تُحدث تقنيات الجينوم ثورة في فهمنا للأمراض وقدرات الطب؛ حيث يسمح التسلسل الجينومي باكتشاف الطفرات أو الجينات المحددة المسببة للأمراض، بينما يوفر رسم الخرائط الجينومية نظرة ثاقبة لوظائف مناطق معينة من الجينات المشاركة في المرض. لقد غمرت هذه التقنيات كل جانب من جوانب البحوث الطبية الحيوية؛ حيث تلجأ المختبرات في الأوساط الأكاديمية والصناعة والعيادة إلى استخدام التقنيات الجينية في العمل المخبري الروتيني والتشخيص الطبي. وعلى مدى العقود العديدة المقبلة، سوف يعمل علم الجينوم على تشكيل الوجه الطبيعي للطب حتى أنه قد يكون غير معروف للباحثين الحاليين.
اقرأ أيضاً:
وفي حين بشَّر علم الجينوم بالعديد من التطورات الطبية والعلمية، فإن الجينوم البشري أكثر تعقيداً مما كنا نعتقد سابقاً؛ فعلى الرغم من أن مشروع الجينوم البشري قد أنتج أول تسلسل للجينوم البشري، لكننا ما زلنا نتعلم وظيفة كل جين وكيف ترتبط الجينات ببعضها البعض. أدى التقدم في علم الجينوم -مثل رسم الخرائط الجينومية واكتشاف الحمض النووي الريبي وتسلسل الخلية الواحدة- إلى ظهور علم الصيدلة الجيني الذي يجمع بين علم الأدوية والجينوميات لدراسة دور جينوم الشخص في استجابته للأدوية.
علم الجينوم يحسن فهمنا للأمراض
تَعِد التطورات المستقبلية في علم الصيدلة الجيني بإحداث ثورة في النتائج للمرضى وتحسين فهمنا للمرض. أدت تقنيات التسلسل المحسّنة، وخاصة التسلسل طويل القراءة، إلى تحسين فهمنا للطفرات التي تسبب الأمراض وتوفير أهداف للعلاج وتحسين تصميم الأدوية.
يعد التسلسل طويل القراءة تقنية تسلسل أكثر إفادة بكثير من التسلسل التقليدي للقراءة القصيرة؛ حيث يمكن أن يغطي التسلسل طويل القراءة ما يصل إلى 10,000 زوج أساسي من الحمض النووي، في حين أن تسلسل القراءة القصيرة يمكن أن يغطي 300 زوج أساسي فقط من الحمض النووي. يؤدي تسلسل أجزاء أطول من الحمض النووي إلى تقليل أخطاء التعيين، والتقاط المناطق التي لا يمكن لتسلسل القراءة القصيرة قراءتها بدقة مثل المناطق المتكررة وتحسين اكتشاف التباين في أجزاء كبيرة من الحمض النووي.
وبالإضافة إلى تحسين فهمنا لعلم وراثة المرض، تم استخدام التسلسل طويل القراءة لفهم بيولوجيا مسببات الأمراض؛ فقد استخدمت شركات مثل باسيفيك بيوسينسيس (Pacific Biosciences) ونانوبور (Nanopore) تقنية التسلسل طويل القراءة أثناء أوبئة إيبولا وزيكا وسارس-كوف-2. في حالة الجائحة الحالية، سلط التسلسل طويل القراءة الضوء على تطور فيروس سارس-كوف -2 وشدة المرض ونتائجه، بالإضافة إلى توفير المعلومات الحاسمة لتطوير الاختبارات التشخيصية واللقاحات.
ومع تحسن تقنيات التسلسل طويل القراءة، سيصبح تشخيص المريض وتطوير الأدوية أكثر كفاءة وأقل تكلفة. علاوة على ذلك، إذا واجهنا جائحة عالمية اخرى، فإن التسلسل طويل القراءة سيلعب دوراً بالغ الأهمية في السباق لتطوير لقاح واختبارات التشخيص.
دور علم الجينوم في الرعاية الصحية والفعالية العلاجية
لن يُحسِّن علم الجينوم من فهمنا لجينات الأمراض ومسببات الأمراض فحسب، بل سيحسن أيضاً رعاية المرضى والفعالية العلاجية. وقد بدأ الباحثون بالفعل في تقسيم التجارب السريرية إلى طبقات بناءً على بيانات رسم الخرائط الجينومية التي تتنبأ باستجابة المريض لدواء معين.
اقرأ أيضاً:
ستضمن التجارب السريرية المستهدفة أننا نختبر الأدوية فقط على المرضى الذين من المرجح أن يستفيدوا من الدواء، مما يقلل من مخاطر إضاعة الوقت للمرضى ممن هم في حالة حرجة على أمل الاستفادة من الأدوية التجريبية. وتهدف شركات مثل جينيوتي سينس (Genuity Science) إلى استخدام البيانات الجينومية لتحسين نتائج التجارب السريرية من خلال الجمع بين التقنيات الجينية وتحليل البيانات عالي المستوى. تحلل شركة جينيوتي سينس البيانات الجينومية من آلاف المرضى لتحديد المتغيرات الجينية واكتشاف الجينات التي تسبب المرض. بالإضافة إلى تحديد الأهداف، تقوم جينيوتي سينس بترتيب تسلسل عينات التجارب السريرية لتحديد المؤشرات الحيوية ذات الصلة لمساعدة الباحثين على اختيار مجموعة المرضى المثلى لتجاربهم السريرية.
كما تتعاون جينيوتي سينس مع الباحثين الذين يعملون على تحسين خيارات العلاج للأمراض التي يصعب علاجها، مثل قصور القلب والتصلب المتعدد، وقد حددت العشرات من الأدوية المستهدفة لمجموعة واسعة من الأمراض. سوف تحدث مثل هذه الأساليب الجديدة في علم الصيدلة الجيني ثورة في تطوير الأدوية وتعطي الأمل لملايين الأشخاص الذين يعيشون بأمراض يصعب علاجها.
علم الجينوم يقدم معلومات عن أسلافنا
سمح ظهور علم الجينوم أيضاً للأشخاص العاديين بامتلاك بيانات الجينوم الخاصة بهم؛ حيث توفر شركات اختبار الحمض النووي مثل أنسيستري دي إن إيه (AncestryDNA) و23 آند مي (23andMe) وماي هيريتاج (MyHeritage) وغيرها الكثير للشخص العادي نظرة ثاقبة على حمضه النووي وأسلافه. وساعدت شركات اختبار الحمض النووي الناس في التعرف على أسلافهم وعائلاتهم وما إذا كانوا حاملين لمرض وراثي أم لا، وحتى بيانات علم الصيدلة الجيني.
هناك أيضاً شركات جديدة أكثر تخصصاً في اختبار الحمض النووي، مثل ميرياد جينيتكس (Myriad Genetics)، التي تزود المرضى بخدمات تسلسل أكثر استهدافاً تهدف إلى الكشف عن قابلية الإصابة بالأمراض، حتى يتمكن المرضى من التحكم في رعايتهم الطبية. ويمكن استخدام البيانات من شركات اختبار الحمض النووي في المستقبل لتحديد المتغيرات الجينية الجديدة، وفي دراسات علم الصيدلة الجيني لاكتشاف الأنماط الجينية الكامنة وراء استجابات المريض للأدوية.
يُحدث علم الصيدلة الجينومي ثورة في مجالات البحث الطبي والبيولوجي. فأصبحت التقنيات التي كانت باهظة الثمن وتستغرق وقتاً طويلاً أمراً شائعاً، وحتى روتينياً. وستواصل التحسينات التكنولوجية المستمرة والوصول إلى التكنولوجيا الجينية في تحسين نتائج المرضى والفعالية العلاجية.
اقرأ أيضاً: