حول أمازون هالو
كشفت أمازون عن منتجٍ جديد يُضاف إلى سلسلة منتجاتها العتادية (مثل المساعدات الرقمية المنزلية من عائلة إيكو)، وهو منصة مخصصة للّياقة البدنية، تتكون من سوار تتبع لياقة بدنية يمكن ارتداؤه باليد وتطبيق خاص به يمكن استخدامه عبر الهواتف الذكية. تم تسمية المنصة الجديدة هالو (Halo)، وقد طرحت حالياً في سوق الولايات المتحدة الأميركية، ومن المتوقع إطلاقها لاحقاً في الأسواق العالمية.
نظرة عامة حول المميزات
مثل أي جهازٍ آخر مخصص للياقة البدنية، توّفر هالو مجموعة من الخصائص الأساسية التي أصبحت محببة بالنسبة للمستخدمين؛ مثل معرفة عدد الخطوات التي تم قطعها في يوم واحد، وتزويدهم بمعلوماتٍ حول النشاط الرياضي والحركي، وهي الخاصية التي تم تسميتها: نشاط (Activity). بالإضافة إلى ذلك، يوجد خاصية تحليل النوم وتزويد المستخدمين بتقريرٍ يوميّ عن حالة نومهم ومدى كفاءته، وهي الخاصية المسماة: نوم (Sleep). إلى هنا تبدو الأمور معروفة ولا جديد فيها عن أي متتبع لياقة بدنية تقليديّ، إلا أن أمازون عملت على تمييز هالو بشكلٍ كبير عن كافة متتبعات اللياقة البدنية المتوافرة في السوق، وذلك عبر 3 نواحي أساسية: التصميم، والعتاد، والميزات.
نظرة في العمق: ما هو المميز في هالو؟
لنبدأ مع التصميم. لا يوجد شاشة تواصل مع المستخدم في هالو؛ فالجهاز عبارة عن سوار بسيط يمكن ارتداؤه على معصم اليد ويربط مباشرةً مع الهاتف الذكيّ، ولا يمتلك المستخدم أي وسيلة للتواصل مع الجهاز وخصائصه إلا عبر تطبيق الهاتف الذكيّ. ومن غير الواضح سببُ توجه أمازون لهذه الفلسفة التصميمية، قد يكون المبدأ هو تزويد المستخدمين بوسيلةٍ ذات تشويش أقل، بمعنى أن المستخدم سيقوم بتفقد هاتفه فقط من أجل إجراء كافة الأمور التي يريدها، بدلاً من تفقد هاتفه لتفقد الرسائل والتنبيهات، ومن ثم تفقد الساعة الذكية أو متتبع اللياقة البدنية من أجل تفقد النشاط الرياضي.
بالنسبة للعتاد، قامت أمازون بتزويد هالو بأقل عددٍ ممكن من الحساسات اللازمة لأداء مهمات تتبع اللياقة البدنية الخاصة بها. عادةً ما تعتمد الساعات الذكية ومتتبعات اللياقة البدنية على مجموعةٍ من حساسات الحركة والتسارع التي توفر مجموعة من البيانات يمكن عبر تحليلها ومعالجتها معرفة عدد الخطوات التي يقطعها المستخدم بالإضافة لحالته الحركية (جري، ركوب على دراجة، مشي، صعود على الدرج). بالتحديد، فإن هالو غير مزودة بشريحة خاصة بنظام تتبع المواقع العالميّ (GPS) وهو ما يعني عادةً صعوبةً في القدرة على تتبع الحركة وحالتها بشكلٍ دقيق، وبدلاً من ذلك، فإن الجهاز مزود فقط بحساس تسارع وحساس حرارة وحساس لنبض القلب، وذلك بحسب الإعلان الرسميّ عن هالو من أمازون.
فضلاً عن ذلك، لا تمتلك هالو تقنياتٍ متقدمة تتيح تزويد المستخدمين بمعلوماتٍ صحية عالية الأهمية، مثل خاصية تخطيط القلب الكهربائيّ التي تتيحها ساعة آبل الذكية أو ساعة سامسونج الذكية. فما هو البديل بالنسبة لأمازون؟ تقول الشركة ضمن الإعلان الرسميّ إنها اعتمدت على معلومات وتوصيات الهيئات الصحية في الولايات المتحدة الأميركية لتزويد هالو بقدرات تحليل برمجية متقدمة مبنية على الذكاء الاصطناعي، تستطيع فهم الحالة الحركية للمستخدم بشكلٍ دقيق، مثل إن كان يصعد الدرج أو في حالة تسلق أو مشي بسيط أو جري. من الصعب في الوقت الحاليّ الحكم على مدى كفاءة هالو في توفير معلومات صحية وحركية دقيقة في غياب بعض الحساسات وبالاعتماد فقط على قدرات الذكاء الاصطناعيّ.
كل ما سبق يقودنا للنقطة الأبرز التي جلبت الضجة الكبيرة لأمازون ومنصة هالو، وهي ميزات التعرف والتحليل الجديدة، وتحديداً، نقصد هنا خاصية تحليل الحالة النفسية للمستخدم ومعرفة مشاعره، بالإضافة لتحليل جسمه وتزويده بمعلومات حول وزنه. بالنسبة للميزة الأولى، أي تحليل وفهم الحالة العاطفية للإنسان، فهي تتم عبر ميكروفونين مدمجين ضمن هالو، يعملان طوال الوقت ويسجلان كلام المستخدم وتحليله في مختلف ساعات النهار، ومن ثم يتم إرسال هذه المعلومات إلى الهاتف الذكيّ، حيث يحلل تطبيق هالو هذه المعلومات لمحاولة فهم حالة المستخدم النفسية من نبرة حديثه، بالإضافة لمعلوماتٍ أخرى: هل هو سعيد؟ متحمس؟ غاضب؟ حزين؟ مكتئب؟ محبط؟ لا تقتصر هذه الخاصية على وقت محدد، بل تعمل على مراقبة حالة المستخدم في كل ساعات النهار وإخباره بنهاية اليوم كيف تبدلت مشاعره خلال الأوقات المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، تجد أمازون أن أهمية هذه الخاصية -التي تم تسميتها: نبرة (Tone)- تتمثل في تزويد المستخدمين بخلاصةٍ يومية تُعلِمهم بكيفية تقلب مشاعرهم بحسب المواقف التي تعرّضوا لها، وكيف يؤثر ذلك على مختلف نشاطاتهم، مثل مشكلة ما في العمل أدت لتوليد حالة غضب قد تنعكس لاحقاً على التسبب في مشكلةٍ داخل المنزل مع أفراد العائلة.
الخاصية الثانية الفريدة في هالو هي القدرة على تحليل جسم المستخدم وتوفير معلومات للمستخدم حول الوزن، وما إن كان هناك وزن زائد أو حالة بدانة أو حالة صحية طبيعية. يتم هذا الأمر عبر تطبيق هالو نفسه، الذي يستطيع التقاط صور مختلفة للمستخدم وبناء مجسم ثلاثي الأبعاد له، مزود بمعلومات الوزن والصحة. سميت هذه الخاصية باسم: جسم (Body)، وهي تركز بشكلٍ أساسيّ على نسبة الشحوم في الجسم، وعلى مؤشر كتلة الجسم (BMI). وبحسب أمازون، فإن هالو قادرة على حساب هذه العوامل بدقةٍ مشابهة لتلك التي يتم إجراؤها في عيادات الأطباء. وتشغيل هذه الخاصية بسيط، فكل ما يتطلبه الأمر من المستخدمين هو ارتداء أقل كمية من الملابس بحيث تكون تفاصيل الجسم ظاهرة وواضحة، ومن ثم الوقوف أمام كاميرا الهاتف الذكيّ بعد تشغيل تطبيق هالو، وتفعيل خاصية Body، وعندها سيقوم تطبيق هالو بإعلام المستخدمين عن الخطوات الضرورية لإجراء عملية المسح.
الخاصية الثالثة التي تتميز بها منصة هالو هي المختبرات (Labs)، وهي عبارة عن تحديات وتجارب تتيح اكتشاف أمثل وأفضل العادات الصحية التي تناسب المستخدمين، كأن يكتشف مستخدمٌ ما أن التوقف عن شرب السوائل التي تحوي الكافيين بعد ساعةٍ محددة سيؤدي إلى تحسين نمط النوم لديهم، يستطيع المستخدمون الاختيار بين الاختبارات التي يوفرها خبراء هالو، أو اختبارات صحية لشخصيات وجهات لياقة بدنية أخرى.
نظرة أكثر عمقاً: الجانب المخيف في أمازون هالو
لو فكرنا بالأمر للحظة، فإن أبرز الخصائص التي توفرها أمازون هالو مرتبطة بشكلٍ عميق بخصوصية المستخدم؛ فمعرفة المشاعر والحالة النفسية يتطلب السماح لميكروفونات هالو بالإنصات لكلامنا وكل الأمور التي تقال حولنا وتحليلها بشكلٍ مستمر ومتواصل، أما ميزة معرفة حالة ووزن الجسم فتتطلب تزويد هالو بشكلٍ دوريّ بصورٍ شبه عارية للمستخدمين.
بحسب أمازون، فإنه لا يوجد أي مبرر للخوف والقلق على البيانات التي يقوم المستخدمون بجمعها. وبالنسبة لميزة تحليل الكلام، تقول أمازون إن عملية تحليل الصوت تتم بشكلٍ محليّ على هاتف المستخدم ولا يتم مشاركة بيانات الحديث مع أي مخدم أو خدمة سحابية، كما أن التطبيق مزود بخاصية حذف تلقائيّ للبيانات بعد الانتهاء من معالجتها، أي أنه لا يتم الاحتفاظ بأي معلومات أو بيانات خاصة بحديث المستخدم. علاوةً على ذلك، تتيح أمازون للمستخدمين تحكماً كاملاً في هذه الخصائص من ناحية تشغيلها أو إلغاء تشغيلها.
استمراراً مع تطمينات أمازون المتعلقة بخصوصية بيانات المستخدمين، تقول الشركة إن الحساب الذي ينشئه المستخدم لاستخدام هالو منفصلٌ تماماً عن حسابه على خدمة التسوق على أمازون، خصوصاً الخدمة المتقدمة مثل أمازون برايم، وبالتالي -وفي حال مشاركة حساب برايم مع أشخاص آخرين- فإنهم لن يكونوا قادرين على مشاهدة المعلومات الشخصية الخاصة بحساب أمازون هالو، وبالنسبة للصور التي يتم توليدها من خدمة Body، فهي مشفرة بالكامل ولا يتم مشاركتها مع التطبيقات الأخرى على الهاتف الذكيّ (إلا إذا قام المستخدم بذلك صراحةً)، كما أنه لا يتم الاحتفاظ بها على مخدمات أمازون. وأخيراً، تقول الشركة إنها ستوفر مستندات مفصلة تتضمن معلومات حول الآلية التي يتم عبرها معالجة وتخزين وحذف البيانات التي يجمعها هالو.
ومن خلال متابعة الإعلان الرسمي لهالو من أمازون، سيكون من السهل ملاحظة تركيز الشركة الأميركية على إرسال تأكيدات وتطمينات بأنه لا يوجد أي مخاوف على الخصوصية، والحديث عن الإجراءات التي تم اتخاذها لضمان خصوصية بيانات المستخدمين. قد يكون هذا كافياً للبعض، خصوصاً المتحمسين لخصائص متقدمة مثل هذه، ولكن فكرة مشاركة معلومات بهذه الحساسية مع تطبيقٍ رقميّ قد لا تزال فكرة غير محببة أو مرفوضة كلياً لدى الكثيرين، وقد لا يجد المستخدمون مشكلة بمشاركة معلومات مثل هذه مع هالو، طالما أنها محمية ولن يتم مشاركتها مع أي جهة أخرى. بالنتيجة، ولو فكرنا في الموضوع للحظة، وبعد الفضائح المتتالية المتعلقة بانتهاك خصوصية بيانات المستخدمين واستغلالها بشكلٍ سيئ، لا يزال فيسبوك ملكاً لشبكات التواصل الاجتماعيّ، ولا يزال عدد مستخدميه في تزايد، وهو ما يشير إلى أن القلق على الخصوصية والحفاظ على بيانات المستخدمين يعد مشكلة، ولكنها ليست مشكلة غالبية المستخدمين، مع الأسف.