خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضي، كان هناك الكثير من النقاش حول الحدِّ من الأسلحة النووية، إلا أنها لم تتضمن محادثات كافية بشأن نوع آخر من التهديدات المثيرة للقلق، وهو الأسلحة السيبرانية (الأسلحة الإلكترونية التي تُستخدم في فضاء الإنترنت).
في العام 2013 نادت مجموعة من الخبراء الحكوميين في الأمم المتحدة بضرورة تطبيق القانون الدولي على الفضاء السيبراني أيضاً، وفي العام 2015 وافقت المجموعة نفسها على الالتزام طواعية بعدة قواعد ناظمة تحكم سلوك الدول على الإنترنت في وقت السلم، وقد اشتملت الأحكام على عدم استهداف أي دولة للبِنى التحتية الحيوية الخاصة بدولة أخرى، وأن أي دولة ينبغي اعتبارها مسؤولة عن أية هجمات سيبرانية تنطلق من داخل أراضيها.
لكن مبادرة الأمم المتحدة لم يكن لها تأثير كبير؛ فالكشف عن القرصنة الروسية لشركات الطاقة الأميركية والنظام الانتخابي الأميركي -بالإضافة إلى الجهود الصينية الرامية إلى سرقة حقوق الملكية الفكرية- ليست سوى بعض العلامات على أنه لم يتم تحقيق الأثر المنشود لهذه القواعد الناظمة.
إجراءات متضافرة
تستعد الولايات المتحدة الآن وبعض الدول الأخرى -مثل المملكة المتحدة- لاتباع نهج أكثر قوة لمواجهة الاستفزازات الرقمية؛ حيث كشفت الولايات المتحدة الستار مؤخراً عن إستراتيجية وطنية جديدة للفضاء الإلكتروني، تسهِّل على جيشها شن الهجمات دون المرور بعمليات الموافقة الطويلة، كما تخطط المملكة المتحدة لإنشاء فريق يضم 2,000 خبير من خبراء التكنولوجيا لتعزيز قدرتها على شن هجمات سيبرانية.
كما أن الإستراتيجية الأميركية الجديدة تتوخى "مبادرة دولية للردع الإلكتروني" تقوم بموجبها أميركا -والبلدان ذات التوجه المماثل- بتنسيق ردود أفعالها للهجمات السيبرانية الخبيثة على وجه الخصوص، ويمكن لردود الأفعال هذه أن تتراوح من العقوبات الاقتصادية إلى العمليات الانتقامية في الفضاء السيبراني.
ويعتقد أنصار هذا النهج أنه سيجلب الدول المتمردة غالباً إلى طاولة المفاوضات، حيث يقول جيمس لويس (من مركز أبحاث يسمى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية): "ما يحرِّك فكرة الحدِّ من الأسلحة هو وجود شعور مشترك بإمكانية التعرض للخطر".
ولكن ثمة خطرٌ أيضاً من أن يؤدي ذلك إلى تصاعد الأعمال العدائية السيبرانية، على الأقل في المدى القصير، كما أنه قد يؤدي إلى وقوع هجمات عدائية أكثر عنفاً على الخدمات العامة الأساسية مثل شبكات الكهرباء؛ لذا فمن الضروري أن تبذل الولايات المتحدة والدول الأخرى جهوداً أكبر من أي وقت مضى من أجل التوصل إلى اتفاق دولي بشأن مراقبة الأسلحة السيبرانية للحد من خطر نشوب النزاعات.
الدبلوماسية الرقمية
كان براد سميث (رئيس مايكروسوفت ورئيس مكتب الشؤون القانونية فيها) يسعى لكسب التأييد من أجل "اتفاقية جنيف الرقمية"، وهذا من شأنه أن يجمع بين شركات التكنولوجيا والحكومات من أجل التوصل إلى اتفاق واسع النطاق يحمي المدنيين باستخدام الإنترنت في وقت السلم، بالطريقة ذاتها التي تحمي بها اتفاقيات جنيف المتعاقبة هؤلاء المدنيين أثناء الحروب.
وقد ساعدت دعوة سميث بالفعل على إنشاء تحالف بين شركات تكنولوجية ذات تفكير متماثل، بعد أن تعهَّدت بأداء ما في وسعها لحماية عملائها من الهجمات السيبرانية التي يشنها المجرمون والدول القومية. كما أطلقت مايكروسوفت مؤخراً حملة جديدة للعلاقات العامة لجعل الناس يحثون القادة السياسيين إلى بذل المزيد من الجهود لتأمين الفضاء السيبراني.
لكن التوصل إلى معاهدة واسعة حول المعايير السيبرانية الناظمة سيكون تحدياً كبيراً، فمن المنطقي أن تهدف -على المدى القصير- إلى إبرام اتفاق رسمي محدود نسبياً يجعل الدول تجدد التزامها بالامتناع عن استهداف الخدمات العامة الحيوية.
وإن شن الهجمات على أشياء مثل محطات الطاقة والمستشفيات وأنظمة النقل قد يتسبب في حدوث عواقب مدمرة، بما في ذلك فقدان الأرواح البشرية. وتتزايد الأخطار مع تزايد عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت (ويمكنك الاستزادة عن ذلك من مقالة: الأشياء المتصلة بالإنترنت قد تؤدي إلى قتلنا يوماً ما).
ولن يكون التوصل إلى اتفاق دبلوماسي محدود أمراً سهلاً، كما أن فرضه سيواجه تحديات عديدة؛ لأن المهاجمين غالباً ما يحاولون إخفاء آثارهم، ومع ذلك فإن المخاطر تبدو مهولة لدرجة أن الأمر يستحق ما يُبذل فيه من جهد.
وفي إحاطة صحفية عُقدت مؤخراً حول الإستراتيجية السيبرانية الجديدة للولايات المتحدة، حذَّر جيسون هيلي (خبير الأمن السيبراني) من المخاطر المحدِّقة إذا ما قامت معارك الأسلحة السيبرانية باجتياح البِنى التحتية الأساسية، حيث يقول هيلي: "كلٌّ منا يقف على أرض مليئة بالعشب اليابس، وهذا العشب سيشتعل بمجرد أن يرمي أحدهم عود ثقاب".