بالنسبة لأولئك الذين يمتلكون ذاكرة طويلة، فقد بدأت الضجَّة التي تحيط بالذكاء الاصطناعي تُعيد للأذهان طفرة الإنترنت أكثر من أي وقت مضى؛ حيث يتم استثمار المليارات من الدولارات في شركات ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، ومشاريع للذكاء الاصطناعي في شركات عملاقة، ويقول زاكاري ليبتون -الأستاذ المساعد في جامعة كارنيجي ميلون- إن المشكلة تكمن في أن الفرص التي يمثلها الذكاء الاصطناعي يطغى عليها ما يفعله الانتهازيون من ادِّعاءات مبالغ فيها حول إمكانيات هذه التكنولوجيا.
وخلال لقاء حواري أُجري في 13 سبتمبر في مؤتمر إيمتيك -الذي أقامته منصة إم آي تي تكنولوجي ريفيو- حذَّر ليبتون من أن الضجة الحادثة تتسبب في عدم رؤية الناس لأوجه القصور التي تعتري هذه التكنولوجيا، حيث يقول ليبتون: "يزداد الأمر صعوبة يوماً بعد يوم عندما نحاول التمييز بين التقدم الحقيقي، والعمل الاحتيالي".
وقد أثبتت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المعروفة باسم "التعلم العميق" أنها تمتلك قدرات عالية في أداء مهمات مثل التعرف على الصور والترجمة الصوتية، وهي تلعب الآن دوراً مساعداً في تشغيل كل شيء، بدءاً من السيارات ذاتية القيادة، وانتهاءً بتطبيقات الترجمة على الهواتف الذكية.
ولكن لا تزال هذه التكنولوجيا تعتريها أوجه قصور بارزة، فالعديد من نماذج التعلم العميق لا تعمل بشكل جيد إلا إذا تم تزويدها بكميات هائلة من البيانات، وهي كثيراً ما تكافح للتكيُّف مع ظروف العالم الحقيقي التي تتغير بسرعة.
كما سلَّط ليبتون الضوء -خلال عرضه التقديمي- على ميل مؤيدي الذكاء الاصطناعي إلى نَسْب محاكاة القدرات البشرية إلى هذه التكنولوجيا، وتكمن الخطورة في أن فقاعة الذكاء الاصطناعي هذه سوف تؤدي إلى إفراط الناس بشدة في ثقتهم في الخوارزميات التي تدير أشياء مثل السيارات ذاتية التحكم، وعمليات التشخيص السريرية.
ويحذِّر ليبتون من أن "صُنَّاع السياسات لا يطَّلعون على المؤلَّفات والكتابات العلمية، ولكنهم في الحقيقة يقرؤون ما ينتشر من العناوين المخادعة الجذابة"، كما يرى ليبتون أن قطاع الإعلام متواطئ في هذه الناحية؛ لأنه لا يقوم بعمل جيد بما يكفي للتمييز بين التقدم الحقيقي في هذا المجال والهراء الخاص بالعلاقات العامة.
وليبتون ليس الأكاديمي الوحيد الذي يدقُّ ناقوس الخطر؛ ففي تدوينة نُشرت مؤخراً حملت عنوان "الذكاء الاصطناعي - لم تبدأ الثورة بعد"، يقول مايكل جوردان -الأستاذ في جامعة كاليفورنيا في بيركلي- إن الذكاء الاصطناعي كثيراً ما يتردَّد عنه أنه "ورقة فكرية رابحة"، وهذا ما يصعِّب من التفكير بشكل نقدي حول الآثار المحتملة لهذه التكنولوجيا.
ومع ذلك يعترف ليبتون أنه يواجه صعوبة بالغة وهو يحاول تفجير هذه الفقاعة، حيث يقول: "أشعر وكأنني مجرد حصاةٍ في نهر جارٍ".