لماذا استخدمت شرطة نيويورك أداة مثيرة للجدل للتعرف على الوجوه؟

6 دقائق
شرطة نيويورك تستخدم نظام كليرفيو إيه آي
مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز.

لقد كان أسبوعاً حافلاً بالنسبة لشركة كليرفيو أيه آي (Clearview AI)، وهي شركة التعرف على الوجوه المثيرة للجدل، التي تستخدم 3 مليارات صورة مأخوذة من شبكة الإنترنت لتشغيل محرك بحث عن الوجوه. ففي يوم 6 أبريل الجاري، نشر موقع بازفيد نيوز (Buzzfeed News) قاعدة بيانات تضم أكثر من 1,800 هيئة -بما فيها إدارات شرطة على مستوى الولايات وإدارات شرطة محلية وغيرها من الوكالات التي يمولها دافعو الضرائب، مثل أنظمة الرعاية الصحية والمدارس العامة- قال الموقع إنها استخدمت المنتجات المثيرة للجدل التي تصنعها الشركة. بيد أن العديد من هذه الوكالات ردت على الاتهامات بالقول إنها كانت تجرب هذه التقنية فحسب، ولم توقع عقداً رسمياً مع الشركة.

ولكن في اليوم السابق، نشر موقع موكروك (Muckrock) الإخباري غير الهادف للربح رسائل بريد إلكتروني متبادلة بين قسم شرطة نيويورك وشركة كليرفيو تبين بالتفصيل مفهوم هذه "التجربة". وتتبع هذه المستندات -التي تم الحصول عليها عن طريق طلبات كشف عن المعلومات قدمتها جمعية المساعدة القانونية (Legal Aid Society) والصحفية راشيل ريتشاردز- مسار علاقة ودية، استمرت لمدة عامين، بين قسم الشرطة وشركة التكنولوجيا، اختبرت خلالها شرطة نيويورك هذه التقنية مرات عديدة واستخدمتها للتعرف على الوجوه في التحقيقات.

كانت شرطة نيويورك قد قللت في السابق من أهمية علاقتها بشركة كليرفيو، واستخدامها للتكنولوجيا التي تنتجها الشركة، إلا أن رسائل البريد الإلكتروني تُظهر أن العلاقة بينهما تطورت بشكل جيد، حيث أجرى عدد كبير من ضباط الشرطة الكثير من عمليات البحث باستخدام التطبيق، واستخدموا عمليات البحث هذه في تحقيقات فعلية. وبشكل عام، أجرى قسم شرطة نيويورك أكثر من 5,100 عملية بحث باستخدام نظام كليرفيو أيه آي.

يثير هذا الأمر تحديداً إشكالية؛ لأن السياسات المعلنة تحد من قدرة شرطة نيويورك على إنشاء سجل غير خاضع للرقابة للصور التي يمكن أن تتعرف عليها أنظمة التعرف على الوجوه، كما تقصر استخدام تقنية التعرف على الوجوه على فريق معين. ولكن يبدو أن كلتا السياستين قد تم التحايل عليهما في حالة كليرفيو؛ إذ تكشف رسائل البريد الإلكتروني أن شرطة نيويورك أتاحت للعديد من الضباط غير العاملين في فريق التعرف على الوجوه إمكانية الوصول إلى النظام، الذي يعتمد على مكتبة ضخمة من الصور العامة المأخوذة من وسائل التواصل الاجتماعي. كما تُظهر الرسائل أيضاً كيف قام ضباط شرطة نيويورك بتحميل التطبيق على أجهزتهم الشخصية، في انتهاك للسياسات المعلنة، واستخدموا هذه التقنية القوية والمتحيزة بطريقة غير رسمية.

تدير شركة كليرفيو أيه آي شبكة عصبونية قوية تعالج صور الوجوه وتقارن قياساتها الدقيقة وتناظرها بقاعدة بيانات ضخمة من الصور، لاقتراح التطابقات المحتملة. وعلى الرغم من أنه ليس من الواضح مدى دقة هذه التقنية، إلا أنها تُستخدم على نطاق واسع من قبل أقسام الشرطة وغيرها من الوكالات الحكومية. وقد تعرضت كليرفيو أيه آي لانتقادات شديدة بسبب استخدامها لمعلومات التعريف الشخصية، وقرارها بانتهاك خصوصية الأشخاص عن طريق أخذ الصور من الإنترنت دون إذن منهم، وبسبب اختيارها لعملائها.

وتغطي رسائل البريد الإلكتروني فترة تمتد من أكتوبر 2018 وحتى فبراير 2020، بدأت عندما تم تقديم الرئيس التنفيذي لشركة كليرفيو، هوان تون-ذات، إلى نائب مفتش شرطة نيويورك كريس فلاناجان. وبعد عدة اجتماعات تمهيدية، أبرمت كليرفيو عقداً مع شرطة نيويورك في ديسمبر 2018، على سبيل التجربة استمر حتى مارس التالي.

وتُظهر المستندات أن العديد من الأفراد العاملين في شرطة نيويورك -بدءاً من قيادة القسم وحتى صغار الضباط- تمتعوا بإمكانية الوصول إلى نظام كليرفيو خلال تلك الفترة وما بعدها. وقد شجعتهم الشركة، خلال المراسلات المتبادلة، على زيادة استخدام خدماتها. (حثت إرشادات التهيئة الخاصة بها الضباط بكلمات مثل "انظر ما إذا كان بوسعك الوصول إلى 100 عملية بحث"). وتُظهر رسائل البريد الإلكتروني أنه تم إنشاء حسابات تجريبية لشرطة نيويورك في أواخر فبراير 2020، أي بعد مرور عام تقريباً على الفترة التي قيل إن التجربة انتهت عندها.

راجعنا رسائل البريد الإلكتروني وتحدثنا إلى كبار خبراء المراقبة والخبراء القانونيين حول محتوياتها. وإليك ما تحتاج إلى معرفته عن الأمر:

كذبت شرطة نيويورك بشأن علاقتها بشركة كليرفيو، وبشأن استخدام تقنية التعرف على الوجوه الخاصة بها

صرحت شرطة نيويورك لموقع بازفيد نيوز وصحيفة نيويورك بوست، في وقت سابق، بأنها "لم تربطها أي علاقة مؤسسية" بشركة كليرفيو أيه آي، "سواء بشكل رسمي أو غير رسمي". وعلى الرغم من أن الشرطة قد كشفت بالفعل أنها جربت تقنية كليرفيو أيه آي، إلا أن رسائل البريد الإلكتروني تبين أن هذه التقنية كانت تستخدم على مدى فترة زمنية مستمرة، ومن قبل عدد كبير من الأشخاص الذين أجروا الكثير من عمليات البحث خلال التحقيقات الفعلية.

في إحدى المراسلات، قال محقق يعمل في وحدة التعرف على الوجوه التابعة للقسم إن "التطبيق يعمل بشكل رائع". وفي رسالة أخرى، قال ضابط في فرقة التحقيق في جرائم انتحال الشخصية التابعة لشرطة نيويورك: "إننا لا نزال نحصل على نتائج إيجابية" و"مستمرون في الاعتقالات" (أزلنا الأسماء الكاملة وعناوين البريد الإلكتروني من هذه الصور، كما تم حجب تفاصيل شخصية أخرى في المستندات الأصلية).

شرطة نيويورك تستخدم نظام كليرفيو إيه شرطة نيويورك تستخدم نظام كليرفيو إيه شرطة نيويورك تستخدم نظام كليرفيو إيه شرطة نيويورك تستخدم نظام كليرفيو إيه

نسخ أصلية وأخرى مترجمة من المراسلات.

من جانبه، يقول ألبرت فوكس كان، المدير التنفيذي لـ"مشروع الإشراف على تكنولوجيا المراقبة" -وهي منظمة غير ربحية تنادي بإلغاء استخدام الشرطة لتقنية التعرف على الوجوه في مدينة نيويورك- إن هذه السجلات تتناقض تناقضاً واضحاً مع البيانات العامة السابقة التي أصدرتها شرطة نيويورك حول استخدامها للنظام الذي تطوره كليرفيو أيه آي.

ويضيف: "لدينا هنا نمط يتمثل في حصول ضباط على حسابات كليرفيو، ليس لأسابيع أو لأشهر فقط وإنما لسنوات. ولدينا أدلة على عقد اجتماعات مع مسؤولين على أعلى مستوى في شرطة نيويورك، بما في ذلك قسم التعرف على الوجوه. وهؤلاء ليسوا بضعة ضباط قرروا الحصول على حساب تجريبي، وإنما مثّل هذا الأمر تبنياً ممنهجاً لتقنية التعرف على الوجوه التي طورتها شركة كليرفيو، لاستهداف سكان نيويورك".

فضلاً عن ذلك، فإن توصيف شرطة نيويورك لاستخدامها تقنية التعرف على الوجوه -وهو أمر لازم بموجب قانون تم إقراره مؤخراً- يوضح أن "المحققين يقارنون الصور التي تم التقاطها أثناء التحقيقات بمجموعة محدودة من الصور الخاضعة للرقابة والموجودة بالفعل في حوزة شرطة نيويورك". بينما تشتهر شركة كليرفيو بقاعدة بياناتها التي تحتوي على أكثر من 3 مليارات صورة مأخوذة من الإنترنت.

تعمل شرطة نيويورك عن كثب مع سلطات إنفاذ قوانين الهجرة، وقد أشار الضباط على وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE) بالتعاون مع شركة كليرفيو

تحتوي المستندات على رسائل بريد إلكتروني متعددة من شرطة نيويورك تبدو وكأنها إحالات لمساعدة كليرفيو على بيع تقنيتها إلى وزارة الأمن الداخلي. وتوضح التوقيعات الظاهرة في رسائل البريد الإلكتروني لاثنين من الضباط أنهما ينتسبان لكل من شرطة نيويورك ووزارة الأمن الداخلي، بينما تم التعرف على ضابط آخر يعمل في فرقة تابعة لوزارة الأمن الداخلي.

"يبدو أن هناك الكثير جداً من الاتصالات وربما تبادل البيانات، والكثير من الاستخدام غير المنظم للتقنية".

تُعد نيويورك إحدى "مدن الملاذ الآمن"، ما يعني أن إنفاذ القانون المحلي يحد من تعاونها مع وكالات الهجرة الفدرالية. والواقع أن البيان الذي أصدرته شرطة نيويورك بشأن سياسة التعرف على الوجوه يوضح أنه "لا تتم مشاركة المعلومات لتعزيز إنفاذ قوانين الهجرة" وأنه "لن يتم منح حق الوصول لوكالات أخرى لأغراض تعزيز إنفاذ قوانين الهجرة".

بدوره، يقول ماثيو جواريجليا، المحلل في مؤسسة الحدود الإلكترونية (Electronic Frontier Foundation): "أعتقد أن أحد أهم النقاط هنا هو مدى عدم القانونية وعدم التنظيم الذي يسود مشهد التفاعلات والمراقبة وتبادل البيانات بين الشرطة المحلية وسلطات إنفاذ القانون الفدرالية وسلطات إنفاذ قوانين الهجرة". ويضيف: "يبدو أن هناك الكثير جداً من الاتصالات وربما تبادل البيانات، والكثير من الاستخدام غير المنظم للتقنية".

ويرى كان أن رسائل البريد الإلكتروني تدق ناقوس الخطر، لا سيما وأن قدراً كبيراً من معلومات إنفاذ القانون يمر بطريقة غير مباشرة عبر أنظمة مركزية تعرف باسم "مراكز الدمج".

ويضيف: "يمكنك أن تزعم أنك 'مدينة ملاذ آمن' كما تريد، ولكن طالما استمر وجود فرق العمل التابعة لوزارة الأمن الداخلي هذه، وطالما أنك لا تزال تمتلك مراكز دمج المعلومات التي تسمح بتبادل البيانات في الوقت الفعلي مع وزارة الأمن الداخلي، فأنت تخلف هذا الوعد".

طلب العديد من ضباط الشرطة استخدام التقنية التي تنتجها كليرفيو على أجهزتهم الشخصية، أو عبر حسابات البريد الإلكتروني الشخصية الخاصة بهم

طلب أربعة ضباط على الأقل الوصول إلى تطبيق كليرفيو على أجهزتهم الشخصية أو عبر حسابات البريد الإلكتروني الشخصية الخاصة بهم. ونظراً لأن أجهزة القسم تخضع للمراقبة عن كثب، ولأن تحميل التطبيقات على الهواتف المحمولة الرسمية لشرطة نيويورك قد يكون أمراً صعباً، فقد اختار بعض الضباط بوضوح استخدام أجهزتهم الشخصية عندما كانت هواتف القسم تخضع لقيود صارمة.

شرطة نيويورك تستخدم نظام كليرفيو إيه شرطة نيويورك تستخدم نظام كليرفيو إيه

نسخة أصلية وأخرى مترجمة من الرسالة.

ردت شركة كليرفيو على رسالة البريد الإلكتروني هذه، قائلة: "مرحباً ويليام، ستجد رسالة بريد إلكتروني لضبط الإعدادات في صندوق الوارد الخاص بك قريباً". 

أما جوناثان ماكوي، الذي يعمل محامياً رقمياً متخصصاً في الأدلة الجنائية بجمعية المساعدة القانونية، الذي شارك في تقديم طلب الكشف عن المعلومات، فيرى أن استخدام الأجهزة الشخصية تحديداً أمر مثير للمشاكل. ويقول: "في رأيي أنهم كانوا يحاولون جاهدين التحايل على السياسات والإجراءات التي تتبعها شرطة نيويورك، والتي تنص على أنه إذا كنت ستستخدم تقنية التعرف على الوجوه، فينبغي عليك المرور عبر قسم التعرف على الوجوه (FIS)، وأن تستخدم التقنية التي أقرتها بالفعل شرطة نيويورك جملة وتفصيلاً". يُذكر أن شرطة نيويورك تمتلك بالفعل نظاماً للتعرف على الوجوه، توفره شركة تسمى داتاوركس (Dataworks).

يقول جواريجليا إن ما حدث يشير إلى عدم الاكتراث الذي أبدته شرطة نيويورك وشركة كليرفيو أيه آي، موضحاً: "شعرت بالذعر عندما علمت أن ضباط الشرطة كانوا يستخدمون تقنية كليرفيو على أجهزتهم الشخصية لتحديد هوية الأشخاص، وأنها ساهمت بعد ذلك في الاعتقالات أو التحقيقات الرسمية التي أجرتها شرطة نيويورك".

إن المخاوف التي تثيرها هذه الرسائل الإلكترونية ليست مخاوف نظرية، فقد تسمح بالطعن في إجراءات الشرطة أمام المحكمة، بل إنها قد تتسبب في نقض القضايا بسبب عدم التقيد بالإجراءات. ويقول ماكوي إن جمعية المساعدة القانونية تعتزم استخدام الأدلة المأخوذة من رسائل البريد الإلكتروني للدفاع عن العملاء الذين اعتقلوا إثر التحقيقات التي استُخدمت فيها تقنية التعرف على الوجوه.

ويضيف: "نأمل أن نستخدم هذا الأمر كأساس قانوني أمام المحكمة، وأن نقول إن أي إدانة صدرت من خلال استخدام برنامج التعرف على الوجوه هي إدانة تم الوصول إليها بطريقة لا تتناسب مع السياسات والإجراءات المُتبعة في شرطة نيويورك. ونظراً لأن تقنية كليرفيو لم تخضع للتجريب ولا يمكن الاعتماد عليها، فيمكننا القول إن استخدام مثل هذه التقنيات يخل بحقوق عملائنا".

المحتوى محمي