قد يكون الزهرة جحيماً ملتهباً، ولكنه بالتأكيد ليس كوكباً ميتاً. وتشير أبحاث جديدة إلى أن هذا الكوكب قد يكون نشطاً جيولوجياً حتى الآن، تحت سطح تصل حرارته إلى 471 درجة مئوية ويصل الضغط عليه إلى 100 ضعف الضغط على سطح الأرض. وهي أخبار مشجعة بالنسبة لمن يعتقدون أن الحياة كانت موجودة من قبل على هذا الكوكب، أو أنها حتى ما زالت موجودة حتى الآن.
يتألف الغلاف الصخري للأرض (أي القشرة والوشاح الأعلى) من "صفائح" تتحرك هنا وهناك وترتطم ببعضها، ما يؤدي إلى ظهور الجبال، والخنادق العميقة في المحيطات، إضافة إلى النشاط البركاني والزلزالي. أيضاً، يلعب هذا النشاط التكتوني دوراً هاماً في دورة الكربون، وهي العملية التي يتم فيها إطلاق الكربون وامتصاصه ثانية في النظام البيئي. وبتنظيم كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ساعدت هذه العملية على الحفاظ على كوكبنا بارداً ومعتدلاً طوال هذا الوقت.
وحتى الآن، لم يرصد العلماء شيئاً مماثلاً على الزهرة. غير أننا لم نتمكن أيضاً من استبعاد هذا الاحتمال بشكل مؤكد؛ لأن إجراء عمليات الرصد العلمي لهذا الكوكب أمر صعب للغاية، حيث إن الغيوم الكثيفة تحجب سطحه عنا، كما أن أي مركبة فضائية تهبط على سطحه ستذوب على الأرجح خلال عدة ساعات وحسب. ووفق النتائج الجديدة المنشورة مؤخراً في مجلة PNAS، يعتقد العلماء أنهم تمكنوا أخيراً من اكتشاف دليل على نوع جديد من النشاط التكتوني على الزهرة.
وقد اعتمد الفريق على عمليات الرصد لمسبار ماجلان، الذي دار حول الزهرة من 1990 إلى 1994، وقام بمسح السطح باستخدام الرادار. وقد حُللت التضاريس التي التقطها من قبل، ولكن الدراسة الجديدة تعتمد على نموذج حاسوبي جديد يستطيع التعرف على تشوهات السطح التي تشير إلى كتل ضخمة في الغلاف الصخري. وهذه الكتل، التي يصل بعضها إلى حجم ألاسكا، كانت تتلاطم فيما بينها على ما يبدو وكأنها كتل جليدية تطوف على سطح بحيرة.
وهو شكل يختلف تماماً عن الصفائح التكتونية على الأرض. ولكن، إذا ثبت هذا الاكتشاف، فسوف يكون -على الرغم من هذا- دليلاً على وجود التيارات الحرارية والمواد الذائبة في قلب الزهرة، وهو أمر لم يسبق رصده. ويعتقد المؤلفون أن التشابهات مع جيولوجيا الأرض خلال الدهر السحيق (من 2.5 إلى 4 مليار سنة مضت) تشير إلى أن أنماط "الكتل الجليدية" قد تمثل انتقالاً من مرحلة سابقة من الصفائح التكتونية عندما كان الكوكب أقرب إلى الأرض.
يقول شون سولومون، وهو عالم باحث في جامعة كولومبيا وأحد مؤلفي الدراسة الجديدة، إن هذه الحركة "واسعة الانتشار عبر السهول المنخفضة في الزهرة، وتمثل مؤشراً على شكل غير معروف من النشاط التكتوني الشامل للكوكب".
لقد أدت هذه النتائج إلى إلهاب الحماس إزاء بعثات الزهرة الجديدة، التي وافقت ناسا وإيسا عليها مؤخراً. ويقول سولومون إنه يأمل مع فريقه بأن البعثات الثلاث ستؤمن "بيانات هامة لاختبار الأفكار التي وصفناها في بحثنا". لن تكون هذه البعثات جاهزة للانطلاق قبل نهاية هذا العقد بقليل، ولهذا، نأمل بأن هذا الحماس لن يخبو في السنوات القليلة المقبلة.