته، فيرجن جالاكتيك، في فترة ما زالت تشهد صراعاً مريراً ضد الوباء في الكثير من أنحاء العالم. ولكن، وعلى الرغم من أن هذه الرحلة نالت نصيبها من الانتقادات، فإنها تمثل خطوة أساسية نحو جعل السفر الفضائي أكثر سهولة من ذي قبل، حتى لو بدا هذا الأمر حالياً مجرد ألعوبة لأثرياء العالم.
ففي الساعات المبكرة من صباح ذلك اليوم، انطلقت طائرة فيرجن جالاكتيك في إس إس يونيتي الفضائية من مرفأ أميركا الفضائي في صحراء نيو مكسيكو تحت طائرة حاملة باسم في إم إس إيف، تيمناً بوالدة برانسون الراحلة. قامت تلك الطائرة الحاملة برفع الطائرة الفضائية وطاقمها المؤلف من 6 أشخاص، بما فيهم برانسون، إلى ارتفاع يزيد عن 14 كيلومتراً، قبل أن تسقطها للسماح بمحركها الصاروخي الأحادي بالانطلاق وحمل الطاقم نحو الفضاء.
وبعد دقيقة ونيف، وبسرعة ماك 3، وصلت الطائرة إلى ارتفاعها الأقصى البالغ 86 كيلومتراً، ما سمح لركابها بتجربة عدة دقائق من انعدام الوزن، إضافة إلى إطلالة رائعة على كوكب الأرض، قبل أن تهبط بأمان على الأرض وتكمل الرحلة خلال حوالي 90 دقيقة.
وخلال هذه البعثة، التي تمثل رابع رحلة تحليق قريب من الفضاء للشركة، قال برانسون: "إلى جميع الأطفال على الأرض، لقد كنت فيما مضى طفلاً يحلم وهو ينظر إلى النجوم. والآن، أصبحت بالغاً يركب سفينة فضائية مع الكثير من الأشخاص البالغين الرائعين، ونحن نحدق إلى أرضنا الجميلة الرائعة. وإذا كنا قادرين على تحقيق هذا، فيمكنكم أن تتخيلوا ما تستطيعون تحقيقه أنتم".
كان يُفترض ببرانسون أن يرافق أولى رحلات فيرجن جالاكتيك المدنية في وقت لاحق من هذه السنة؛ حيث سيدفع العملاء ما يصل إلى 250000 دولار لتجربة مماثلة. ولكنه قرر أن يرافق هذه الرحلة بتوقيت أقرب، في خطوة تبدو كمحاولة لتحقيق الأسبقية على زميله المليونير جيف بيزوس، الذي سينطلق أيضاً إلى الفضاء على متن صاروخ نيو شيبرد لشركته بلو أوريجين في وقت لاحق.
غير أن هذا التغيير المفاجئ في المواعيد أطلق شجاراً صبيانياً بين الشركتين، فقد لمحت بلو أوريجين بشكل ساخر على الإنترنت إلى أن رحلات فيرجن جالاكتيك كانت من الناحية الفنية أقل ارتفاعاً من حدود الفضاء الخارجي المعترف بها دولياً، والتي تسمى بخط كارمان على ارتفاع 100 كيلومتر. أما رحلات بلو أوريجين فسوف تتخطى هذا الحد. وقالت الشركة: "لن يكون أي من روادنا مشكوكاً في أمره من ناحية الوصول فعلياً إلى الفضاء".
ولكن، وعلى الرغم من الانطباعات السيئة حول سباق فضاء المليارديرات، فإن هذه الرحلة ما زالت إنجازاً مفصلياً هاماً. فمن المتوقع أن تبدأ خدمات فيرجن جالاكتيك التجارية قريباً بعد نجاح رحلة برانسون، مدفوعة جزئياً بالمنافسة الشرسة للفوز بالعملاء. يقول محلل الصناعة الفضائية كيلب ويليامز: "إن مشاركة المليارديرات في هذا السباق تمثل تشويشاً غير مرغوب على الإطلاق. والأمر الأكثر أهمية هو أننا نعمل على فتح مجال الوصول إلى الفضاء أمام أكبر عدد ممكن من الناس. إنها لحظة هامة للغاية".
سجلت فيرجن جالاكتيك 650 شخصاً للمشاركة في رحلاتها، بما فيهم المغني جستن بيبر والممثل ليوناردو ديكابريو، ولكن على الرغم من أن هذه الرحلات متاحة فقط للأغنياء والمشاهير حالياً، فهناك أمل كبير في أن تصبح يوماً ما أقل تكلفة بشكل أقرب إلى قدرات العامة.
ولكن نتائج هذه الرحلة لا تقتصر على المباهاة والتفاخر؛ حيث تسمح الرحلات تحت المدارية بإنجاز أعمال علمية هامة أيضاً. تقول لورا فورتشيك من شركة الاستشارات الفضائية أستراليتيكال: "من الهام للغاية أن يتمكن الباحثون من التحليق مع تجاربهم العلمية". وقد حملت هذه الرحلة الأولى تجربة من جامعة فلوريدا لدراسة استجابة النباتات للجاذبية شبه المعدومة. وستدرس البعثات اللاحقة سلوك الغبار على الكويكبات، كما ستتضمن تدريبات عملية على إجراء الجراحة في الفضاء.
ومن الهام للغاية أنه يمكن قيادة هذه التجارب من قبل الباحثين أنفسهم، مثل ألان ستيرن من معهد ساوث ويست للأبحاث في تكساس وقائد بعثة نيو هورايزنز في ناسا إلى بلوتو، وذلك بدلاً من الاعتماد على الأنظمة العاملة بالتحكم عن بعد أو الرواد على متن محطة الفضاء الدولية. وعلى سبيل المثال، سيقوم ستيرن باختبار نظام تصوير فلكي كان يُستخدم سابقاً في المكوك الفضائي، وذلك لإجراء عمليات رصد مفيدة للنظام الشمسي.
يقول ستيرن: "ظهرت نظريات كثيرة على مدى 150 سنة حول وجود مجموعة من الكويكبات داخل مدار عطارد. وأفضل وسيلة للنظر إليها هي من الفضاء في ساعة الغسق. على المحطة الدولية، يدوم الغسق حوالي 30 ثانية فقط؛ لأن المحطة تتحرك بسرعة حوالي 29,000 كيلومتر في الساعة، ولكن على سبيس شيب تو أو نيو شيبرد، فإن ظاهرة الغسق تستمر عدة دقائق".
بطبيعة الحال، هناك الكثير من الانتقادات المحقة التي يمكن توجيهها إلى مليارديرين يتسابقان للوصول إلى الفضاء في خضم جائحة وبائية، ومن المرجح أن هذه الرحلة ستبقى خارج نطاق إمكانات الكثيرين منا لفترة ليست بالقصيرة. غير أن منافسة برونسون/ بيزوس الصبيانية قد تمهد الطريق أمام المزيد من الناس للذهاب إلى الفضاء بشكل أسرع من ذي قبل، بما فيهم العلماء.
تقول فورتشيك: "هذه الرحلات ليست فقط للمليارديرات والأثرياء. فقد تمثل فعلاً فجر سياحة فضائية تجارية فعلية".
ويضيف ويليامز: "إنها بمنزلة إثبات على أن الاستثمار التجاري للفضاء أصبح جاهزاً ليصبح حقيقة واقعة".