تُركِّز مناهج المرحلة الثانوية كلها على الحالات الأساسية للمادة، وهي: الغازية والسائلة والصلبة، وهي حالات يمكن دراستها والتعامل معها بشكل مباشر وبسيط، ولكن هناك حالة رابعة غير معروفة للكثيرين؛ وذلك لأنها لا توجد على الأرض بشكل طبيعي.
هذه الحالة هي البلازما؛ وهي غاز تم تجريد ذراته من إلكتروناتها، وتتألف الشمس من مزيج مشابه من الأيونات والإلكترونات، كما أن قسماً كبيراً من الفضاء الذي بين النجوم مليء بالبلازما، أما على الأرض فلا تظهر البلازما إلا في حالات مؤقتة وسريعة الزوال، مثلما يحدث في البرق.
ولكنَّ العلماء والمهندسين بدؤوا خلال السنوات المائة الماضية في استغلال هذا الشكل من المادة في توليد الضوء (تحتوي نيونات الإضاءة على البلازما)، وللتفاعل مع المواد بطرق تعدِّل من خصائص سطوحها.
ومن الصعب عادةً توليد البلازما والتحكم فيها؛ ولهذا فهي محصورة في الآلات الصناعية أو المختبرات المختصة، ولكن يمكن أن يتغير كل هذا بوجود طريقة سهلة لتوليدها والتحكم فيها.
وهنا يأتي دور كاوسيك داس (من جامعة ماريلاند إيسترن شور) وعدد من زملائه؛ حيث وجدوا طريقة لتوليد البلازما داخل مايكروويف مطبخي عادي، وتفتح هذه التقنية المجالَ أمام جيل جديد من التجارب باستخدام هذا النمط النادر من المادة، وربما تتيح تطوير تطبيقات جديدة.
وعلينا أولاً أن نطَّلع على بعض المعلومات الأساسية.
إحدى طرق توليد البلازما أن يتم تفكيك الجزيئات باستخدام حقول كهربائية قوية، وهو ما يؤدي إلى ظهور الأيونات التي تتسارع بفعل هذه الحقول، ثم تصطدم بجزيئات أخرى، وتتسبب هذه التصادمات في تجريد الذرات من بعض الإلكترونات؛ مما يؤدي إلى ظهور أيونات جديدة، وهذه العملية تنتشر وتتكرر في الظروف الصحيحة، بشكلٍ قد يؤدي إلى تأيين كمية كاملة من الغاز.
وقد أوجد داس وزملاؤه طريقةً لتنفيذ هذه العملية في فرن مايكروويف عادي للمطبخ (ولم يحددوا النوع المستخدم)؛ كما استخدموا دورقاً زجاجياً رخيصاً يمكن أن يتحمل الفراغ والعزل.
ويطلق مايكروويف المطبخ عادة إشعاعاً كهرطيسياً بطولٍ موجي يساوي تقريباً 12 سنتمتر، وتؤثر هذه الأمواج بشكل خاص على الجزيئات القطبية التي تحمل شحنة موجبة على أحد الطرفين وشحنة سالبة على الطرف الآخر.
ويعتبر الماء مثالاً جيداً لهذه الجزيئات القطبية؛ حيث تحاول ذرات الماء -مع تغير الحقل المتناوب- أن تتراصف مع الحقل، ويؤدي هذا الدوران إلى التصادم مع جزيئات أخرى، ورفع درجة حرارتها، أما إذا كانت كثافة الجزيئات منخفضة، فلن تصطدم بغيرها من الجزيئات، ولن تستطيع أن تبدِّد هذه الطاقة الإضافية، وبالتالي سيتسبب الحقل المتناوب في دوران جزيئات الماء بشكل أسرع؛ مما يؤدي إلى تفككها في النهاية.
وهذه هي العملية التي تُنتج البلازما، وقد استغلَّها داس وزملاؤه عن طريق شفط الهواء من الدورق من أجل تخفيض الضغط داخله؛ حيث يتألف معظم الهواء منخفض الضغط في الداخل من النيتروجين والأكسجين، ولا بد كذلك من وجود بضعة جزيئات من الماء. ثم قام فريق داس بعد ذلك بوضع الدورق داخل المايكروويف وتشغيله، وقامت الأمواج الميكروية بتفكيك جزيئات الماء الموجودة داخله ومسارعتها، وعندما يكون الضغط منخفضاً بما يكفي، فستكتسب حينئذ ما يكفي من الطاقة الحركية لإزالة الإلكترونات عن جزيئات النيتروجين، ثم تنطلق العملية المتكررة حتى تؤدي إلى تكوُّن بلازما تتوهج بضوء أزرق خفيف، ولكن هذا لا يدوم سوى لبضع ثوان؛ حيث تبدأ العملية بسرعة في تفكيك ذرات الأكسجين، مما يؤدي إلى ظهور ضوء بنفسجي (أي أن البلازما تغير لونها).
وقد راقب داس وفريقه هذا التغير اللوني بدقَّة في تجربتهم، على الرغم من أنهم أجروا العديد من التجارب من أجل تحديد الضغط المناسب داخل الدورق، وقد وجدوا أنه إذا كانت كمية الغاز في الداخل أكبر من اللازم، فلن تتمكن جزيئات الماء من اكتساب ما يكفي من الطاقة الحركية لإطلاق العملية المتكررة، أما إذا كانت كمية الغاز أقل من اللازم، فهذا يعني تقليل احتمال حدوث التصادمات، وبالتالي زيادة صعوبة تشكل البلازما، ويقول داس وزملاؤه إنهم حاولوا إيجاد الضغط المناسب بالضبط بين هاتين الحالتين، وقد قام الفريق -من أجل معرفة ما يحدث بشكل أفضل- بتحليل طيف الضوء الصادر عن البلازما، وذلك لكشف العلامات المميزة للأكسجين والنيتروجين. وهنا استطاعوا بالفعل توليد البلازما في مايكروويف المطبخ.
وقد تبين أن هذه العملية مفيدة في العديد من الأشياء التي كانت مستحيلة التنفيذ خارج المختبرات المتخصصة، فقد بيَّن داس وفريقه كيف يمكن استخدام البلازما -مثلاً- في تغيير خصائص ثنائي ميثيل السيلوكسان؛ وهو نوع شائع من البوليميرات سيليكونية الأساس، وعادة ما تكون هذه المادة أليفة للماء (أي أنها تجتذب الماء)، ولكن غمرها بالبلازما لبضعة ثوانٍ يحولها إلى مادة كارهة للماء. كما يمكن تكميم هذه الخاصية عن طريق قياس زاوية الاتصال لقطرة الماء عند وضعها على السطح (أي الزاوية ما بين سطح المادة والمماس لقطرة الماء عند قاعدتها)، وقد كانت زاوية الاتصال لثنائي ميثيل السيلوكسان قبل المعالجة 64 درجة، وأصبحت بعدها 134 درجة، وسبب هذا غالباً أن الأيونات المتنوعة في البلازما أُدمجت في سطح المادة أثناء التعرض، وهي أيونات صادة للماء. كما بيَّن الفريق أيضاً إمكانية تعديل سطوح المواد بحيث تصبح أكثر لصقاً، بل حتى إمكانية تغيير خصائصها الإلكترونية.
وهذا العمل مثير للاهتمام لكونه أتاح تشكيل البلازما في أي مطبخ وليس في المختبر فقط، ومن المؤكد أنه سيكون وسيلة تعليمية مفيدة، وقد يسمح أيضاً لبعض الحِرَفيين والصانعين -الذي يعملون في منازلهم- بإجراء التجارب على الحك والتنظيف بالبلازما، وكما يقول داس وفريقه: "إن هذه التقنيات البسيطة لتوليد البلازما وأساليب استخدامها في المعالجة والتعديل قد تؤدي إلى فرص جديدة لإجراء الأبحاث خارج المختبرات المتطورة، مثل مختبرات الدراسات العليا وحتى مختبرات المدارس الثانوية".