يمكن أن تؤدي الخوارزميات إلى تغيير مجرى حياة الأطفال؛ حيث يتفاعلون مع المساعد الصوتي أليكسا، الذي يستطيع تسجيل بياناتهم الصوتية والتأثير على تطور طريقتهم في الكلام وقدراتهم الاجتماعية. ويشاهدون الكثير من مقاطع الفيديو على تيك توك ويوتيوب، التي تقترحها عليهم أنظمة توصية يمكن أن تؤثر على نظرتهم إلى العالم.
تُستخدم الخوارزميات أيضاً -وبشكل متزايد- لتحديد شكل تعليمهم، وإمكانية حصولهم على الرعاية الصحية، وحتى تحديد صلاحية أهلهم للعناية بهم. قد يؤدي هذا إلى نتائج مدمرة؛ ففي الصيف الماضي على سبيل المثال، خسر الآلاف من الطلاب قبولاتهم الجامعية بعد أن أخطأت الخوارزميات -المستخدمة بدلاً من الاختبارات المعيارية التي أُلغيت بسبب الوباء- في توقع أدائهم الأكاديمي.
أي أن الأطفال غالباً ما يكونون الأكثر عرضة للتعامل مع الذكاء الاصطناعي، ما يجعلهم الأكثر عرضة للأذى بسببه. يقول ستيف فوسلو، اختصاصي سياسات الاتصال الرقمي في يونيسيف: "إن الأولاد أكثر قابلية للتغير والصياغة؛ لأنهم في مرحلة التطور العقلي والعاطفي والجسدي".
قاد فوسلو عملية الصياغة الأولية لمجموعة جديدة من المبادئ التوجيهية من اليونيسيف، وذلك لمساعدة الحكومات والشركات على تطوير سياسات للذكاء الاصطناعي بحيث تأخذ حاجات الأطفال بعين الاعتبار. تتألف هذه المجموعة من تسع قواعد جديدة، نُشرت في 16 سبتمبر، وهي تمثل تراكم العديد من المداولات والاستشارات مع صانعي السياسات، والباحثين المختصين بتطور الأطفال، ومختصي الذكاء الاصطناعي، والأطفال، من جميع أنحاء العالم. كما أخذت بعين الاعتبار اتفاقية الأمم المتحدة حول حقوق الطفل، التي وُقِّعت عام 1989.
لا تهدف الضوابط إلى أن تتحول إلى مجموعة أخرى من مبادئ الذكاء الاصطناعي، التي تتشابه في معظمها. في يناير من هذا العام، أصدر مركز بيركمان كلاين في هارفارد دراسة حول 36 من أبرز الوثائق حول إستراتيجيات الذكاء الاصطناعي للشركات والدول، ووجد ثمانية قواسم مشتركة، من بينها الخصوصية والأمان والعدل وإمكانية التفسير.
غير أن المبادئ التوجيهية لليونيسيف تهدف إلى التكامل مع هذه القواسم الموجودة مسبقاً، والتأكد من توافقها مع الأطفال. وعلى سبيل المثال، لا يجب أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي قابلة للتفسير وحسب، بل يجب أن تكون قابلة للتفسير للأطفال أيضاً. كما يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حاجات الأطفال الفريدة أثناء تطورهم. يقول فوسلو: "يمتلك الأطفال حقوقاً أخرى إضافة إلى حقوق البالغين". أيضاً، يُقدَّر بأن نسبة الأطفال من بين مستخدمي الإنترنت تصل إلى الثلث على الأقل. يضيف فوسلو: "نحن لا نتكلم عن مجرد مجموعة صغيرة".
إضافة إلى التخفيف من مضار الذكاء الاصطناعي، فإن هذه المبادئ تهدف إلى تشجيع تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تحسن من نمو الأطفال وصالحهم العام. وعلى سبيل المثال، أثبتت الأبحاث أن أدوات التعلم المبنية على الذكاء الاصطناعي يمكن -إذا كانت حسنة التصميم- أن تساعد على تحسين التفكير النقدي ومهارات حل المشاكل لدى الأطفال، كما يمكن أن تكون مفيدة للأطفال ممن يعانون من صعوبات في التعلم. أيضاً، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي المخصصة للمساعدة العاطفية -على الرغم من حداثتها- أن تؤمن الدعم لمشاكل الصحة العقلية، الذي أثبتت الأبحاث أنه يمكن أن يساعد على تحسين المهارات الاجتماعية للأطفال المصابين بالتوحد. أما أنظمة التعرف على الوجوه، فيمكن -عند استخدامها بضوابط حذرة- أن تساعد على التعرف على الأولاد المختطفين أو المُتاجَر بهم.
"فيما يتعلق بالمجموعات المستضعفة، فإن الأطفال بالطبع هم الأكثر استضعافاً".
- يي زينج
يجب أيضاً تثقيف الأطفال حول الذكاء الاصطناعي، وتشجيعهم على المشاركة في تطويره. يقول فوسلو إن الأمر لا يقتصر على حمايتهم وحسب، بل منحهم المزيد من القدرة والاستقلالية اللازمة لصياغة مستقبلهم.
ليست اليونيسيف الجهة الوحيدة التي تفكر في هذه المسألة؛ فقبل الإعلان عن النسخة الأولية من الضوابط بيوم واحد، نشرت أكاديمية بكين للذكاء الاصطناعي -وهي منظمة تدعمها الوزارة الصينية للعلوم والتكنولوجيا وحكومة بكين المحلية- مجموعة من مبادئ الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالأطفال أيضاً.
وقد أتى هذا الإعلان بعد سنة من إطلاق هذه الأكاديمية لمبادئ بكين للذكاء الاصطناعي، الذي يُنظر إليه على أنه الدليل الوطني الصيني لتطوير الذكاء الاصطناعي. صيغت المبادئ الجديدة للأطفال على وجه الخصوص، ويُقصد بها أن تكون "تطبيقاً صارماً" لمبادئ أكثر عمومية، وذلك وفقاً ليي زينج، مدير المركز البحثي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة في الأكاديمية، الذي قاد عملية صياغة هذه النسخة الأولية. تُعتبر هذه المبادئ قريبة من مبادئ اليونيسيف التوجيهية؛ حيث إنها تتحدث أيضاً عن مسائل الخصوصية والعدالة وقابلية التفسير والصالح العام للأطفال، على الرغم من أن بعض التفاصيل تتعلق بشكل محدد بالمخاوف الصينية. وعلى سبيل المثال، فإن أحد المبادئ المتعلق بالصحة الجسدية للأطفال يتضمن استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة على مواجهة التلوث البيئي.
وعلى الرغم من أن مجموعتي المبادئ غير متصلتين رسمياً، فإن طرحهما في أوقات متقاربة ليس محض صدفة. فبعد سيل من مبادئ الذكاء الاصطناعي التي صيغت في السنوات القليلة الماضية، تقول كلتا المسودتين إن صياغة المزيد من المبادئ المخصصة للأطفال هي الخطوة المنطقية التالية. يقول زينج: "فيما يتعلق بالمجموعات المستضعفة، فإن الأطفال بالطبع هم الأكثر استضعافاً؛ ولهذا علينا أن نولي هذه المجموعة عناية خاصة". كانت الفرق تتواصل مع بعضها البعض أثناء عملها على مسودات الوثائق الخاصة بها، وعندما عقدت اليونيسيف ورشة عمل استشارية في شرق آسيا، كان زينج أحد المتحدثين فيها.
تخطط اليونيسيف الآن لإطلاق سلسلة من البرامج التجريبية مع عدة بلدان شريكة لمراقبة التطبيق العملي لهذه الضوابط ومدى فعاليتها في بيئات مختلفة. كما شكلت الأكاديمية مجموعة عمل مع ممثلين من بعض أكبر الشركات التي تقود إستراتيجية البلاد في مجال الذكاء الاصطناعي، بما فيها شركة التكنولوجيا التعليمية تي إيه إل، وشركة الإلكترونيات الاستهلاكية شاومي، وشركة الرؤية الحاسوبية ميجفاي، وشركة الإنترنت العملاقة بايدو. يهدف هذا العمل إلى تجسيد هذه المبادئ في منتجات هذه الشركات، والتأثير على الشركات والمنظمات الأخرى حتى تحذو حذوها.
يأمل كل من فوسلو وزينج بأن صياغة المخاوف حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الأطفال تحديداً سيزيد من الوعي إزاء هذه المخاوف. "لقد بدأنا بهذا العمل ونحن مدركون تماماً أبعاده، وندرك أن هذه المسألة جديدة بالنسبة للكثير من الحكومات والشركات. ولهذا، إذا رأينا مع مرور الزمن أمثلة حول زيادة مشاركة الأطفال في حلقة التطوير للذكاء الاصطناعي أو السياسات، والمزيد من العناية حول جمع وتحليل بياناتهم، وإذا رأينا أن الذكاء الاصطناعي أصبح أكثر قابلية للشرح للأطفال أو لمن يتولى رعايتهم، فهذا سيمثل نصراً بالنسبة لنا".