نشأته ودراسته
ولد علي شمس الدين عام 1953 في بلدة جون في لبنان. وفي طفولته كان شديد الشغف بالرياضيات، لكنه درس الفيزياء في الجامعة اللبنانية لأن الرياضيات كانت تُدرَّس باللغة الفرنسية. وبعد أن نال درجة البكالوريوس في الفيزياء من الجامعة اللبنانية عام 1973، حصل على منحة من نفس الجامعة ليكمل دراساته العليا في الفيزياء في أمبريال كوليدج لندن، حيث حصل على دبلوم في الفيزياء عام 1974. ثم تابع دراسة الدكتوراه تحت إشراف العالم الباكستاني محمد عبد السلام الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، وحصل على شهادة الدكتوراه في الفيزياء النظرية عام 1976. ثم تابع دراسته لمرحلة ما بعد الدكتوراه في المركز الدولي للفيزياء النظرية (ICTP) بإيطاليا. وعمل خلال مسيرته المهنية بصفته أستاذاً مساعداً وباحثاً مشاركاً في العديد من الجامعات والمراكز البحثية حول العالم، منها المركز الأوروبي للأبحاث النووية (CERN) بسويسرا، وجامعة نورث ويسترن في بوسطن بالولايات المتحدة، والمعهد السويسري الفدرالي للتكنولوجيا في زيورخ.
وفي عام 1998 عاد إلى لبنان ليؤسس مركز العلوم الرياضية المتقدمة، ويتولى إدارته حتى عام 2003. واليوم، يشغل البروفيسور شمس الدين منصب أستاذ في قسم الفيزياء بالجامعة الأميركية في بيروت.
إسهاماته وإنجازاته
تتمحور أبحاث شمس الدين حول الفيزياء الرياضية والنظرية، وتتركز جهوده في مواضيع الجاذبية الفائقة ونظرية الأوتار والهندسة اللاتبادلية. ويسعى إلى تطوير إطار قادر على توحيد القوى الرئيسية الأربعة في الطبيعة، وهي: القوى النووية الشديدة، والقوى النووية الضعيفة، والقوة الكهرومغناطيسية، وقوة الجاذبية.
عمل شمس الدين خلال دراسة الدكتوراه في مجال التناظر الفائق؛ وهو عبارة عن تناظر فيزيائي يربط بين نوعين أساسيين من الجسيمات الأولية: البوزونات التي تمتلك أعداداً صحيحة من اللف المغزلي، والفرميونات التي تمتلك أنصاف أعداد صحيحة من اللف المغزلي. ووفقاً لنظريات التناظر الفائق، فإن كل فرميون أساسي له نظير فائق مرتبط به، وبالعكس. ولكن جميع البوزونات والفرميونات المكتشفة حتى الآن لا تمثل نظائر فائقة لبعضها البعض. ومن شأن مسرّع الهيدرونات الكبير في سويسرا أن يساعد في اكتشاف هذه النظائر الفائقة.
أثناء فترة عمل شمس الدين في المركز الأوروبي للأبحاث النووية باعتباره باحثاً مشاركاً، اقترح نظرية تُستخدم اليوم في تحديد الحد الطاقي الأدنى لنظرية الأوتار. وفي نظريته الجديدة، يقول شمس الدين إن الفضاء الزمكاني مؤلف من 10 أبعاد عوضاً عن الأبعاد الأربعة المعروفة، المتمثلة في الزمان والأبعاد الثلاثة للمكان. وقد كان هذا النموذج أساسياً لصياغة الجاذبية الفائقة.
وأثناء فترة عمله في جامعة نورث ويسترن، نشر شمس الدين ورقة علمية بعنوان "توحيد التناظر الفائق موضعياً" تشرح نموذجاً يتنبأ بأماكن تواجد جسيمات الجاذبية الفائقة والعلامات المميزة لها. وقد حققت هذه الورقة -التي يصفها شمس الدين بأنها أفضل أعماله- تأثيراً واسعاً في المجتمع العلمي، وتم الاستناد إليها في أكثر من 2500 ورقة بحثية، وما زال يستخدمها الفيزيائيون اليوم في أبحاثهم التجريبية حول الجاذبية الفائقة.
بعد ذلك، ركّز شمس الدين أبحاثه على الهندسة اللاتبادلية، التي صاغ أسسها الرياضي الفرنسي البارز آلان كون. ويكمن الهدف من هذه الهندسة في المساعدة على وصف القوى الرئيسية الأربعة في الكون، التي لا تستطيع هندسة ريمان أخذها في الاعتبار؛ حيث يعمل شمس الدين مع آلان كون نفسه في معهد الدراسات العلمية العليا في باريس بصفته باحثاً زائراً. ويصف شمس الدين عمله في مجال الهندسة اللاتبادلية بأنه يمثّل "حدود ما توصلت إليه الرياضيات".
جوائزه وتكريماته
حاز البروفيسور علي شمس الدين خلال مسيرته العلمية على العديد من الجوائز، منها جائزة أليكساندر فون هومبولت للأبحاث في عام 2001، ومنحة الزمالة الأكاديمية في عام 2006 من الصندوق العربي لمنح الزمالة الأكاديمية. كما نال ميدالية جي بود من الكلية الفرنسية في عام 2007، وجائزة تواس في الفيزياء من أكاديمية العلوم للعالم النامي في عام 2008 تقديراً لأبحاثه في مجال الجاذبية والهندسة اللاتبادلية، كما شغل كرسي لويس ميشيل المرموق والمخصص للباحثين الزائرين في معهد الدراسات العلمية العليا في فرنسا بين عامي 2009 و2018.
عندما سُئل شمس الدين في إحدى المقابلات عن واقع البحث العلمي في العالم العربي، وجد صعوبة في الإجابة عن السؤال، حيث قال: "البحث العلمي سيئ جداً حتى قبل الاضطرابات المدنية التي اجتاحت عدداً من البلدان العربية. بالكاد كان هناك أمل، والآن نحن نتراجع بسرعة الضوء". ومع ذلك، فإن شمس الدين يتميز بطموح وعزيمة لا تتزعزع في العمل على كشف أسرار الكون. ويصف نفسه وأقرانه من العلماء بأنهم أشخاص يحبون حل الألغاز، ويقول: "نجلس لأيام محاولين حل لغز ما، مع أننا لا نعرف إلي أين سيقودنا هذا الاكتشاف. ولو عرفنا، لما وجدنا متعة في عملنا".