تم تطوير العلاج الجيني (الذي يقوم بتقديم مادة جينية جديدة إلى الحمض النووي للشخص) حتى صار طريقة ثورية لعلاج أندر المتلازمات المرضيَّة الموجودة على الأرض.
ووضعت شركات الأدوية أسعاراً فلكية لهذه العلاجات ذات الأهداف الضيقة، وهذه الأسعار في الواقع مرتفعة جداً لدرجة أن أحد العلاجات تم سحبه من السوق بالفعل في أوروبا، بينما كافح العلاج الآخر لجذب المرضى.
ويمكن لهذا العلاج الذي تمت الموافقة عليه العام الماضي أن يغير المعادلة؛ فعلاج ييسكارتا هو المثال الثاني للعلاج الجيني الذي يعدِّل الحمض النووي في الخلايا المناعية للشخص حتى تسعى خلف السرطان، والأمر المختلف في ييسكارتا هو أنه يمكنه علاج عدد من المرضى أكبر بكثير من العلاجات الجينية الأخرى المعتمدة حتى الآن.
وقد قررنا عرض هذه الأرقام للعلاجات الجينية المعتمدة في الولايات المتحدة وأوروبا بالإضافة إلى علاجٍ ينتظر الموافقة في الولايات المتحدة؛ من أجل معرفة ما إذا كان هناك علاقة بين سعر العلاج الجيني والعدد التقديري للمرضى الذين سيتم علاجهم سنوياً.
يقول هيرمان سانشيز (الشريك الإداري في شركة الاستشارات المتخصصة في علوم الحياة ترينيتي بارتنرز) إن هناك علاقة متبادلة بين عدد المرضى وسعر العلاج؛ فكلما قلَّ عدد المرضى المؤهلين زادت تكلفة هذا العلاج؛ حيث تتراوح الأسعار -كما ترون- من 373 ألف دولار إلى مليون دولار، في حين أن عدد المرضى كل عام يتراوح من عدد قليل إلى 7500 مريض.
ويقول: "إن أندر الأمراض يكون ذا سعر أعلى في السوق، وهذا بسبب أن الشركات لا تتعامل مع الكثير من المرضى".
وإن علاج ييسكارتا حتى الآن يشذ عن القاعدة؛ إذ يمكنه أن يساعد ما يصل إلى 7500 شخص (وذلك وفقاً لشركة جلياد العملاقة في مجال التكنولوجيا الحيوية، والتي استحوذت على شركة تصنيع الأدوية كايت فارما في أغسطس من عام 2017)، ويمكنك أن تقارن ذلك مع الأعداد الصغيرة المؤهلة للعلاجَين الجينيَّين اللذَين تمت الموافقة عليهما في أوروبا؛ وهما جليبيرا وستريمفليس.
وفي الوقت نفسه تقول شركة نوفارتس في الولايات المتحدة إن حوالي 300 مريض في السنة سيتم تأهيلهم للعلاج الجيني كيمرايا؛ والذي يعالج أحد أنواع سرطان الدم في مرحلة الطفولة، ومع وجود عدد أكبر من المرضى، تمكَّنت جلياد من تحديد سعر أقل، ولكن قد تشهد زيادة في الإيرادات الإجمالية في النهاية.
وعلى الرغم من أن سعر ييسكارتا لا يزال يثير غضب المدافعين عن المرضى، إلا أنه يبشِّر بعلاجات جينية للأمراض التي لها عدد أكبر من المرضى (مثل الهيموفيليا والخلايا المنجلية)، والتي يعاني منها حوالي 20 ألف شخص و100 ألف شخص في الولايات المتحدة، على التوالي.
ويقول سانشيز إن المرض المستهدف إذا كان أكثر شيوعاً "فسيكون هناك المزيد من الانخفاض في السعر".
ومن الجدير بالذكر أن هناك علاج جيني ينتظر الموافقة، ويسمى لوكستورنا، وهو يعيد بعض الرؤية إلى المرضى الذين يعانون من أحد الأنواع الوراثية من العمى؛ فقد أوصت في العام الماضي مجموعة من الخبراء الخارجيين -بالإجماع- بأن توافق إدارة الغذاء والدواء الأميركية على لوكستورنا الذي تصنّعه شركة سبارك ثيرابيوتكس، وكان من المخطط أن تتخذ الوكالة قرارها في 12 يناير من العام الحالي.
وتقول شركة سبارك إن ما يقرب من 1000 إلى 2000 شخص في الولايات المتحدة يمكن أن يكونوا مؤهلين للعلاج الذي يحسِّن الرؤية من خلال استبدال إحدى الجينات الطافرة في خلايا الشبكية، وقد رفضت الشركة تقديم توقعات حول عدد المرضى الذي تستطيع معالجته كل عام؛ ولذلك قمنا بإحصاء الأرقام استناداً إلى المعدلات التقريبية للإصابة بنمط العمى الذي يعالجه لوكستورنا، وقد قدَّر المحللون أن العلاج يمكن أن يكلف ما بين 800 ألف ومليون دولار لعلاج كلتا العينين.
وما يعنيه كل هذا -بالنسبة إلى الشركات الدوائية وشركات التأمين والمرضى- غير محدّد حتى الآن؛ حيث ستواجه بعض الشركات (مثل سبارك) معضلة في التسعير عندما تفوز علاجاتها بموافقة الجهات التنظيمية، وما زالت شركات التأمين في الولايات المتحدة صامتة بخصوص ما إذا كانت ستغطي هذه العلاجات أم لا، وفي الوقت نفسه يأمل المرضى الذين يعانون من حالات طبية خطيرة ألا يكون سعر العلاج باهظاً جداً.