تم تشخيص إصابة ناثان تريف بمرض السكري من النوع الأول عندما كان عمره 24 عاماً، ورغم أنه مرض وراثي، إلا أن له أسباباً معقدة؛ وذلك بسبب ارتباط أكثر من جين واحد به، كما أن للبيئة دوراً فيه أيضاً.
إذن فلا يمكن معرفة من الذي سيصاب بالمرض؛ فقد عانى جدُّ تريف منه وخسر قدمه بسببه، ولكن أطفال تريف الصغار الثلاثة لا يعانون منه حتى الآن، وهو يأمل في ألا يُصابوا به بعد ذلك.
والآن يعمل تريف -وهو مختص في التلقيح الاصطناعي- على طريقة جذرية لتغيير الاحتمالات؛ حيث تعتقد شركة جينوميك بريديكشن (Genomic Prediction) الناشئة التي يعمل معها أن من الممكن -باستخدام نماذج الكمبيوتر واختبارات الحمض النووي معاً- التنبؤ بالأجنة في أنابيب المختبر، والتي من المرجح أن تُصاب بالسكري من النوع الأول أو غيره من الأمراض الأخرى المعقدة. ويمكن للأطباء والآباء بفضل هذه النتائج الإحصائية أن يختاروا تجنُّب الأجنة ذات الدرجات الضعيفة.
كما تقوم عيادات التلقيح الاصطناعي بالفعل باختبار الحمض النووي للأجنة؛ من أجل الكشف عن الأمراض النادرة -مثل التليُّف الكيسي- والناجمة عن عيوب في أحد الجينات، لكن هذه الاختبارات "السابقة للانغراس" على وشك الاستعداد لقفزة هائلة إلى الأمام؛ حيث يصبح من الممكن دراسة جينوم الجنين بعمق أكثر، وخلق توقعات إحصائية واسعة حول ما سيصبح عليه الشخص.
ويقول العلماء إن هذا التقدم يحدث بفضل الكمية المتزايدة من البيانات الجينية التي يتم جمعها من الدراسات السكانية الكبيرة، وإن النماذج الإحصائية المعروفة باسم "التنبؤات" تصبح أكثر دقة في تحديد الأنماط الجينية التي تُنذر بوجود خطر للإصابة بالمرض؛ وذلك لأنها تحتوي بشكل متزايد على الحمض النووي والمعلومات الصحية لمئات الآلاف من الأشخاص، إلا أن لها جانباً مثيراً للجدل؛ حيث يمكن استخدام نفس التقنيات في إظهار الطول والوزن ولون الجلد وحتى ذكاء جنين التلقيح الاصطناعي.
وإن مؤسِّسي جينوميك بريديكشن هم ستيفن شو (وهو فيزيائي يشغل منصب نائب رئيس الأبحاث في جامعة ولاية ميشيغان)، ولوران تيلير (وهو دانمركي متخصص في مجال المعلوماتية الحيوية، والمدير التنفيذي للشركة)، بالإضافة إلى تريف (وهو المسؤول العلمي الرئيسي في الشركة). وقد شارك كل من شو وتيلر عن كثب في أحد المشاريع في الصين، والذي يهدف إلى إجراء تسلسل لجينومات العباقرة في الرياضيات، آملين أن يلقي ذلك الضوء على الأساس الجيني لمعدل الذكاء.
اكتشاف القيم المتطرفة
وتعتمد خطط الشركة على موجة كبيرة من المعرفة الجديدة التي تُظهر كيف يمكن أن تتراكم الاختلافات الجينية الصغيرة عند أحد الأشخاص دون غيره، فتجعله أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري، أو تحديد مزاجه العصبي، أو مدى طوله أو قِصره. ويتم بالفعل استخدام "درجات المخاطر متعددة الجينات" في اختبارات الجينات المباشرة للمستهلكين؛ مثل تقارير شركة 23 أند مي (23andMe) التي تُخبر العملاء بالاحتمال الجيني لأن يكونوا من ذوي الوزن الزائد.
وإن درجات المخاطر بالنسبة للكبار ليست أكثر من مجرد شيء مبتكر أو مصدر للمشورة الصحية التي يمكنهم تجاهلها، ولكن إذا تم استحداث نفس المعلومات بالنسبة للجنين، فقد يؤدي ذلك إلى عواقب وجودية؛ أي اختيار مَن سيُولد ومن سيبقى في آلة التجميد في المختبر.
يقول تريف (وهو خبير حائز على إحدى الجوائز في مجال تقنيات التشخيص، ومؤلف لأكثر من 90 ورقة علمية): "أذكِّر شركائي دائماً بأن هذا الاختبار لو كان متاحاً لوالديَّ، فلن أكون هنا الآن".
وقد تأسست شركة جينوميك بريديكشن في عام 2017، وجمعت الأموال من أصحاب رؤوس الأموال المغامرين في وادي السليكون (على الرغم من أنه يرفض التصريح عن هُويَّاتهم)، ويقول تيلير -الذي كان فيلم الخيال العلمي جاتاكا هو مصدر إلهامه- إن الشركة تخطط لتقديم تقارير لأطباء التلقيح الاصطناعي والآباء تحدِّد "القيم المتطرفة"؛ أي الأجنة التي تصنِّفها درجاتها الجينية في الطرف الخاطئ للمنحنى الإحصائي للاضطرابات، مثل مرض السكري، والمرحلةِ المتأخرة من هشاشة العظام، والفصام، والتقزم، وهذا يتوقف على مدى دقة النماذج الموجودة لتلك المشاكل.
إن مفهوم الشركة -الذي تُطلِق عليه الاختبار الجيني الموسَّع قبل الانغراس (ePGT)- من شأنه أن يضيف بشكل فعال مجموعةً من المخاطر الشائعة في الأمراض إلى قائمة الأنواع النادرة المتوافرة بالفعل، والتي تخطط أيضاً لاختبارها، كما تستخدم موادها الترويجية صورةً لجبل جليدي مغمور في معظمه من أجل فهم الفكرة، ويقول تيلير: "إننا نعتقد أن ذلك سيصبح جزءاً تقليدياً من عملية التلقيح الاصطناعي"، مثلما يعد الاختبار لمتلازمة داون جزءاً تقليدياً من الحمل.
وقال بعض الخبراء الذين اتصلت بهم إم آي تي تكنولوجي ريفيو إنهم يعتقدون أن تطبيق تقنية الدرجات متعددة الجينات في عيادات التلقيح الاصطناعي سابقة لأوانها، على الرغم من أنه قد لا يكون بعيداً جداً؛ حيث يقول ماثيو رابينوويتس (الرئيس التنفيذي لشركة ناتيرا "Natera" المتخصصة في اختبارات ما قبل الولادة، ومقرها في كاليفورنيا) إنه يعتقد أن التنبؤات التي تم الحصول عليها في الوقت الحالي يمكن أن تكون "مضللة إلى حد كبير"؛ وذلك لأن نماذج الحمض النووي لا تعمل بشكل جيد بما يكفي، لكن رابينوويتس يوافق على أن هذه التقنية قادمة.
كما يقول: "إن النماذج الجينية لن تتوقف، ولن يتوقف الناس عن الوصول إليها، بل إنها ستستمر في أن تصبح أفضل وأفضل".
أسئلة حادة
إن اختبار الأجنَّة للكشف عن مخاطر الأمراض -بما فيها مخاطر الأمراض التي لا تحدث سوى في وقت متأخر من الحياة- يعتبر مقبولاً من الناحية الأخلاقية من قِبل أطباء الخصوبة في الولايات المتحدة، لكن نماذج درجات الحمض النووي الجديدة تعني أن الآباء قد يتمكنون من اختيار أطفالهم اعتماداً على بعض الصفات مثل معدل الذكاء أو وزنهم وهم كبار، ويعود ذلك إلى أن هذه الصفات -مثل مرض السكري من النوع الأول- هي نتيجة لتأثيرات جينية معقدة، والتي صُمِّمت خوارزميات التنبؤ لإيجادها.
تقول ميشيل ماير (المتخصصة في الأخلاقيات الحيوية في مؤسسة جايسينجر هيلث سيستم (Geisinger Health System) التي تحلل المشاكل المتعلقة بالوراثة التكاثرية): "إنه أمر صغير، ولكن له عواقب كبيرة؛ لأنه إذا كان يتم إجراء ذلك من أجل شيء أكثر خطورة، فسيكون من السهل جداً البحث عن أي شيء آخر؛ فهذا هو ملف الجينوم الخاص بكل جنين، وما عليك سوى البحث في صفحاته"، فتخيَّل إمكانية اختيار أن يرتاد الجنين جامعة هارفارد مثل أمه، أو يكون طويل القامة مثل أبيه.
وبالنسبة لشركة جينوميك بريديكشن (وهي عبارة عن شركة صغيرة ناشئة ولا يوجد مقرها في حاضنة التكنولوجيا في نيوجيرسي) فإن مثل هذه الأسئلة سوف يتم طرحها بدقة، ويرجع ذلك إلى اهتمام شو منذ زمن طويل بالانتقاء الجيني للذكاء الفائق.
فقد كتب شو في عام 2014 مقالة بعنوان "البشر فائقو الذكاء قادمون"؛ حيث قال إن اختيار الأجنة حسب الذكاء يمكن أن يعزز معدل ذكاء الطفل الناتج بمقدار 15 نقطة.
وتقول شركة جينوميك بريديكشن إنها ستقوم فقط بالإبلاغ عن الأمراض؛ أي تحديد الأجنة التي تعتقد أنها ستتطور إلى أشخاص يعانون من مشاكل طبية خطيرة، ورغم ذلك فإن شو يطوِّر منذ سنوات -في مدونته وتصريحاته العامة- رؤيةً تتجاوز ذلك بكثير.
وقد قال في حديثه إلى شخصية يوتيوب والراديو المحافظة ستيفان مولينيو العام الماضي: "لنفترض أن بإمكاني أن أخبرك أن الجنين الرابع سيكون الأطول، والجنين الثالث سيكون الأذكى، والجنين الثاني سيكون غير اجتماعي على الإطلاق، لنفترض أن مستوى الدقة هذا كان متاحاً في التقارير، فهذا هو المستقبل قريب الأمد الذي نواجهه كحضارة، وسيحدث ذلك".
قياس الطول
ما يدعم النماذج التنبؤية هو الكثير من البيانات الجديدة والقراءات الوراثية الأكثر حداثة والسجلات الطبية لـ 500 ألف شخص بريطاني في منتصف العمر، والتي تم إصدارها في شهر يوليو من عام 2017 من قِبل البنك الحيوي في المملكة المتحدة، وهو مشروع وطني للطب الدقيق في ذلك البلد.
وتشمل البيانات التي تم تضمينها لكل متطوع خريطة لنحو 800 ألف تعدُّد لأشكال النوكليوتيدات المفردة (SNPs)؛ وهي النقاط التي يختلف فيها الحمض النووي قليلاً عن الحمض النووي لشخص آخر، وقد أدى هذا الإصدار إلى الاندفاع السريع لعلماء الوراثة في تحديث حساباتهم حول مقدار الأمراض البشرية -أو حتى السلوكيات الروتينية مثل استهلاك الخبز- والتي تستطيع هذه الاختلافات الجينية أن تفسرها.
وقد ادعى كلٌّ مِن شو وتيلير -وهم مزوَّدين ببيانات البنك الحيوي في المملكة المتحدة- العثورَ على اكتشاف جديد بالنسبة لخاصية الطول التي يتم قياسها بسهولة، حيث استخدما تقنيات التعلُّم الآلي في إنشاء عامل تنبؤي يتصرف بشكل لا تشوبه شائبة، وأفادا بأن النموذج يمكنه في معظم الأحيان أن يتنبأ بطول الأشخاص اعتماداً على بيانات الحمض النووي، وبخطأ هامشي في حدود ثلاثة أو أربعة سنتيمترات.
ويعدُّ الطول حالياً هو السمة الأسهل في التنبؤ؛ إذ يتم تحديده في الغالب عن طريق الجينات، ويتم تسجيله دائماً في قواعد بيانات السكان، لكن تيلير يقول إن قواعد البيانات الجينية "تقترب بسرعة" من الحجم اللازم لإجراء تنبؤات دقيقة حول الصفات البشرية الأخرى، بما في ذلك مخاطر الإصابة بالأمراض التي لا تُعرف حتى أسبابها الحقيقية.
يقول تيلير إن شركة جينوميك بريديكشن ستركِّز على صفات الأمراض التي تقوم عواملها التنبؤية بأداء جيد في الوقت الحالي أو القريب، ويشمل ذلك اضطرابات المناعة الذاتية مثل المرض الذي يعاني منه تريف؛ حيث تسيطر مجموعة صغيرة من الجينات على التنبؤات بهذه الأمراض، مما يجعلها أكثر موثوقية في بعض الأحيان.
وقد وجد -على سبيل المثال- تقريرٌ من ألمانيا في عام 2014 يفيد بأن من الممكن التمييز بدقة تامة بين الشخص المصاب بالنوع الأول من داء السكري والشخص غير المصاب به، اعتماداً على درجة الحمض النووي متعددة الجينات وحدها. ورغم أن هذه النتائج ليست دقيقة تماماً، إلا أن عليك التفكير في مدى تأثيرها على أحد الوالدين المحتملين؛ حيث إن أطفال الشخص المصاب بالنوع الأول من داء السكري يصابون بهذا المرض -في المتوسط- باحتمال فردٍ من كل 17 فرداً؛ لذا فإن اختيار أفضل الأجنة العديدة في عيادة التلقيح الاصطناعي قد يقلل من احتمالات الإصابة به، حتى مع وجود عامل تنبؤي معرَّض للخطأ.
وتأمل شركة جينوميك بريديكشن إمكانية استخدام النموذج في مسألة الطول؛ من أجل المساعدة في تحديد الأجنة التي يمكن أن تصبح عندما تكبر أقصر من 147 سنتيمتراً، وهو التعريف الطبي للتقزم كما يقول تيلير، كما أن هناك العديد من الأضرار الجسدية والنفسية لكون الشخص قصيراً جداً. وأخيراً فإن من الممكن أن تتمكَّن الشركة من تحديد المشكلات الذهنية؛ مثل الأجنة ذات معدل ذكاء متوقع أقل من 70.
ولا تنوي الشركة تقديم نتائج الصفات بشكلها الأولي إلى الآباء من أجل القيام -فقط- بتحديد الأجنة التي يحتمل أن تكون غير طبيعية؛ وذلك لأن المنتج يجب أن يكون "مبرَّراً من الناحية الأخلاقية" كما يقول شو، ويضيف: "سوف نكشف عن الحالة المتطرفة السلبية فقط، ولن نقول مثلاً إن هذا الطفل سيكون ضمن الدوري الأميركي لكرة السلة للمحترفين".
ويشك بعض العلماء في أن الدرجات سوف تكون مفيدة في اختيار الأشخاص الأفضل من أنابيب التلقيح الاصطناعي؛ إذ ليس هناك ما يضمن الدقة الدقيقة للأفراد، حتى لو كانت دقيقة في المتوسط، والأكثر من ذلك أن للبيئة تأثيراً كبيراً على معظم الصفات بقدر تأثير الجينات؛ حيث يقول مانويل ريفاس (الأستاذ بجامعة ستانفورد، والذي يدرس علم الوراثة لمرض كرون): "إن هناك احتمالاً كبيراً بأنك ستُخطئ، وهذا سيكون مصدر قلقي، ولا أعلم ما يجب عليَّ فعله إذا كان أحد الأشخاص يستخدم هذه المعلومات في اتخاذ قرارات بشأن الأجنة".
ومن الجدير بالذكر أن الجهود المبذولة من أجل إدخال هذا النوع من الدرجات الإحصائية في الإنجاب قد واجه انتقاداتٍ في الماضي؛ ففي عام 2013 أثارت شركة 23 أند مي (23andMe) الغضب، وذلك عندما حصلت على براءة اختراع حول فكرة القوائم المنسدلة التي يمكن للوالدين استخدامها في اختيار الحيوانات المنوية أو متبرعي البيوض، من أجل محاولة الحصول على لون محدَّد للعيون على سبيل المثال، وسرعان ما تراجعت الشركة التي كانت تموِّلها شركة جوجل.
ولكن الدرجات متعددة الجينات أصبحت -منذ ذلك الحين- أمراً تقليدياً في اختبارات الحمض النووي الجديدة؛ حيث تبيع شركة تدعى هيومان كود (HumanCode) اختباراً بقيمة 199 دولاراً عبر الإنترنت، والذي يستخدم درجات تعدُّد أشكال النوكليوتيدات المفردة من أجل إخبار شخصين بمدى الطول المحتمل لأطفالهما. وتستخدم الاختبارات متعددة الجينات على نطاق واسع في صناعة الألبان من المواشي؛ وذلك لتقييم الحيوانات الصغيرة حسب كمية الحليب التي ستنتجها.
وتقول ماير (الأستاذة في مؤسسة جايسينجر هيلث سيستم): "لقد تطور فهمنا للصفات المعقدة على مستوى واسع؛ فليس الأمر أن هناك بعض الجينات التي تُسهم في الصفات المعقدة، بل إنها عشرات الجينات أو الآلاف منها أو حتى جميعها، وقد أدى ذلك إلى درجات المخاطر متعددة الجينات، كم أن هناك العديد من المتغيرات، ولكل منها مساهمات صغيرة خاصة بها، إلا أن لها مساهمةً كبيرة معاً، وتتم إضافتها تراكمياً"، كما أن شو قد استفاد في عامله للتنبؤ بالطول في النهاية من 20,000 متغير لتخمين كم كان طول كل شخص.
قياس الأجنة
يخضع مليون زوج في جميع أنحاء العالم لعملية التلقيح الصناعي كل عام، وتشكِّل أطفال الأنابيب في الولايات المتحدة نسبة 1٪ من الولادات، وقد كان التشخيص الجيني قبل الانغراس (PGD) جزءاً من هذه التقنية منذ التسعينيات، ويتم في هذا الإجراء أخذ بضع خلايا من جنين عمره أيام، وينمو في المختبر بحيث يمكن اختبارها.
كما يستخدم الأطباء حتى الآن التشخيص الجيني قبل الانغراس في الكشف عن الأجنة ذات التشوهات الكبيرة -مثل فقدان الكروموزومات- وكذلك الأجنة التي تعاني من عيوب "الجين المفرد"؛ إذ يمكن مثلاً للآباء الذين يحملون الجين الشاذ الذي يُسبِّب مرض هنتنغتون أن يستخدموا اختبارات الأجنة من أجل تجنب إنجاب طفل مصاب بمرض الدماغ المميت.
وكانت العقبة أمام الاختبارات متعددة الجينات هي وجود عدد قليل جداً من الخلايا؛ مما يجعل من الصعب الحصول على رؤية واسعة ودقيقة لجينوم الجنين الذي يلزم لإجراء الحسابات المطلوبة، ويقول رابينوويتس (الرئيس التنفيذي لشركة ناتيرا): "إن من الصعب جداً إجراء قياسات موثوق فيها على هذا الحمض النووي الصغير".
ويقول تيلير إن شركة جينوميك بريديكشن قد طورت طريقة محسَّنة لتحليل الحمض النووي الجنيني، ويقول إنها سيتم استخدامها أولاً في تحسين التشخيص الجيني التقليدي؛ مما يؤدي إلى البحث عن العديد من الاختبارات الجينية المفردة باختبار واحد. ويقول أيضاً إن التقنية نفسها ستسمح للشركة بجمع الدرجات متعددة الجينات حول الأجنة، على الرغم من أن الشركة لم تصف الطريقة بالتفصيل، ولكنَّ علماء آخرين وصفوا بالفعل طرقاً للتغلب على حاجز الدقة.
ففي عام 2015 قام فريق بقيادة رابينوويتس وجاي شندور (من جامعة واشنطن) بإجراء ذلك بالتسلسل التفصيلي لجينوم والدين كانا يخضعان لعملية التلقيح الاصطناعي، وقد سمح لهم ذلك باستنتاج التسلسل الجينومي للجنين، على الرغم من أن اختبار الأجنة نفسه لم يكن أكثر دقة من ذي قبل، وقد وجدوا أنهم كانوا على حق عندما وُلدت الأطفال.
يقول رابينوويتس (الذي تبلغ قيمة شركته التجارية المتداولة علناً حوالي 600 مليون دولار، والذي يقول إنه كان يدرس مسألة دخوله في مجال الأعمال التجارية لدرجات الأجنة): "إن لدينا التقنية اللازمة لإعادة بناء جينوم الجنين وإنشاء نموذج متعدد الجينات، والمشكلة هي أن النماذج لم تكن جاهزة تماماً لوقت الذروة".
ويعود ذلك إلى أن خوارزميات الدرجات لها قيود كبيرة على الرغم من نجاح شو في مجال الطول، وأحد هذه القيود هو أنها أُنشِئت باستخدام بيانات معظمها من دول أوروبا الشمالية، وهذا يعني أنها قد لا تكون مفيدة للآسيويين أو الأفريقيين -حيث يختلف تعدد أشكال النوكليوتيدات المفردة- أو للأشخاص الذين ينحدرون من أصول مختلطة. كما أن أدائها مع بعض العائلات ذات الخلفية الأوروبية لا يمكن اعتباره أمراً مسلَّماً به ما لم يتم اختبار الإجراء بعناية في دراسة سريرية، وهو أمر لم يحدث أبداً كما يقول أكاش كومار (وهو طبيب مقيم في جامعة ستانفورد، وكان المؤلف الرئيسي لدراسة ناتيرا).
ويقول كومار -الذي يعالج المرضى الصغار الذين يعانون من اضطرابات نادرة- إن عوامل التنبؤ الجينية تُثير بعض "القضايا الكبيرة"؛ أحدها هو أن الكمية الهائلة من البيانات الجينية التي أصبحت متاحة يمكن أن تجعل من السهل جداً تقييم الصفات غير الطبية، ويقول: "لقد رأينا مثل هذا التغير الجنوني في عدد الأشخاص الذين يمكننا دراستهم؛ إذ لا يعاني الكثيرون منهم من مرض انفصام الشخصية، ولكنهم جميعاً لديهم أطوال ومؤشرات لكتلة الجسم؛ وبالتالي فإن عدد الأشخاص الذين يمكنك استخدامهم في بناء نماذج الصفات هو أكبر من ذلك بكثير، وإن التفكير فيما يجب أن نفعله بهذه التقنية لهو أمر فريد من نوعه للغاية".
أطفال أذكى
قامت شركة جينوميك بريديكشن في العام الماضي بحجز مكان للعرض في الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية للطب التناسلي، وكانت الجمعية -التي تمثِّل أطباء وعلماء الخصوبة- قد ذكرت من قبل أنها تعتقد أن اختبارات الأجنة للكشف عن الأمراض التي تحدث في وقت متأخر من الحياة -مثل مرض الزهايمر- ستكون "مبررة أخلاقياً"، وقد ذكرت "الحرية الإنجابية" للآباء من بين الأسباب لذلك.
وكانت الجمعية أكثر تردداً حول اختيار جنس الأجنة (وهو أمر تسمح به اختبارات التشخيص التقليدية)، وتركت الأمر لتقدير الأطباء، ويبدو أن مواقف الجمعية مجتمعة تفتح الباب لأي نوع من القياسات، طالما أن الاختبار مبرر لسبب طبي.
وكان شو قد قال في السابق إنه يعتقد أن الذكاء هو "النمط الظاهري الأكثر إثارة للاهتمام"، أو الصفة الأبرز من بين كافة الصفات، ولكن عندما جرَّب عامله التنبؤي لرؤية ما يمكن أن يخبره عن مدى التقدم في المدرسة الذي أحرزه 500 ألف شخص من البنك الحيوي في المملكة المتحدة (سنوات الدراسة هي مؤشر عن الذكاء) وجدَ أن الحمض النووي لم يستطع التنبؤ بذلك بقدر ما يستطيع التنبؤ بالطول.
لكن الحمض النووي شرح بعض الاختلاف؛ حيث يقول دانييل بنجامين (وهو خبير اقتصادي جيني في جامعة كاليفورنيا الجنوبية) إن درجات الجينات بالنسبة لعدد كبير من السكان هي بالفعل تُنبئ بالتحصيل التعليمي، سواء كان الشخص قد نشأ في أسرة غنية أو فقيرة، ويضيف أن دقة الدرجات كانت تتحسن باطراد، ولكنه يقول إن تقييم درجات الأجنة حسب معدل الذكاء المرتفع يعدُّ "مبكراً" ويشكل "جدلاً أخلاقياً".
ويتنبأ شو بأن "أصحاب المليارات والأثرياء في وادي السليكون" سيكونون أولَ من يتبنى تقنية اختيار الأجنة؛ من أجل أن يصبحوا من أوائل "الذين يقومون بالتلقيح الاصطناعي، رغم أنهم لا يحتاجون إليه"، وعندما يبدؤون في إنتاج عدد أقل من الأطفال المرضى، وعدد أكبر من الذين يتمتعون بصفات استثنائية، فحينئذٍ يمكن لبقية المجتمع أن يحذو حذوهم.
ويقول شو عن اختيار الأجنة ذات معدِّلات الذكاء الأعلى: "أتوقع تماماً أنه سيكون ممكناً، ولكننا قلنا إننا لن نقوم بذلك كشركة؛ إذ هي قضية صعبة، مثلها مثل الأسلحة النووية أو تعديل الجينات، وسيكون هناك بعض الجدل في المستقبل حول ما إذا كان يجب أن يكون هذا الأمر قانونياً أم غير قانوني، وستقوم الدول بإجراء استفتاءات حول ذلك".