كيف يساعد انخفاضُ تكاليف إنتاج الطاقة الشمسية في إحياء الآمال المعقودة على الهيدروجين النظيف؟

5 دقائق
محطة فويزتالباين إتش تو فيوتشر (H2FUTURE) لإنتاج الهيدروجين الأخضر في لينز، النمسا.

يتزايد تعويل العالم على وقود الهيدروجين الأخضر لملء بعض الأجزاء المفقودة المهمة في أحجية الطاقة النظيفة.

تدعو خطة المناخ التي وضعها المرشح الرئاسي الأميركي جو بايدن إلى إعداد برنامج بحثي لإنتاج شكل نظيف من الغاز الرخيص بما يكفي لتزويد محطات الطاقة بالوقود في غضون عقد من الزمن. وبالمثل، نشرت كل من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا والاتحاد الأوروبي خرائط طريق تعتمد على الهيدروجين لتسريع تخفيض غازات الدفيئة في قطاعات الطاقة أو النقل أو الصناعة. وفي الوقت نفسه، يقوم عدد متزايد من الشركات حول العالم ببناء محطات أكبر من أي وقت مضى من أجل إنتاج الهيدروجين الأخضر، أو استكشاف قدرته على إنتاج الصلب، أو استخدامه لتصنيع وقود طيران حيادي كربونياً، أو استغلاله لتوفير مصدر طاقة احتياطي لمزارع المخدِّمات.

لا شكّ أن الهيدروجين يمثل خياراً مغرياً؛ إذ يمكن لهذا العنصر الأكثر وفرة في الكون أن يمدّ مركباتنا بالوقود، ويشغِّل محطاتنا الكهربائية، ويوفِّر طريقة لتخزين الطاقة المتجددة دون ضخ ثاني أكسيد الكربون الذي يتسبب في تغير المناخ أو الملوثات الأخرى (تجدر الإشارة هنا إلى أن الماء هو المنتج الثانوي الوحيد لاستخدامه في السيارات والشاحنات). ولكن في حين أن الباحثين قد هلَّلوا للإمكانات الواعدة التي يوفرها "الاقتصاد القائم على الهيدروجين" لعقود من الزمن، إلا أنه بالكاد أثَّر في الطلب على الوقود الأحفوري، ولا يزال يُنتج معظمه تقريباً من خلال عملية ملوِّثة كربونياً وتنطوي على استخدام الغاز الطبيعي.

لقد واجهت الرؤية الكبرى للاقتصاد القائم على الهيدروجين معوقات عدة، منها: التكاليف المرتفعة لإنشاء شكل نظيف منه، والاستثمارات الضخمة التي قد نحتاجها في المركبات والآلات والأنابيب قبل أن تصبح صالحة للتطبيق، والتقدم المُحرز في البدائل المنافسة لتخزين الطاقة مثل البطاريات.

إذن، ما الدافع وراء تجدد الاهتمام بالهيدروجين الأخضر؟

يعود أحد الأسباب إلى التغير السريع الجاري في تكاليف العملية؛ حيث يمكننا إنتاج الهيدروجين مباشرة وببساطة عن طريق تفكيك الماء في عملية تعرف باسم التحليل الكهربائي، لكنها باهظة التكلفة لسبب رئيسي، هو حاجتها إلى الكثير من الكهرباء. ومع استمرار الانخفاض السريع في أسعار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، سيتم النظر إلى عملية إنتاج الهيدروجين على أنها قابلة للتطبيق عملياً بدرجة أكبر بكثير من ذي قبل.

وفي الوقت نفسه، مع قيام المزيد من الدول بإجراء الحسابات المعقدة حول كيفية تحقيق الأهداف الطموحة بشأن تخفيض الانبعاثات في العقود المقبلة، يكتسب خيار الاعتماد على الهيدروجين الأخضر أهمية متزايدة، كما تقول جوان أوجدن، مديرة برنامج مسار طاقة النقل المستدامة في جامعة كاليفورنيا في ديفيس. ويمثل هذا الخيار أداة مرنة قد تساعد في تنظيف مجموعة من القطاعات التي ما زلنا لا نملك فيها حلولاً معقولة التكلفة وجاهزة للتطبيق مثل قطاعات الطيران والشحن وإنتاج الأسمدة وتخزين الطاقة طويل الأمد لاستخدامها في شبكة الكهرباء.

انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة

لكن في الوقت الحالي، يعد الهيدروجين النظيف مكلفاً للغاية في معظم الحالات؛ حيث وجدت ورقة بحثية حديثة أن الاعتماد على الطاقة الشمسية لتشغيل المحلِّل الكهربائي الذي يفكِّك الماء يمكن أن يكلّف ستة أضعاف تشغيله بالاعتماد على عملية الغاز الطبيعي، والمعروفة باسم إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار.

وهناك الكثير من خبراء الطاقة الذين يؤكدون أن التكاليف الإضافية والتعقيدات المتعلقة بإنتاج وتخزين واستخدام شكل نظيف قائم على الهيدروجين تعني أنها لن تبصر النور حقاً فيما عدا بعض حالات الاستخدام الهامشية.

غير أن الخبر السار يتمثل في أن الكهرباء تشكل في حدّ ذاتها حصةً كبيرة من التكلفة تصل إلى 60% أو أكثر، ونذكِّر مرة أخرى أن تكاليف مصادر الطاقة المتجددة تنخفض بسرعة. ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن تنخفض تكاليف أجهزة التحليل الكهربائي نفسها بشكل حاد مع قيام الشركات المصنعة بتوسيع الإنتاج، كما تعمل مجموعات بحثية مختلفة على تطوير إصدارات متقدمة من هذه التكنولوجيا.

كما وجدت ورقة بحثية نشرتها مجلة نيتشر إنيرجي (Nature Energy) مطلع العام الماضي أنه إذا تواصلت التوجهات الحالية للسوق، فقد يصبح الهيدروجين الأخضر قادراً على المنافسة اقتصادياً على المستوى الصناعي في غضون عقد من الزمن. وبالمثل، تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن تنخفض تكلفة الهيدروجين النظيف بنسبة 30% بحلول عام 2030.

محطة فويزتالباين إتش تو فيوتشر (H2FUTURE) لإنتاج الهيدروجين الأخضر في لينز، النمسا.
مصدر الصورة: فويزتالباين

ربما يكون الهيدروجين الأخضر بالفعل معقول التكلفة تقريباً في بعض الأماكن حيث تؤدي فترات التوليد المتجدد الفائض إلى خفض تكاليف الكهرباء إلى ما يقارب الصفر؛ ففي مذكرة بحثية الشهر الماضي، كتب محللو مورجان ستانلي أن بناء منشآت الهيدروجين الخضراء في جوار مزارع الرياح الرئيسية في الغرب الأوسط الأميركي وتكساس يمكن أن يجعل تكلفة الوقود تنافسية في غضون عامين.

كما وجدت دراسة أجراها المختبر الوطني الأميركي للطاقة المتجددة في يونيو أن الأمر قد يستغرق حتى حوالي منتصف القرن قبل أن يصبح الهيدروجين أقل التقنيات تكلفة من حيث التخزين طويل الأمد على الشبكة الكهربائية. ولكن بما أن المصادر المتقلبة للطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح قد أصبحت المصدر المهيمن للكهرباء، فإنه ينبغي على المنشآت تخزين طاقة كافية للحفاظ على عمل الشبكة الكهربائية بشكل موثوق ليس لبضع ساعات فحسب، وإنما لأيام وحتى لأسابيع خلال أشهر معينة عندما تنخفض الطاقة التي تنتجها هذه المصادر.

يقول جوشوا إيتشمان، كبير مهندسي الأبحاث في المختبر وأحد مؤلفي الدراسة، إن الهيدروجين يبرز في ذلك السيناريو مقارنة بتقنيات التخزين الأخرى؛ نظراً للتكاليف الزهيدة نسبياً عند إضافة المزيد من سعة التخزين، حيث إن زيادة المدة التي تستطيع البطاريات خلالها توفير الكهرباء بشكل موثوق تنطوي على تكديس المزيد من البطاريات، وهو ما يضاعف تكلفة كل جزء باهظ الثمن بداخلها. أما باستخدام الهيدروجين، كما يقول إيتشمان، فإننا نحتاج فقط إلى بناء خزان أكبر، أو استخدام كهف أعمق تحت الأرض.

استخدام الهيدروجين والاستفادة منه

حتى نتمكن من الاستبدال الكامل للوقود الباعث للكربون بالهيدروجين، لابدّ من مراجعة وإصلاح بنيتنا التحتية حتى تصبح قادرة على توزيعه وتخزينه واستخدامه. وسينبغي علينا إنتاج مركبات وسفن تضمّ خلايا وقود قادرة على تحويل الهيدروجين إلى كهرباء، بالإضافة إلى حاجتنا إلى محطات تزود بالوقود على طول الموانئ والطرقات. وسيتوجّب علينا تكديس خلايا الوقود أو بناء أو تعديل محطات الطاقة لاستخدام الوقود لتشغيل الشبكة الكهربائية بشكل مباشر.

سيتطلب كل ذلك بذل الكثير من الوقت والمال.

ولكن هناك سيناريو آخر يزيح -أو يؤخِّر- الكثير من هذه الإصلاحات في البنية التحتية؛ إذ إنه بمجرد الحصول على الهيدروجين، يكون من السهل نسبياً دمجه مع أول أكسيد الكربون لإنتاج أشكال اصطناعية من الوقود التي تشغِّل بالفعل سياراتنا وشاحناتنا وسفننا وطائراتنا. ويعود تاريخ العملية الصناعية للقيام بذلك إلى قرن من الزمن، وقد استخدمتها الدول التي تعاني من ضائقة بترولية في أوقات مختلفة لإنتاج الوقود من الفحم أو الغاز الطبيعي.

المحطة التجريبية لشركة كربون إنجنيرينج في سكواميش، كولومبيا البريطانية.
مصدر الصورة: كربون إنجنيرينج

يقع مقر شركة كربون إنجنيرينج (Carbon Engineering) في سكواميش بكولومبيا البريطانية، وهي تعمل على تطوير منشآت لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء، وتخطط لدمجه مع الهيدروجين الخالي من الكربون لصنع وقود اصطناعي. وتكمن الفكرة في أن الوقود سيكون محايداً كربونياً، أي أنه لن ينبعث منه كميات من ثاني أكسيد الكربون تفوق ما تمت إزالتها أو إنتاجها خلال العملية.

وأثناء عرض تقديمي في مؤتمر كوديكس (Codex) أواخر العام الماضي، قال مؤسس كربون إنجنيرينج والأستاذ بجامعة هارفارد، ديفيد كيث، إنه من المفترض أن يمكِّنهم انخفاض أسعار الطاقة الشمسية من جلب "استخلاص الوقود من الهواء" إلى السوق بسعر دولار واحد للّتر في منتصف 2020، وأضاف أن هذا السعر سيواصل انخفاضه من هذا المستوى.

وقال كيث: "إن الخبر الهام في هذا السياق هو أنه يمكن إنجاز ذلك مع بدء توافر المعدات التقنية الرخيصة نسبياً والمتاحة على نطاق واسع قريباً. وأعتقد أنه يمكن الوصول إلى إنتاج ما يقرب من مليون برميل يومياً من الطاقة الهيدروكربونية الاصطناعية القائمة على استخلاص الوقود من الهواء بعد عام 2030 مباشرة. وعند تحقيق ذلك، لا توجد حدود واضحة لإمكانية التوسع".

في الواقع، توفر هذه العملية طريقة لتحويل الطاقة الشمسية المتقلبة وقصيرة الأمد إلى وقود قابل للتخزين بشكل دائم ويمكن استخدامه لملء خزانات الوقود لأيٍّ من آلاتنا؛ حيث يقول كيث: "يتعلق الأمر بأسلوب لإنتاج الطاقة يتيح التعامل مع مشكلة التقطّع بطريقة تسمح لنا بتلبية الاحتياجات إلى كثافة الطاقة العالية في جميع أنحاء العالم، وتمكِّننا من التحليق بالطائرات عبر شمال الأطلسي".

المحتوى محمي