كان "تحوُّل قطاع التعليم من خلال التقنية والحكومات الإلكترونية" أحد أبرز المواضيع التي تم تناولها في مؤتمر إيمتيك مينا لعام 2018 الذي نظمته مؤسسة هيكل ميديا بالشراكة مع مؤسسة دبي للمستقبل، في دبي بتاريخ 23-24 سبتمبر.
وفي هذا السياق أشار الدكتور صالح الهاشمي (المدير العام لشركة "كريبتو لابس Krypto Labs") في الجلسة النقاشية المعنونة بـ "الحكومات والتحول"، إلى أن قطاع التعليم مشتت على المستوى العالمي.
وأوضح ذلك بقوله: "إن ألقيتَ نظرة على المناطق المختلفة، فستجد أنها تواجه العديد من التحديات التي تعود إلى جملة من الأسباب المتفاوتة حسب البلد الذي يضم تلك المناطق، حيث إن عدد المدراس التي تديرها تلك البلدان هائل بالفعل، والقطاع الخاص محدود بحوالي 40 أو 60 مدرسة فقط، وإن افتتحت المزيد من المدارس فلن تستطيع إدارتها بشكل فعَّال دون وجود بيانات كافية".
وهذا هو أحد الأسباب التي أدَّت إلى إطلاق شركة "كريبتو لابس" التي وفَّرت المستوى التعليمي الابتدائي لثمانية تلاميذ، ثم توسَّعت ووفرته لمئة تلميذ، ثم ألف، حتى نجحت أخيراً في توفيره لأربعة آلاف تلميذ عبر كافة أنحاء الإمارات العربية المتحدة. وبهذا الصدد يقول الدكتور الهاشمي: "إننا نعتز جداً بهذه النتائج المحققة، فبعد أن استخدمنا تقنية البيانات الضخمة في قطاع التعليم، سجلنا ارتفاعاً في النقاط التي حصل عليها التلاميذ في مادتَي الرياضيات والعلوم بنسبة 52% و55% على التوالي، وسجلنا زيادة قدرها 16% في مادة اللغة الإنجليزية".
وقد قامت الشركة -لتحقيق أهدافها- بتطوير منصات داخل المؤسسات التعليمية، بالتعاون مع الخبراء الذي قاموا قبل ذلك بأبحاث معمَّقة ومطولة دون أن يحظوا بفرصة لتطبيقها على أرض الواقع من قبل، ويضيف الدكتور الهاشمي: "يمكن نشر هذه المنهجية لتفيد الكثير من الناس في مختلف بلدان العالم، فالعالم يعاني فعلاً من ناحية التعليم؛ وذلك لأن 20% من سكانه لا يحصلون على أي نوع من التعليم، ونحن في دول الخليج العربي -كما هو الحال في العالم الغربي- نمتلك بنية تحتية جيدة جداً في هذا القطاع. ومع ذلك فنحن نؤمن بأن من واجبنا تطوير بيئة تعليمية متكاملة يمكن تطبيقها في جميع أنحاء العالم، ونعتقد أن هذه هي الطريقة الوحيدة لحلِّ مشكلة التعليم".
والبيئة التعليمية المتكاملة التي يقصدها الدكتور الهاشمي تقوم على ركيزتين أساسيتين؛ أولاهما شركة "كريبتو لابس" التي تعتبر مختبراً شاملاً يجرِّب فيه الباحثون مجموعة من المناهج التعليمية من مختلف أنحاء العالم، بهدف التحقق من نجاحها وفعاليتها. أما الركيزة الثانية فهي شركة "500 ستارت أب 500 Startups" التي تعد أحد أنشط مؤسسات رأس المال المغامر في العالم، ولديها مكتب في الإمارات العربية المتحدة، كما تتوزع فروعها على امتداد 66 دولة أخرى. كما يقول الدكتور الهاشمي عن سير العمل: "نختار أولاً قطاعات محددة، ثم ننشئ من خلالها منتجات نطلقها أولاً في الإمارات العربية المتحدة. وبالتعاون مع "500 ستارت أب" نستفيد من البنية التحتية الضرورية التي أدخلتها هذه الشركة للمنطقة، والتي نعتبرها إضافة قيِّمة للمستثمرين والمبتكرين على حد سواء. هذه هي منهجيتنا في ردِّ الجميل للوطن الذي علَّمنا، وفي ذات الوقت فإننا نخلق بيئة تعليمية متكاملة وناجحة. وبهذا الصدد فإنه لا يخفى عليكم تمتُّع الإمارات العربية المتحدة ببِنى تحتية ممتازة في قطاع التعليم تجذب الكثير من الناس شرقاً وغرباً".
كما يشير الدكتور الهاشمي إلى أن للحكومات دوراً شديد الأهمية في قطاع التعليم، سواء من خلال تشريع القوانين المناسبة، أو من ناحية التمويل والدعم، أو من جانب رعاية المواهب وتدريب الأفراد على حلِّ المشاكل بطريقة أفضل، حيث يضيف: "إننا في الإمارات العربية المتحدة نستفيد كثيراً من التنوع الذي تحتوي عليه بلادنا، فهذه البلد العزيزة تضم جميع أنواع المناهج الدراسية ومدارس المجتمعات المتنوعة، مما يشكل أرضية جِد خصبة لجني ثمار النجاح، وبالتالي فإن العالم لدينا هنا بجميع أطيافه وتنوعه، ولا حاجة إلى الذهاب خارجاً لجلبه".
أما فيما يتعلق بالحكومات الإلكترونية، فإن تجربة إستونيا أثبتت نجاحها وأصبحت قدوة لباقي الحكومات في هذا الميدان، حيث تسعى إستونيا حالياً إلى أن تصبح مجتمعاً رقمياً لا حدود له، وذلك بعدما أطلقت إمكانية افتتاح الشركات الناشئة على أراضيها دون الحاجة للسفر إليها، بحيث يمكن لأصحابها إدارة هذه الشركات رقمياً بشكل كامل، وفي هذا السياق يقول سيم سيكوت (أحد مؤسسي برنامج الإقامة الإلكترونية في حكومة إستونيا الذي يعدُّ ابتكاراً ثورياً في العالم، ومدير تقنية المعلومات في الحكومة الإستونية): "لقد خططنا لهذا منذ 25 سنة مضت، ونظراً لصغر الرقعة الجغرافية لبلادنا، كان علينا دوماً أن نكون فعَّالين جداً في كيفية إنجازنا للأمور، وهذا هو السبب الذي دعانا إلى تقليص ميزانيتنا بشكل حادٍّ، لا سيما في أثناء الأزمة المالية العالمية، حيث لم نعد نموِّل إلا الأفكار التي أثبتت نجاحها وفعاليتها حقاً. وهكذا بدأت الحكومة الإستونية تجرِّب مختلف الأفكار والابتكارات، وقد تمخضت عنها الإستراتيجية التي نتبعها اليوم، حيث صار كل شيء لدينا رقمياً عدا الزواج والطلاق وبيع المنازل، مع الإشارة إلى أننا نعمل على رقمنة هذه العقود قريباً".
ويضيف السيد سيكوت: "يمكن في الوقت الراهن لجميع المعاملات الحكومية تقريباً أن يتم إنجازها رقمياً وبشكل إلكتروني، وفي عصرنا هذا لاحظنا أن رقمنة الإجراءات ساهمت بشكل كبير في تخفيف العبء على المستثمرين ورجال الأعمال، وتعزيز البيئة التجارية لبلادنا، ورفع مستوى جاذبيتها كوجهة مناسبة جداً لإطلاق الأعمال والمشاريع. وهكذا أصبح متاحاً الآن لأي شخص في العالم أن يطلق شركته بشكل رقميٍّ في إستونيا، ليستفيد من السوق الأوروبية بأكملها، وهذا ما عاد علينا أيضاً بأنْ جعل اقتصادنا منفتحاً على العالم برمته. ومن جانب آخر قامت الحكومة الإستونية أيضاً برقمنة التصويت في الانتخاب وتوقيع الوثائق، ونحن نعمل حالياً على رقمنة قطاع الرعاية الصحية من خلال إنشاء سجلات صحية وطنية بشكل إلكتروني كلياً".
وأضاف السيد سيكوت "لقد أثبتت الرقمنة أنها تجعل إنجاز الأمور والمهام أكثر سهولة ويسراً، وما أسلفنا قوله آنفاً ليس مجرد كلام إنشائي؛ لأننا لمسنا بالفعل -وبشكل واقعي وعملي- الفوائد التي جنتها مختلف وزاراتنا وقطاعاتنا من عمليات الرقمنة، ولهذا فنحن ما زلنا نستخدمها ونمضي فيها قدماً، فقد استفدنا منها بما لا يحصى من المنافع والمزايا".
أما بشأن التهديدات السيبرانية، التي قد تخطر ببال المرء عندما يقرأ ما سبق، فإن الحكومة الإستونية لا تخشى الهجمات السيبرانية التي قد تبرز جرَّاء التحول الرقمي، ما دامت تستطيع أن تدير هذا التحول بشكل سليم وآمن. وبهذا الصدد يقول السيد سيكوت: " أنشأنا وصممنا المنصات الرقمية منذ البداية، وجعلنا القضايا الأمنية الرقمية في بؤرة اهتمامنا، وقد تعرضنا بالفعل -منذ عشرة سنوات خلت- إلى هجوم سيبراني هو الأول من نوعه في العالم الذي تتعرض له إحدى الحكومات، لكننا لم نفشل في التصدي له أبداً، بل لم نكتفِ بصدِّه، فقد حولناه إلى درس تعلمناه جيداً لتصبح دفاعاتنا أقوى وأمتن. إننا لا نخشى الهجمات السيبرانية، لكننا في ذات الوقت نبذل ما في وسعنا لتحسين دفاعاتنا الرقمية باستمرار".
وهكذا ندرك أن الدرس الأساسي الذي تعلمته إستونيا في رحلتها الملهمة للمضي قدماً لا يتعلق بالتقنية فحسب، بل يتمحور حول "التحوُّل" بحد ذاته. واختتم السيد سيكوت بقوله: "جميع هذه الأدوات والخدمات الرقمية ما هي إلا أدوات لإنجاز الإجراءات والمهام بشكل أفضل وتسهيل أعمال الحكومة، لكن الركيزة الأساسية للنجاح لا تتمثل في تلك الأدوات الرقمية، بل في الجدِّية والتفاني الذي أدارت بهما الحكومة الإستونية هذا التحول والكوادر القيادية التي تقف ورائها، ورغم أن من حسن حظنا أن نمتلك قيادات تعمل بجدية على تنفيذ الإصلاحات، إلا أن التحول مهمة يومية تنطوي على تغيير ثقافة المجتمع والمؤسسات، وإشراك الناس والمواطنين في هذه التغيرات، لتشمل منافعُ التحول الجميعَ، ومن هذا المنطلق نعد (التجريب) بحد ذاته إستراتجيةً فعَّالة".