نشرة خاصة من إيرنست ويونغ
أثناء قيادتنا للجهود الخاصة بتجربة العملاء في إحدى المؤسسات الكبرى بمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي -وبعد الكثير من التجارب والأخطاء- توصلنا إلى استنتاج مفاده أنه لا يوجد مقياس واحد يمكنه تناول جميع الخصائص التي تحفز دعم العملاء. لذا، تحدينا أنفسنا في أن يكون تحليلنا النقدي أكثر عمقاً في تناوله للقضايا والمشاكل التي تواجه قياس تجربة العملاء.
وقد انتهى تحليلنا إلى ملاحظة رئيسية واحدة، وهي: "ما مدى نجاح المؤسسات في الاستماع إلى عملائها؟".
درجت الحكومات والهيئات العامة على الاعتماد على بيانات المستخدمين التي تم جمعها عن طريق الدراسات الاستقصائية ومجموعات التركيز. وتميل هذه الأساليب التقليدية إلى الجمود والتدخل المباشر، الأمر الذي يجعل مقدمي الردود واعين، وهو ما يؤثر على ردودهم. على سبيل المثال، يميل بعض الناس إلى تجنب إعطاء ملاحظات سلبية، بينما يبرع البعض الآخر في المبالغة في الجوانب السلبية وتجاهل العناصر الجيدة للخدمة.
كما يؤثر توقيت الملاحظات على جودة الرد. متى كانت آخر مرة قدمت فيها ملاحظات دقيقة حول خدمة تلقيتها منذ عدة أيام؟
إحدى المشاكل الرئيسية الأخرى هي معدل الردود. وقد تحققت من بعض أصدقائي وأفراد عائلتي مما إذا كانت المؤسسات الحكومية في محل إقامتهم قد طلبت منهم إبداء ملاحظات، فجاء الرد مدوياً: "... نعم، أتلقى أحياناً بريداً إلكترونياً أو رسالة نصية قصيرة، لكنني لا أرد عليها". وأنا لم أتحدث هنا حتى عن طبيعة العلاقة وتأثيرها على الملاحظات.
إذن، كيف يمكنك معالجة هذه المشاكل وضمان الحصول على نتائج موثوقة من الاستماع إلى العملاء؟
الجواب: اعقد صداقة مع التكنولوجيا الرقمية
ينبغي استخدام أقصى إمكانات التكنولوجيا الرقمية في مختلف نواحي سلسلة القيمة الخاصة بإدارة تجربة العملاء. وسواء كان الأمر يتعلق بتمكين العملاء من تقديم الملاحظات أو مساعدة مؤسستك على الاستماع إليهم بشكل استباقي، فإن الأدوات والقنوات الرقمية توفر في كثير من الأحيان طرقاً جديدة لجعل التفاعلات أكثر يسراً.
وقد خطت المؤسسات بالفعل خطوات واسعة نحو جمع البيانات في الزمن الحقيقي، وإجراء اتصالات تفاعلية وجذابة بصرياً باستخدام الهواتف الذكية وأجهزة الاستشعار والتقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي.
على سبيل المثال، عندما أستخدم خدمة أوبر، يدرك التطبيق توقيت انتهاء الخدمة ويسأل على الفور عن تجربتي في الركوب. وبما أن التجربة لا تزال حديثة ومن السهل للغاية تقديم ملاحظاتي، فعادة ما ينتهي بي الأمر بالرد. وعلى نفس المنوال، يُمكن للمؤسسات -من خلال استخدام أجهزة الإرشاد وتكنولوجيا نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الموجودة في الهواتف الذكية- أن تطلب الحصولَ على ملاحظات مُخصصة في الزمن الفعلي عند استخدام خدمة معينة، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الردود وتوفير بيانات أكثر موثوقية.
وتوفر الإمكانات الحقيقية للتكنولوجيا الرقمية طرقاً لا تعتمد على التدخل المباشر للاستماع إلى تجربة الناس وفهمها.
وسأعرض في الأمثلة التالية كيف يمكن الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية لفهم انطباعات الناس بطريقة لا تعتمد على التدخل المباشر، وذلك بهدف التعرف على آرائهم في الزمن الفعلي وبشكل أكثر دقة.
1- قياس تعبيرات الوجه
قامت سلسلة الفنادق كامبانيل في إسبانيا بتركيب نظام لقياس تعبيرات وجوه نزلائها. وتجمع أجهزة الاستشعار التي تم تركيبها في مكتب الاستقبال بالفندق بين الفيديو والأشعة تحت الحمراء للكشف عن الانفعالات التي تظهر على وجوه النزلاء. وفي وقت لاحق، يعالج نظام تحليلي هذه البيانات لتقييم تجربة النزيل في الفندق. وبنفس الطريقة، تعكف صناعة الرعاية الصحية أيضاً على اختبار ودمج تقنيات تعتمد على أجهزة الاستشعار، للوقوف على مستوى الألم الذي يشعر به الأطفال والبالغين عن طريق تصوير تعبيرات وجوههم، وهو الأمر الذي سيُتيح لمقدمي خدمات الرعاية الصحية تحسين إدارة الألم وتحسين تجربة المريض.
2- قياس الانفعالات اللفظية
تستخدم شركة متلايف برنامج الذكاء الاصطناعي كوجيتو (Cogito) لفهم التغييرات التي تظهر في نبرة العملاء وانفعالاتهم أثناء التحدث إلى ممثلي خدمة العملاء. ويتتبع البرنامج ردود الفعل التي تصدر عن كلٍ من العملاء وممثلي متلايف، ويقدم تلميحات لتعديل المحادثة في الزمن الفعلي. وبالمثل، قامت مؤسسة (State Collection Service) -التي تدير مجموعات من شركات الرعاية الصحية المختلفة في الولايات المتحدة- بتثبيت أداة لمراقبة المكالمات الهاتفية في الزمن الفعلي. وتستخدم هذه الأداة تقنية تحليل الكلام، وتقترح على ممثلي خدمة العملاء نقاط الحوار بناءً على انفعالات العميل.
3- قياس الآراء على وسائل التواصل الاجتماعي
نظراً لكون وسائل التواصل الاجتماعي تمثل ميداناً يستخدمه المسوقون الإلكترونيون ومنافسوهم للترويج للمنتجات والخدمات، فإنها توفر للمؤسسات أيضاً فرصة لفهم انطباعات الناس. وعندما أطلق بنك باركليز تطبيقه الهاتفي بينجيت (Pingit) -وهو تطبيق لتحويل الأموال في المملكة المتحدة يعتمد على رقم الهاتف المحمول- كانت ردود العملاء إيجابية إلى حد كبير. غير أن تحليلاً للآراء المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي أوضح أن بعض العملاء لم يكونوا راضين عن التطبيق؛ لأن أولئك الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً لا يمكنهم استخدامه. وقد سمحت هذه المعلومات لبنك باركليز بتصحيح المشكلة في غضون أيام قليلة من إطلاق التطبيق.
4- مراقبة كيفية وصول العملاء إلى خدماتك
مع تزايد استخدام مواقع الإنترنت وتطبيقات الهواتف المحمولة في تقديم الخدمات الإلكترونية، مكّنت التحليلات المتقدمة مقدمي الخدمات من فهم كيفية استخدام العملاء للواجهة بشكل أفضل. على سبيل المثال، عندما استعانت شركة بولي ماكس (Bullymax) -المتخصصة في المكملات الغذائية للكلاب- بخدمة تحليلات جوجل (Google Analytics)، اكتشفت أن 18.23% فقط ممن يستخدمون الهواتف المحمولة لزيارة موقعها الإلكتروني يصلون إلى صفحة عربة التسوق. وبعد إجراء المزيد من التحليل، أصبح من الواضح أن صفحة بيع المنتج لم تكن سهلة الاستخدام، وهو ما تسبب في هذا الانخفاض. وقد ساعدت المعلومات التي تم جمعها في وضع تصميم مريح استناداً إلى رحلة العميل في الموقع، وهو الأمر الذي ساعدهم على زيادة معدل الوصول إلى المنتج بنسبة 24.5%.
لا يوجد سبب يمنع القطاع العام من تبني هذه التقنيات الرقمية وما يماثلها من التقنيات التي لا تعتمد على التدخل المباشر. ويُمكن للحكومات عن طريق هذه التقنيات تتبُّع تفاعلات المستخدمين، سواء حدثت هذه التفاعلات في نقطة اتصال مادية أو بين أشخاص يتنزهون في حديقة أو شارع أو في قاعة بلدية أو مجموعة تركيز. كما يُمكن بعد ذلك استخدام هذه النتائج جنباً إلى جنب مع البيانات التي تم جمعها بالطرق التقليدية لبناء نظام قياس أكثر قوة وموثوقية.