إخلاء مسؤولية:
على الرغم من اهتمامي المهني طويل الأمد بالبيتكوين، إلا أنني لم أستثمر فيها إلا لفترة وجيزة. وعندما قمت بذلك، ربحت عائداً بنسبة 30% في غضون ثلاثة أسابيع فقط. لكن سرعان ما أدركت أن هذا الاستثمار لم يكن متناسباً مع درجة تقبلي للمخاطرة؛ لذا، لسوء الحظ، هذه المقالة لا تروي إحدى قصص تحول صاحبها إلى مليونير بيتكوين.
في الثالث من يناير، بلغت عملة البيتكوين الأصلية عامها الثاني عشر وحققت أعلى تقييم عند أكثر من 34,000 دولار. في السنوات القليلة الماضية، اكتسبت عملة البيتكوين شهرة عالمية وسمعة سيئة في آن معاً نتيجة الضجيج الإعلامي الذي أعقب صعود وهبوط تقييماتها؛ فقد انهارت قيمتها من أعلى مستوى تاريخي بلغ 19,650 دولاراً في منتصف ديسمبر 2017 لتنخفض إلى 3,200 دولار فقط بعد عام واحد، ثم تعافت بعد ذلك لتصل إلى 7,000 دولار في منتصف ديسمبر 2019. يا لها من رحلة صعود وهبوط مثيرة للذهول!
ومع ذلك، فإن التغييرات الأكثر إثارة للاهتمام بخصوص عملة البيتكوين تتجاوز تقلبات التقييم وتنطوي على جوانب أعمق من ذلك.
لقد أثارت عملة البيتكوين ذهولي في أوائل عام 2013. وحاولت في البداية شراء بعضها في أكتوبر من ذلك العام (سأسرد المزيد حول هذا الأمر أدناه). وبعد فترة وجيزة، انتقلت إلى كلية هالت لإدارة الأعمال الدولية في لندن وبدأت في تدريس مقرر جامعي حول البيتكوين والبلوك تشين في عام 2015. لقد كان عام 2013 عاماً مثيراً لشراء البيتكوين ودراستها؛ حيث بدأت فيه الأمور تتغير بسرعة كبيرة. إليكم أبرز التغييرات الكبرى التي لاحظتها منذ ذلك الحين، بعضها واضح جداً وبعضها الآخر أقل وضوحاً.
التغييرات الواضحة التي شهدتها البيتكوين
عندما حاولتُ شراء البيتكوين لأول مرة في أكتوبر 2013، كنت أستاذاً مساعداً في الجامعة الأميركية في بيروت بلبنان. وبعد بحث مكثف، عثرت على متداول في منتدى شبه سري على الإنترنت، يحمل الاسم المستعار habibit_961 واقترحت عليه أن نلتقي في مقهى معروف على الكورنيش. ما زلت أتذكر التحذيرات التي قرأتها بتمعن على الإنترنت. وبقي أحدها على وجه الخصوص حاضراً في ذهني، جاء فيه ما معناه: “كل من اشترى أو باع البيتكوين تعرض للخداع مرة واحدة على الأقل؛ لذا احرص على إتمام عملية شراء أو بيع العملة في مكان عام. والمكان الأمثل هو مرآب السيارات في مركز تسوق؛ لأن الأمن هناك سيكون قريباً منك في حال ساءت الأمور”. بالنسبة لي، بدت شرفة المقهى الشعبي جيدة بما يكفي لعقد الاجتماع. لكن يبدو أن habibit_961 لم يوافقني الرأي؛ إذ إنه لم يحضر أبداً…
في الاجتماع المزمع، كان من المفترض أن أقوم بتسليم 500 دولار نقداً إلى habibit_961 مقابل ثلاث وحدات بيتكوين. وأثناء كتابة هذه السطور، كانت قيمة وحدات البيتكوين الثلاثة تلك ستزيد عن 100,000 دولار، وهو عائد مذهل يزيد عن 200 ضعف.
كنت سألتقي شخصياً ب habibit_961 لأن صفقات البيتكوين في ذلك الوقت لم تكن منظمة وكانت تجري في منطقة رمادية غامقة وأقرب أن تكون غير قانونية؛ حيث كانت بيتكوين نفسها تعتبر عملة غير قانونية أو وسيلة لإجراء صفقات غير شرعية. وفي ذلك الوقت، كانت المنصة الوحيدة المعروفة بقبولها على نطاق واسع لمدفوعات البيتكوين عبارة عن سوق للسلع غير القانونية وتسمى سلك رود “طريق الحرير”، التي كان يمكن الوصول إليها على شبكة الإنترنت المظلمة وقام مكتب التحقيقات الفدرالي بإغلاقها بعد فترة وجيزة. كان هناك مجتمع صغير من المتحمسين للتكنولوجيا الذين اعتبروا أن عملة البيتكوين تمثل مستقبل المال في طور التكوين، وكنت أنا أحد هؤلاء.
لقد رأيت أن تتبع المعاملات على سجل عام لا يستدعي أي ثقة في الشريك المتعامل ولا في طرف ثالث يمثل فكرة بسيطة جداً وذكية للغاية في آن معاً؛ حيث إن بروتوكولات التشفير والإجماع التي تنظم كيفية تسجيل المعاملات في السجل تجعل من هذا النظام غير الموثوق نظاماً مستداماً.
ورأيت أن البيتكوين يمثل مستقبل المال أو المال 4.0؛ كانت الأموال في بدايتها (المال 1.0) سلعاً تحمل قيمتها في ذاتها. ثم جاءت الأموال الورقية (المال 2.0) مدعومة بالمعادن الثمينة التي تضمن قيمتها. واليوم، نحن نعيش في عصر الأموال “الرسمية” (المال 3.0)، التي تكتسب وجودها وقيمتها بإشراف من الحكومة. أما البيتكوين فهي نوع مختلف تماماً عن كل ما سبق؛ فهي تمتلك قيمتها لأنها مدعومة من قبل مجتمع ومجموعة من القواعد، إنها تمثل الإصدار الرابع من المال أو المال 4.0.
البيتكوين أثبتت نجاحها
يتمثل التغيير الأكثر وضوحاً منذ ذلك الحين في أنك تستطيع اليوم بكل أريحية تداول البيتكوين والعديد من العملات المشفرة الأخرى (على الرغم من أن بعض البنوك قد أوقفت منذ ذلك الحين شراء البيتكوين باستخدام بطاقات الائتمان الخاصة بها). كما ساهمت شبكة القيمة المتزايدة الكفاءة في دعم انتشار البيتكوين، وبدأ التجار بقبول مدفوعات البيتكوين. وهكذا تحولت عملة البيتكوين من كونها مجرد فضول إلى بلوغ الغاية المفترضة منها والمتمثلة في استخدامها كعملة، وإن كان ذلك في إطار نظام بيئي محدود. نتيجة لذلك، ارتفعت قيمتها (أعود إلى هذه النقطة لاحقاً) وتصاعد الإدراك العام لماهيتها.
التغييرات الأقل وضوحاً التي شهدتها البيتكوين
كلما نمت شعبية البيتكوين، تحولت بنيتها التحتية التكنولوجية الرائدة -البلوك تشين- وحوكمتها الديمقراطية إلى عائق.
لقد تم تصميم البلوك تشين لضمان إمكانية إنجاز المعاملات الآمنة للبيتكوين وباستخدام الأسماء المستعارة بالاعتماد على قدرات الحواسيب والإنترنت المتاحة في عام 2008، وهو العام الذي تم تطوير البلوك تشين خلاله. وعلى سبيل المثال، يتم تنقيب كتلة واحدة -ذات حجم محدد بـ 1 ميجابايت- كل عشر دقائق تقريباً. لكن تخصيص الحجم يتسم بضعف في الفعالية إلى حد ما مع ما يقرب من 65% من البيانات ليست إلا تفاصيل عن الشاهد الذي يتحقق من المعاملات. ومع تنامي حجم المعاملات، لم يتمكن النظام من التوسع بشكل متناسب وبدأ يتباطأ، ما أدى إلى تراكم أكوام المعاملات (يسمى ميمبول mempool) التي لا يمكن تضمينها في مساحة الكتلة المحدودة وبالتالي ينبغي عليها الانتظار لفترة طويلة قبل تأكيدها.
بحلول عام 2017، وافق معظم منقّبي البيتكوين على أن النظام في حاجة ماسة إلى ترقية. غير أن نظام الحوكمة يتطلب دعماً بالإجماع لإدخال أي تعديلات على نظام البيتكوين. وهو أمر صعب المنال لأنه يضع المصلحة المكتسبة لآلاف المنقبين على المحك.
قدم المنقبون عشرات المقترحات لتحسين البيتكوين (أو بي آي بي BIP) لمعالجة مشكلة قابلية التوسع. وتركزت المنافسة بين مقترحين أساسيين؛ بعبارات بسيطة، أوصى المقترح رقم 148 (BIP 148) (يسمى أيضاً سيج ويت SegWit) بفصل بيانات الشاهد عن الكتلة بهدف استيعاب المزيد من المعاملات ومنح النظام سرعة أكبر. أما الاقتراح رقم 91 (BIP 91) (أو سيج ويت 2 إكس SegWit 2x) فقد أوصى بتوسيع حجم الكتلة إلى 2 ميجابايت لجعل النظام أسرع. فإذا كان المقترحان متوافقين مع بعضهما البعض، سيتمكن كل منقب من اختيار العمل وفقاً لأحدهما وسيظل المستخدمون قادرين على إرسال واستقبال البيتكوين من العُقد التي تعمل بأي من البروتوكولين. (يُعرف هذا الأمر باسم “الشوكة الناعمة”).
لكن الاقتراحين لم يكونا متوافقين مع بعضهما؛ فبموجب الاقتراح 91، سيتوجب على العُقد تثبيت برنامج جديد لمعالجة معاملات بحجم 2 ميجابايت، التي لا يمكن معالجتها بواسطة العُقد التي تستخدم المقترح 148. ونتيجة عدم اتفاق المنقبين، توجب على أولئك الذين دعموا الاقتراح 91 الانقسام (الخوض في عملية “شوكة قاسية”) ليسمحوا بولادة نظام جديد أفضل، يسمى بيتكوين كاش (Bitcoin Cash)، غير متوافق مع نظام البيتكوين الأصلي.
جرت هذه الأحداث في صيف 2017، وهي تسلط الضوء على بعض التغييرات المثيرة للاهتمام وربما الأقل وضوحاً في البيتكوين.
البيتكوين لم تعد مجرد عملة
باعتبار أن البيتكوين هي العملة المشفرة الأصلية -وبالتالي الأقدم- وبما أنها مقاومة للتغيير وفق تصميمها كما ناقشنا أعلاه، يمكن القول إن بيتكوين هي أسوأ أنظمة الدفع المشفر المتاحة. ليس نظام بيتكوين كاش الوحيد الذي يتفوق عليها؛ فمنذ إطلاق لايتكوين (Litecoin)، ثاني عملة مشفرة في العالم، في عام 2011، تم تصميم العشرات من العملات المشفرة الجادة المستوحاة من البيتكوين وعلى نحو يمكنها من التغلب على مشاكل السرعة وقابلية التوسع التي تعاني منها البيتكوين.
ونظراً لانخفاض أدائها وجاذبيتها النسبية كوسيلة للدفع، فقد تحولت عملة البيتكوين بشكل متزايد إلى مخزن للقيمة. وساهمت طبيعتها الانكماشية في دعم هذا التوجه؛ حيث إن عدد وحدات البيتكوين المتداولة محدود ومعدل إصدار الرموز الجديدة مقيد بنظام الإجماع الخاص بها. وعندما يزداد الطلب على عملة البيتكوين، وبما أن العرض ثابت، لا بد لسعرها أن يرتفع؛ لذلك فإنه من المغري للغاية امتلاك هذه العملة كوسيلة لتخزين القيمة. في حين أنه من الجدير بالذكر أن تقييم مخزن القيمة يعتمد على توظيفه كوسيلة للتبادل، فإن البيتكوين تتحول من كونها عملة لتصبح أصلاً استثمارياً. بالنسبة للمتحمسين، فإن عملة البيتكوين هي المكافئ الرقمي للذهب، أما بالنسبة للمنظمين، ونظراً لتقلب أسعارها، فهي أقرب إلى الأصول شديدة الاعتماد على المضاربة.
البلوك تشين: التقنية التي تتفوق على تطبيقاتها
لعل التغيير الرئيسي الأخير الذي لاحظته هو تراجع الأهمية النسبية لعملة البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى بشكل مطرد لصالح تنامي أهمية البلوك تشين. ففي عام 2015، قمت بتدريس البلوك تشين لشرح كيفية عمل البيتكوين. أما في عام 2021، فقد قمت بتدريس عملة البيتكوين لتوضيح كيفية عمل البلوك تشين. هذه ليست مجرد مسألة فكرية عصرية، ولكنها تعكس إلى حد كبير تقبل حقيقة أن السجلات اللامركزية (التي تعد البلوك تشين أحد أنواعها) هي تقنية ذات أغراض عامة مع العديد من حالات الاستخدام عبر الصناعات والوظائف، بما يتجاوز العملات المشفرة. في الواقع، لا تحظى العملات المشفرة بسمعة جيدة بين صفوف المصرفيين والمنظمين. ومن ناحية أخرى، يبدو أن البلوك تشين تحمل إمكانات واعدة كبيرة، والعديد من البنوك المركزية تستكشف تطبيقاتها.
وحتى نكون منصفين، ربما ينبغي أن تُنسب الشعبية المتزايدة لتقنية البلوك تشين إلى العملات المشفرة الأخرى أيضاً، مثل إيثر وإيوس، المصممتين لتضمين العقود الذكية. تتسم العقود الذكية بأنها غير موثوقة وذاتية التنفيذ، وتوسع بشكل كبير إمكانات أنظمة الرموز القائمة على البلوك تشين في تطبيقات أخرى تتجاوز عمليات الدفع.
لذلك، بينما في الأيام الأولى لم يكن هناك أي ذكر لتقنية البلوك تشين، التي -بحسب البعض- كانت موجودة بالفعل بشكل ما قبل ظهور البيتكوين، فقد انقلبت الموازين اليوم. ويمكن القول إن تنصيب البلوك تشين على عرش التحول الرقمي القائم حالياً يمثل أكبر تأثير لعملة البيتكوين، حتى الآن على الأقل.
التغييرات الواضحة | التغييرات الأقل وضوحاً |
---|---|
إدراك أوسع لمفهوم البيتكوين | التحول من أفضل وسائل المدفوعات المشفرة إلى أسوئها |
نمو القيمة | التحول من عملة إلى أصل |
شبكة القيمة ذات الكفاءة المتزايدة | تحول التركيز من التطبيق (البيتكوين) إلى التقنية (البلوك تشين) |
العديد من العملات المشفرة | |
ظهور تنظيم البيتكوين |