إن كنت تعتقد أن آخر كأس عالم هو ذلك الذي شهدت مباراته النهائية فوزاً درامياً للفريق الفرنسي على نظيره الكرواتي، فلا بد أنك لم تتابع المنافسة الصحيحة؛ ففي نفس الفترة تقريباً -وفي الجهة الأخرى من العالم، في مونتريال- أقيمت مسابقة أخرى أيضاً؛ وهي كأس العالم في كرة القدم للروبوتات التي بحجم البشر، وقد فاز بها روبوت باسم نيمبرو للسنة الثانية على التوالي، ولن تتفاجأ إذا علمت أن نيمبرو ألماني التصميم والصناعة، وبالتالي فهو يمثل دولة عريقة في كرة القدم.
واليوم يوضِّح المشرفون عليه التحديات التي واجهتهم أثناء تصميم بطلهم الإلكتروني؛ فقد استخدم التصميم لكأس العالم 2017 في ناجويا، وهو الأول للآلات ذات الحجم البشري الكامل، ويشير العمل إلى أن هناك إمكانية كبيرة لتحسينه في السنوات المقبلة، على الرغم من التطور الذي حقَّقه الأخصائيون في تصميم هذا الروبوت.
لنبدأ ببعض المعلومات الأولية، فقد أُطلق روبوكوب في 1997 كوسيلة لاختيار التقنيات الناشئة المتعلقة بالروبوتات على أنواعها؛ مثل الرؤية الحاسوبية والتخطيط للمهمات وغيرهما، ولكن الكثير من القرَّاء يتذكرون منافسات كانت الروبوتات فيها تَعِسة ومضحكة، وعادة ما تحضر في الأذهان عند تذكر كأس العالم للروبوتات صور المشية الخرقاء للاعبين، وأخطائهم الطريفة، وخوف مشرفيهم البشر الذين يشاهدون المباراة بصعوبة بالغة من شدة التوتر.
وكانت هذه الروبوتات عموماً صغيرة الحجم، وليست حتى شبيهة بالبشر؛ ويعود هذا بشكل أساسي إلى صعوبة التحكم في الآلات الكبيرة وتأمين الطاقة لها، خصوصاً تلك التي تتحرك على ساقين، وعلى كلٍّ فإن المشي والجري والركل بساقين ليست سوى بعض من المشاكل الكثيرة التي يجب على أخصائيي الروبوتات حلُّها من أجل تحقيق مباراة مؤتمتة في كرة القدم.
وقد حقَّق العلماء الكثير من الإنجازات في الذكاء الاصطناعي والروبوتات منذ ذلك الحين، وأصبح من السهل أن نتخيل أن هذه الآلات ستتمكن -إلى حد ما- من إتقان كرة القدم، كما فعلت من قبل مع الشطرنج وجو والكثير من ألعاب الفيديو من أتاري. وقد ظهرت في السنوات المنصرمة مشغِّلات ميكانيكية أكثر قوة وفعالية، وجعلت من الممكن بناء روبوتات بحجم البشر قادرة على دخول منافسات في كرة القدم، وهنا ظهر نيمبرو؛ وهو روبوت ثنائي الساقين بُنِيَ في أقل من ستة أشهر للاشتراك في مسابقة 2017 من قِبل جرزيجورز فيكت وزملائه في جامعة بون في ألمانيا.
ويجب أن يتراوح طول الروبوتات بشرية الحجم ما بين 130 و180 سنتمتراً، ويبلغ طول نيمبرو 135 سنتمتراً، ويزن 18 كيلوغراماً، وتتضمن المنافسة نفسها مجموعة من الألعاب ضد منافس منفرد، تليها مباراة نهائية يفوز فيها اللاعب الذي يسجل أكبر عدد من الأهداف، وهناك أيضاً مجموعة من التحديات التقنية؛ مثل ركل كرة متحركة، والقفز، والنهوض بعد التعرض للدفع.
ويتمتع نيمبرو بعدد من الميزات التي تجعله بارعاً في هذه المهام بشكل مميز، وهو يتميز -على الخصوص- ببساطة تركيبه؛ مما يسهِّل من صيانة قطعه واستبدالها، يقول فيكت وزملاؤه: "قمنا بتبسيط بنية الروبوت قدر الإمكان من أجل التقليل من التعقيد فيه، ولكن مع المحافظة على القدرات الوظيفية المطلوبة للعب كرة القدم".
ويتألف الهيكل الخارجي للروبوت من عددٍ قليل من القطع البسيطة المصنوعة من النايلون بالطباعة المجسمة، يقول الفريق: "لقد استفدنا من الإمكانيات المتنوعة للطباعة المجسمة، وتمكنَّا خلال زمن قصير من تطوير روبوت شبيه بالإنسان في حجمه الكامل، وهو يتميز بقدرات عالية، وبإمكانية التعديل، وبتكلفة معقولة"، وقد صُممت معظم أجزائه بشكل متناظر بحيث يمكن أن تُستخدم في أماكن متعددة؛ مما يخفِّف من عدد قطع الغيار المطلوبة.
وقد تم تحقيق الرؤية بكاميرا واحدة من طراز لوجيتيك سي 905 ذات حقل بصري بانفراج زاوي يبلغ 150 درجة، وتُعالج البيانات ضمن الروبوت بحاسوب مصغَّر من طراز إنتل إن يو سي، وهو يشرف على كشف الأجسام، وموقع الروبوت، والتخطيط للمهام، والتحكم في المشغلات الميكانيكية.
ويتمتع الروبوت -بفضل هذا التصميم- بعدد من المهارات اللازمة للعب كرة القدم؛ حيث يجب أن يكون قادراً على تحديد موقع الكرة والاقتراب منها، وتجنُّب العوائق (مثل اللاعبين الآخرين)، وركل الكرة والمناورة بها. وقد أبلى نيمبرو بلاءً حسناً؛ فقد أحرز في خمس مباريات 46 هدفاً مقابل هدف واحد فقط ضده، وكان هذا الهدف في المباراة النهائية ضد روبوت أُطلق عليه اسم غير موفق: "سويتي Sweaty"، وتعني: المتعرق، كما أحرز نيمبرو أيضاً 21 نقطة في التحديات التقنية، مما عزَّز فوزه وأثبت تفوقه؛ يقول الفريق: "لعب روبوتنا بشكل جيد جداً في روبوكوب 2017 في ناجويا، وفاز بمسابقة الروبوتات ذات الحجم الكامل بنتيجة مرتفعة"، وبعد ذلك في يونيو، دافع الروبوت عن لقبه في مونتريال.
إنه عمل هام يثبت مدى تطور الروبوتات في أداء المهام المعقدة نسبياً، ولكن ما زال هناك مجال واسع للمزيد من التطوير مثل تعزيز التوازن الموثوق؛ إذ يمكنك عند مشاهدة أي مباراة أن تلاحظ وجود بشري يتبع كل روبوت بهدف التقاطه إذا فقدَ توازنه؛ وذلك للحد من الأضرار غير الضرورية، ومع ذلك فالقدرة على النهوض بعد الوقوع تعد مهارة هامة في أية مباراة لكرة القدم (والكثير من الأوضاع الأخرى).
بالإضافة إلى أن الروبوتات لا تتحرك بسرعة أو انسيابية عالية، ويمكننا في الواقع أن نصف أسلوب حركتها بمشية محدودبة، كما أن مهاراتها في كرة القدم تعد بدائية في أحسن الأحوال، ولا تضاهي البشر في أي مجال (يمكنك أن تشاهد بعض اللقطات من مسابقة 2017 هنا)، ولهذا يمكن أن نتوقع تطورات سريعة في هذا المجال.
ويوجد بالتأكيد روبوتات بشرية الحجم قادرةً على المحافظة على التوازن بشكل أكثر فعالية، والمشي أو الجري بشكل أكثر انسيابية، ويعرف ذلك أي شخص شاهد أحد فيديوهات شركة بوسطن ديناميكس.
كما يمكن أن تشكِّل روبوتاتٌ كهذه خصوماً أكثر قوة، وما هي إلا مسألة وقت قبل أن نراها في الملاعب.