الهند تراهن على برنامج معطوب لتلقيح 300 مليون شخص بحلول أغسطس

6 دقائق
الهند تراهن على برنامج معطوب لتلقيح 300 مليون شخص بحلول أغسطس
مصدر الصورة: نصير كاشرو/ نورفوتو عبر أسوشييتد برس

في 28 يناير، تلقى أحد الأطباء في أحد مستشفيات مدينة حيدر أباد جنوب الهند رسالةً نصية قصيرة تتضمن تاريخ وموعد حقنته الأولى من لقاح كوفيد-19. لقد كان يعاني خلال عمله في الجناح المخصص لمرضى كوفيد-19؛ فقد شاهد العديد من المرضى الذين يلفظون أنفاسهم الأخيرة منذ أبريل الماضي، ولذا كان اللقاح هو الشيء الوحيد الذي يتطلع إليه.

ولكنه لم يبتهج حين قرأ الرسالة، فهي لم تكن موجهة إليه. كان ذلك أشبه باستلام تذكرة رابحة ولكنها تحمل اسم شخص آخر.

يقول الطبيب الذي طلب عدم ذكر اسمه لأن رب عمله لن يسمح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام: “لقد كنت مرتبكاً”. أسرع إلى المستشفى وهو قلق وغير متأكد مما إذا كان قد تم استدعاؤه للحصول على اللقاح بالفعل أم لا. ولكن فيما بعد، اتضح أنه خلل برمجي وأنه لم يتم استدعاؤه على الإطلاق.

أطلقت الهند -التي لديها ثاني أكبر عدد من حالات الإصابة بكوفيد-19 في العالم- واحدة من أكثر حملات التطعيم طموحاً في آسيا؛ وذلك بهدف تلقيح 300 مليون شخص بحلول أغسطس. ومن أجل تحقيق ذلك، تستخدم الحكومة نظاماً يسمى كو-وين (Co-WIN) لإدارة اللقاح. يتركّز الاهتمام حالياً على تلقيح 30 مليون عامل في مجال الرعاية الصحية، والعاملون في الميدان مع المرضى؛ حيث سيتلقى هؤلاء العاملين أحد اللقاحين المعتمدين للاستخدام في حالات الطوارئ: لقاح أسترازينيكا أكسفورد -المعروف محلياً باسم كوفيشيلد، والذي يتم تصنيعه من قِبل معهد سيرن في الهند- ولقاح بهارات بيوتيك المحلي، والمسمى: كوفاكسين.

يمثل نظام كو-وين الركيزة الأساسية لحملة التطعيم، إذا جاز التعبير؛ فهو يعالج عمليات التسجيل، وينشئ جداول التطعيم، ويبلغ المتلقين بواسطة رسائل نصية، ويوجّه الأشخاص إلى مركز اللقاح الموافق لهم، إضافة إلى قيامه بطباعة شهادة اللقاح لكل شخص بعد حصوله على جرعتين. وعلى الرغم من أنه سيبدأ بالعاملين في مجال الرعاية الصحية، إلا أنه من المتوقع أن يتم استخدامه لعامة الناس أيضاً، وسيُطلب من الأشخاص أن يسجلوا بأنفسهم من خلال التطبيق.

وبسبب وجود العديد من المشاكل الفنية ومن مختلف الأنواع، فقد أصبح من المؤكد أن عدد الأشخاص الذين يتم تطعيمهم في الهند أقل بكثير مما كان متوقعاً، ولم تتمكن العديد من الولايات الهندية من تحقيق أهدافها المرسومة لحملة التطعيم، ما أدى إلى تأخير التقدم الإجمالي للحملة.

هذه الأخطاء، دفعت القائمين على حملات اللقاح للتحول إلى طرق أبسط في إدارة التوزيع. على سبيل المثال، في معهد عموم الهند للعلوم الطبية (AIIMS) في دلهي، كان الأطباء يفوتهم تلقي الرسائل التي تخص حصولهم على اللقاح بسبب مشكلات برمجية، والحل البديل للمستشفى هو الوقوف في الطابور. وقال المعهد إن بإمكان الأطباء زيارة موقع التطعيم، فإذا كانت أسماؤهم مسجلة وكانت الجرعة متاحة، فعندها يمكنهم الحصول على اللقاح.

يقول رانديب جوليريا، مدير (AIIMS) وأحد أوائل الهنود الذين تم تطعيمهم: “هناك معلومات جديدة يتم اكتشافها عن التطبيق كل يوم، وعن كيفية طرحه بطريقة أكثر فعالية”. جوليريا هو واحد من أبرز الأطباء في الهند، وقد تم بث عملية التطعيم التي خضع لها عبر التلفاز في محاولة لكسب ثقة الناس.

إن الصعوبات التي تواجهها الهند ليست فريدة من نوعها، فهناك بلدان أخرى واجهت مشاكل في توزيع لقاحات كوفيد، بما في ذلك الولايات المتحدة. وأيضاً تبدو الصين متأخرة عن تحقيق هدفها الداخلي المتمثل في تلقيح 50 مليون شخص بحلول 11 فبراير. ولكن الطرح الخاطئ لمختصي الرعاية الصحية في الهند والعاملين في الخطوط الأمامية قد يشير إلى أن البلاد ليست مستعدة لمواجهة المهمة الأكبر بكثير في المستقبل.

حتى 8 فبراير، تم إعطاء الجرعة الأولى لما يقرب من 6 ملايين شخص، وذلك بمعدل حوالي 250,000 شخص يومياً، ولتتمكن الهند من تحقيق الهدف الطموح المتمثل في 300 مليون جرعة بحلول أغسطس، سيتعين عليها إعطاء أكثر من خمسة أضعاف هذا العدد: 1.4 مليون جرعة يومياً. والسرعة هنا تلعب دوراً بالغ الأهمية؛ لأن هذه اللقاحات يجب أن يتم إعطاؤها خلال فترة الصلاحية المعتمدة التي تبلغ ستة أشهر. ويبحث AIIMS موضوع إنشاء المزيد من مراكز التطعيم لتعويض الوقت الضائع.

يقول جوليريا: “إن التسجيل غير المكتمل، سيؤدي إلى تطعيم غير مكتمل”.

من بين جميع الدول الكبرى التي ستطرح اللقاحات، كان بوسع الهند أن تخطط لإجراء عملية أكثر سلاسة ومجربة زمنياً؛ لأن المهمة الضخمة المتمثلة في التطعيم الشامل ليست بالأمر الجديد، حيث إن الحكومة تقدم لقاحات ضد شلل الأطفال والحصبة إلى 55 مليوناً بين رضيع وامرأة حامل كل عام، من خلال زيارة كل منزل وإعداد قائمة بمن يحتاج إلى الحقن. ويعتبر استخدام حل تقني مثل كو-وين خروجاً عن القاعدة، وهو ما يفترض به أن يكون تطوراً. وقد قالت الحكومة للصحافة إن برنامج كو-وين سيوفر البيانات المتعلقة باللقاح للمسؤولين الذين يراقبون بدء التطبيق في الزمن الحقيقي، وإن التطبيق سيجعل من الصعب على الأشخاص استخدام وكلاء عنهم، وهذه أيضاً محاولة للوقاية من حدوث هدر في الجرعات.

ولكن يشير الخبراء إلى أن الهند قد تضطر إلى اللجوء للأساليب القديمة المثبتة إذا أرادت إعطاء 600 مليون جرعة من لقاح كوفيد-19 في أقل من سبعة أشهر.

أما من جهة جيريدهار بابو، عالم الأوبئة وأحد أعضاء فرقة العمل الفنية لمكافحة كوفيد-19 في الهند، فإنه يعتقد أن تحقيق أهداف البلاد سيتطلب إنشاء قائمة شاملة بالأشخاص الذين سيتم تطعيمهم، وهي الطريقة التي استخدمت في الحملات السابقة. يقول بابو: “اعتباراً من الآن، [يتم تلقيح] العاملين في القطاع الصحي والعاملين في الخطوط الأمامية؛ فهؤلاء هم أسهل من يمكن الوصول إليهم”. ويتابع: “ولكن بمجرد أن نبدأ في تجاوز هذه الفئة من الناس والانتقال إلى بقية السكان، سنجد أنه لا توجد قائمة واحدة تضم كافة الأشخاص الذين يعانون من أمراض مشتركة، وكبار السن، وتاريخهم [الطبي]”.

“من الخطر توافرها فقط من خلال التطبيق”.

ويقول إنه يجب إنشاء هذه القائمة من قِبل موظفين يجوبون المنازل واحداً تلو الآخر ويقومون بتسجيل أسماء قاطنيها. ويعتقد بابو أن التسجيل الذاتي من خلال كو-وين قد يصلح فقط في حالة الأشخاص الذين يقطنون المدن والمتعلمين، ولن يصلح لقاطني المناطق الريفية، وأن “التسجيل غير المكتمل سيؤدي بعد ذلك إلى تطعيم غير مكتمل”.

 

لكنه يقرّ مع ذلك، بأن إعداد قائمة بالأشخاص الذين سيتم تطعيمهم “هو إجراء في غاية الضخامة يتطلب الكثير من التخطيط”.

ولا تقتصر مخاوف الخبراء على أن قيادة الحملة ستعجز عن تحقيق أهدافها فحسب، بل يتعدى الأمر أيضاً إلى أنه سيُستخدم كوسيلة لجمع بيانات المواطنين الصحية الخاصة. وقد أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي في أغسطس عن إطلاق مشروع بطاقة الهوية الصحية الوطنية، وهي طريقة تهدف إلى جعل بيانات الرعاية الصحية لمواطني الهند مركزية. وقالت وزارة الصحة في وقت لاحق، إن المواطنين الذين يتم تطعيمهم سيكون لديهم الخيار في استصدار هوية صحية فريدة من خلال رقم آدهار (Aadhaar) الخاص بهم، وهو الرقم الوطني المثير للجدل في الهند والمكون من 12 منزلة، والمرتبط بالمسح الرقمي لبصمات الأصابع وأعين الأشخاص.

يقول سريكانث لاكشمانان، وهو باحث في مجال التكنولوجيا كان يدرس المستندات الخاصة بنظام كو-وين: “عندما يشارك الشخص المستفيد تفاصيل آدهار الخاص به في مركز اللقاحات بغرض التحقق من رقمه الوطني، تتم مشاركة البيانات المرتبطة بهذا الرقم مع نظام كو-وين على مستوى قاعدة البيانات الأساسية، التي يتم استخدامها بعد ذلك لإنشاء هوية صحية لذلك الشخص”. ويضيف لاكشمانان: “بالرغم من أن الحكومة تقول إن التسجيل طوعي، إلا أن الكثير من الناس ليس لديهم أي علم بأن هذه الهوية يتم إنشاؤها”.

“بالرغم من أن الحكومة تقول إن التسجيل طوعي، إلا أن الكثير من الناس ليس لديهم أي علم بأن هذه الهوية يتم إنشاؤها”.

وهناك مخاوف تتعلق بالخصوصية أيضاً؛ حيث إن التطبيق كو-وين -الذي سجّل حتى الآن أكثر من 100,000 عملية تحميل في متجر جوجل بلاي الرقمي -لا يتضمن سياسة خصوصية مناسبة، ولا يوجد قانون لحماية البيانات من شأنه أن يعالج هذه البيانات بشكل مناسب. يقول لاكشمانان: “إن أكثر ما يقلقني هو أنه في الوقت الذي تقوم الحكومة بتطوير البنية التحتية الصحية الرقمية بغرض مشاركة البيانات الصحية مع شركات التأمين وصناعة الأدوية، فإنها لم تستثمر في توسيع البنية التحتية الصحية الحقيقية التي نحتاج إليها”.

 

يقول خبراء السياسات الرقمية إن استخدام تطبيق إلكتروني لحملة التطعيم يعكس حب الهند للحلول التقنية، ولكنه في المقابل أمر محفوف بالصعوبات المحتملة. تقول شويتا موهانداس، مسؤولة السياسات في مركز الإنترنت والمجتمع، الذي يعد مؤسسة فكرية: “ليس من السهل تقديم حلول تعتمد على التطبيقات الرقمية فقط عندما تكون البنية التحتية دون المستوى المطلوب؛ فحاجة الناس لن تقتصر على الهواتف المحمولة، فهم يحتاجون إلى الاتصال بالإنترنت، إضافة إلى قدرتهم على استخدام الهواتف الذكية”. وتضيف: “وفيما يتعلق بالخدمات الطبية على وجه الخصوص، فإنه من الخطر توافرها فقط من خلال التطبيق… فذلك يحد من عدد الأشخاص القادرين على الاستفادة منها”.

في أثناء ذلك، تمكن الطبيب الذي تلقى دعوة خاطئة للتطعيم من الحصول على الجرعة الأولى عندما حضر إلى المستشفى للاستفسار عنها. ويقول إنه يشعر بالامتنان، لأنه لولا تلك الرسالة القصيرة الموجهة إلى شخص غريب، لما حصل على اللقاح مبكراً.

ولكن مشاكل كو-وين مستمرة.

فبعد أيام من حصوله على الجرعة الأولى، تلقى رسالتين نصيتين أخريين موجهتين إلى شخصين آخرين، مع تفاصيل عن موعد ومكان جرعتيهما الأوليتين. وقال: “أتساءل الآن عما إذا كان هذان الشخصان قد تلقيا هذه الرسالة أو أن كلاً منهما قد فاتته الجرعة الأولى”.

هذه القصة جزء من مشروع تكنولوجيا مواجهة الوباء، بدعم من مؤسسة روكفلر.

المحتوى محمي