هبت عاصفة شتوية على شيكاغو خلال الأسبوع الأول من فبراير، مخلفة أكواماً من الثلوج قبل أن تهبط درجات الحرارة إلى ما دون الصفر. تلقت إيف بلومجاردن -وهي أخصائية الغدد الصماء في مستشفى نورث ويسترن ميموريال- مكالمة من مريضة قلقة كان من المقرر أن تتلقى لقاح كوفيد-19 في ذلك الأسبوع. حيث كانت تستعد لمواجهة الطقس -والقيادة للمرة الأولى منذ بداية انتشار الوباء- لأنها كانت قلقة من أن تكون هذه هي فرصتها الوحيدة للحصول على الجرعة.
تقول بلومجاردن: "أرى إحباطاً وخوفاً شديدين من أن تفوتهم حملة التلقيح".
لقد اكتشفت شيكاغو -مثل العديد من أجزاء الولايات المتحدة- أن توزيع لقاحات كوفيد-19 يسير بشكل أبطأ مما كان يتمناه الجميع. فقد تم تطعيم ما لا يتجاوز 6٪ فقط من سكان المدينة البالغ عددهم 2.7 مليون نسمة حتى الآن، وقال الناس إن العملية تشبه ما حدث في فيلم "ألعاب الجوع"؛ حيث يتعين عليهم السهر حتى وقت متأخر من الليل لتحديث العديد من صفحات الويب على أمل ظهور شواغر جديدة. ومما زاد الطين بلّة، هو أن مواقع التسجيل الرسمية قديمة التصميم وبطيئة في الأداء ويصعب التنقل فيها.
في أوائل فبراير، أعلنت وزارة الصحة العامة عن خطة للمساعدة في تخفيف بعض من هذه المشاكل التقنية، وذلك عن طريق الشراكة مع زوكدوك (Zocdoc)، الشركة الشهيرة المختصة بجدولة الرعاية الصحية عبر الإنترنت؛ حيث إن زوكدوك تلعب دور بوابة إلكترونية موحدة تجمع العديد من مزودي الخدمات، بحيث يمكن للأشخاص التسجيل من خلال أداة واحدة أكثر سهولة في الاستخدام، بدلاً من مشقة التعامل مع عدة أنظمة مختلفة في الوقت نفسه. وبالرغم من أن شيكاغو هي أول مدينة تعقد هذا النوع من الاتفاقيات مع زوكدوك، إلا أن هناك وكالات صحية أخرى تطلق شراكات مماثلة مع شركات ناشئة خاصة.
قبل انتشار الوباء، كانت زوكدوك تعمل كمتجر شامل، حيث يمكن للمرضى مراجعة أطباء مختلفين، وإجراء مقارنات بين مزودي الخدمات الطبية، وتحديد المواعيد. ويقول الرئيس التنفيذي للشركة، أوليفر خرّاز، إن السنوات التي قضاها في سد الفجوات القائمة بين أجزاء نظام الرعاية الصحية المجزأ، قد جعلت منه عن غير قصد نظاماً جاهزاً لتنظيم مواعيد التطعيم ضد كوفيد-19. وتقول زوكدوك، إنه بعد اختبار الفكرة مع نظام ماونت سيناي الصحي في نيويورك، قامت شيكاغو بالتواصل بشأن عقد الشراكة، وكان النظام جاهزاً وبدأ بالعمل في غضون أسابيع قليلة. تتصل بوابة زوكدوك مع 1,400 نظام جدولة مختلف؛ حيث تبقى مهام سير عمل الأطباء دون تغيير، لكن جميع المرضى يرون الواجهة البسيطة ذاتها بغض النظر عن المزود الذي يستخدمونه.
"إذا لم تكن متصلاً بالنظام الصحيح، فكيف ستتمكن من الوصول؟".
تقول بلومجاردن -الطبيبة في نورث وسترن ميموريال- إن أداة زوكدوك الجديدة ستكون "إضافة رائعة" لحملة اللقاح في شيكاغو، ولكنها لا تعالج سوى مشكلة واحدة فقط من المشكلات المتعلقة بطرح اللقاح. على العموم، لا يزال نهج الأسبقية هو المتبع وهو أن من يأتي أولاً يحصل على الخدمة أولاً، ما يعني أنه لا يوفر حلاً للمشكلة الأكثر إلحاحاً: وهي أن اللقاحات لا تصل إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها.
تقول كريستينا أندرسون -وهي نائبة مفوضة من إدارة الصحة العامة ورئيسة عمليات الاستجابة لفيروس كوفيد-19 في شيكاغو- إنه على الرغم من أن زوكدوك قد لا تكون الحل المنشود للوصول إلى المسنين من سكان شيكاغو وتطعيمهم، إلا أن لديها القدرة على مساعدة الآخرين الذين يكافحون من أجل الحصول على التطعيم، مثل أولئك الذين ليس لديهم مزود رئيسي للرعاية الصحية.
لكن بلومجاردن تقول إن إتاحة اللقاحات بشكل حقيقي ستتطلب القيام بحملة توعية هادفة، على أن يجري معظمها من دون الاتصال بالإنترنت.
المعارف تُحدث فرقاً
يبدو أن المسؤولين المحليين والفدراليين في الولايات المتحدة يتوصلون إلى النتيجة نفسها؛ ففي التاسع من فبراير، أعلن الرئيس جو بايدن عن برنامج جديد سيوفر اللقاحات مباشرة لمراكز الصحة المجتمعية التي تخدم 30 مليون شخص في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وثلثا هؤلاء الأشخاص يقعون على خط الفقر الفدرالي أو تحته؛ حيث تتلقى المراكز الصحية المجتمعية المؤهلة تمويلاً فدرالياً لتوفير الرعاية الصحية للسكان المحرومين.
أما كيون إل جيلبرت، الأستاذ المساعد في العلوم السلوكية والتثقيف الصحي في جامعة سانت لويس، فيقول إن الأساليب المتبعة في خدمة المجموعات السكانية المعرضة للخطر بشكل خاص قد تباينت من ولاية لأخرى بشكل كبير. وقد قامت بعض الولايات بوضع البالغين ممن تفوق أعمارهم 65 عاماً في مقدمة قائمة الأولويات بغض النظر عن عوامل الخطر الأخرى. وقد واجهت الإستراتيجيات الأخرى أيضاً بعض العقبات، فعندما حاولت دالاس إعطاء أولوية التطعيم للأشخاص المحتاجين له والذين يعيشون في المناطق الأكثر تضرراً -والذين أغلبهم من أصحاب البشرة الملونة- هددت الولاية بتخفيض الجرعات المخصصة للمقاطعة.
وفي الوقت نفسه، أعلنت شيكاغو مؤخراً عن برنامج يهدف إلى تطعيم الناس في الأحياء ذات الحاجة الملحة.
يقول جيلبرت: "إن الإنصاف ليس هدفاً ثابتاً أو هدفاً يمكن للمرء تحقيقه، بل إنه شيء يجب تحديده حسب السياق والظروف". قد تقوم إدارات الصحة العامة المثقلة بالأعباء بتوجيه تركيزها إلى الأرقام المطلقة أكثر من توجيهه إلى الأماكن حيث الحاجة في حدودها القصوى.
تعتقد بلومجاردن وزملاؤها في فريق العمل التعاوني للمتخصصين في الطب في إلينوي (IMPACT) -وهي مجموعة شعبية تشكلت استجابةً لكوفيد-19- أن نظام القرعة سيعمل بشكل أفضل؛ حيث يمكن للمرضى التسجيل للحصول على شاغر -إما عبر الإنترنت أو من خلال شخص يأتي إلى منزلهم- ثم الانتظار حتى يتم اختيارهم للحصول على موعد.
سيسمح نظام القرعة الترجيحي للمسؤولين بالتأكد من وصول اللقاحات إلى المرضى في المناطق الأكثر تضرراً، وهي مهمة في شيكاغو على وجه الخصوص، حيث تُظهر الأجزاء الأكثر ثراءً وذات الأغلبية البيضاء من المدينة مستويات أعلى من التطعيم ومعدلات وفاة أقل، في حين أن المناطق حيث يقطن أبناء الطبقة العاملة، والسود، وذوو الأصول اللاتينية هي التي تسجل أسوأ المستويات.
أما نائبة مفوض الصحة أندرسون، فلديها رأي مخالف بشأن ما إذا كان نظام القرعة مفيداً؛ حيث صرّحت بأن المدينة تسعى إلى تحسين المساواة من خلال الشراكات المجتمعية والتوعية بدلاً من ذلك. ويعزو مسؤولو المدينة أيضاً جزءاً من التباين العِرقي الحالي إلى حقيقة أن العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين اختاروا القيام بالتطعيم هم على الأرجح من البيض.
ولا تقتصر قضايا الوصول على العِرق والدخل، فقد يتم استبعاد السكان أيضاً إذا لم يكونوا مرتبطين بمؤسسة كبيرة، كما يقول علي خان، المدير الطبي التنفيذي لأوك ستريت هيلث، وهي سلسلة عيادات وطنية تخدم كبار السن من ذوي الدخل المنخفض. ويقول خان إن مزودي الخدمات الصحية المحدودة (كالعاملين في المراكز الصحية المستقلة)، ومقدمي الخدمات الفردية (كالأطباء المستقلين)، ومقدمي الرعاية الصحة المنزلية، وغيرهم في جميع أنحاء المدينة، قد كافحوا للحصول على اللقاحات وإعطائها للناس دون موارد المشغلين الرئيسيين. وعندما فتحت أوك ستريت أبوابها لتطعيم عاملي القطاع الصحي في الخطوط الأمامية بغض النظر عن أماكن عملهم، امتلأت قائمة الانتظار على الفور تقريباً بالآلاف، والاعتماد على تطبيق رقمي لن يصلح هذا الأمر بالضرورة.
"إذا لم تكن متصلاً بالنظام الصحيح، فكيف ستتمكن من الحصول على اللقاح؟"، كما يقول خان.
تقول أندرسون إن المدينة تخطط فعلياً لجعل النظام يعمل بشكل أفضل لصالح الأشخاص غير المرتبطين بمزود رئيسي. وقد تم بالفعل تسجيل أحد المراكز الصحية المجتمعية المؤهلة فدرالياً في نظام زوكدوك، وهي تتوقع تسجيل المزيد من الكيانات. وتقول إن هذا سيكون مهماً مع زيادة إمدادات اللقاح.
بناء "نسيج ضام"
هناك مشكلة أخرى لا يمكن حلها باستخدام التطبيقات وتكمن في التغلب على التردد بشأن اللقاح. يعتقد خان أن التواصل مع المجتمع هو المفتاح هنا. وفي الوقت نفسه، تقول أندرسون بأن مسؤولي المدينة يستضيفون المجالس البلدية للإجابة عن الأسئلة المتعلقة باللقاح لأولئك الذين قد يتملكهم "التردد في القبول".
على الرغم من التحديات، يعتقد خان أن إيجاد توليفة من مختلف الأنظمة والشبكات يمكنه القيام بالعمل الشاق الذي يتطلبه تطعيم الجميع. وينصبّ تركيزه على "النسيج الاجتماعي الضام" حيث يعيش الناس ويعملون ويتجمعون؛ من محلات البقالة ودور العبادة والمراكز المجتمعية والصيدليات. إن ما يسميه "العمل البطيء" الذي يتطلبه هذا النوع من بناء شبكة الارتباط يتجاوز بكثير مسألة إرسال رابط للتسجيل. وبشكل مماثل لزوكداك، يتعلق الأمر بإضفاء طابع مركزي على المعلومات ومشاركتها عبر المؤسسات، باستثناء أن ذلك يتم غالباً باستخدام وسائل غير متصلة بالإنترنت.
"لا ينبغي أن يكون هناك أشخاص يبلغون من العمر 90 عاماً ويتساءلون عما إذا كان أحد ما سيتذكر وجودهم ويعطيهم لقاحاً".
وتقول أيضاً: "لا توجد طريقة لمواصلة هذا الأمر متبعين أسلوب التسجيل عبر الإنترنت بحيث من يسجل أولاً سيتم تخديمه أولاً". وتضيف: "لا ينبغي أن يكون هناك أشخاص يبلغون من العمر 90 عاماً ويتساءلون عما إذا كان أحد ما سيتذكر وجودهم ويعطيهم لقاحاً".
في الوقت الحالي، مثل جميع المناطق في أنحاء الولايات المتحدة والعالم، تنتظر شيكاغو وينتظر مواطنوها أيضاً بفارغ الصبر لتلقي المزيد من الجرعات. وتقول أندرسون إنه عندما تم الإعلان عن الشراكة مع زوكدوك، أضافت المدينة إلى النظام ما يقرب من 3,000 شاغر لتحديد المواعيد، وقد تم ملؤها قبل انتهاء المؤتمر الصحافي.
هذه المقالة جزء من مشروع تكنولوجيا مواجهة الوباء، بدعم من مؤسسة روكفلر.