المصدر: إم إس تك
أطلقت في السنة الماضية وكالةُ المشاريع والأبحاث المتقدمة الدفاعية "داربا" -والتي تموِّل مجموعة كبيرة من الأبحاث الهامة للجيش الأميركي ولكن بدون تطبيقات مباشرة- برنامجاً لمدة خمس سنوات بقيمة 1.5 مليار دولار، أُطلق عليه اسم مبادرة بعث الإلكترونيات (اختصاراً: إيراي)؛ من أجل دعم العمل على تحقيق إنجازات في تكنولوجيا الشرائح الإلكترونية، وقد كشفت الوكالة مؤخراً عن أول مجموعة من الفرق البحثية التي اختيرت للتعمق في مبادرات غير مثبتة، ولكنها تنطوي على احتمال كبير للنجاح، وقد تُحدث ثورة في مجال تطوير الشرائح الإلكترونية وتصنيعها في الولايات المتحدة.
وقد توقف الابتكار في مجال العتاد الصلب إلى حد ما في السنوات الأخيرة، مُفسِحاً المجال للتطورات البرمجية، وهو أمر يثير قلق الجيش الأميركي لعدة أسباب.
نهاية حقبة
يعد قانون مور من أهم هذه الأسباب؛ حيث يقول إن عدد الترانزستورات التي يمكن أن تتسع على الشريحة يتضاعف تقريباً كل سنتين، وقد وصل هذا القانون إلى حدوده القصوى تقريباً، وهو ما يمكن أن يثبِّط من التطورات المستقبلية في الإلكترونيات -والتي يعتمد عليها الجيش الأميركي- ما لم توضع هيكلية وتصاميم جديدة تسمح باستمرار الزيادة في أداء الشرائح.
وهناك قلق أيضاً من تزايد تكلفة تصميم الدارات المتكاملة، وتزايد الاستثمارات الأجنبية -أي الصينية على وجه الخصوص- في مجال تصميم أنصاف النواقل وتصنيعها (انظر مقالة: "تسعى الصين إلى صناعة شرائح إلكترونية يمكنها تزويد أي أداة بالذكاء الاصطناعي")، وقد زادت ميزانية إيراي أربعة أضعاف تقريباً في ميزانية العتاد الصلب السنوية المعتادة لداربا، وهذه المشاريع الأولية تعكس المجالات العامة الثلاثة التي تركز عليها المبادرة، وهي: تصميم الشرائح، والهيكلية، والمواد والتكامل.
ويهدف أحد المشاريع إلى تقليل الوقت اللازم لوضع تصميم جديد للشرائح بشكل كبير -أي يقل من سنوات أو أشهر إلى يوم واحد فقط- وذلك عن طريق أتمتة العملية باستخدام التعلم الآلي وغيره من الأدوات؛ وذلك حتى يسهل وضع تصاميم عالية الجودة حتى بالنسبة للمستخدمين قليلي الخبرة نسبياً؛ يقول آندرو كانج (من جامعة كاليفورنيا، سان دييجو، والذي يقود أحد تلك الفرق): "لا أحد يعرف حتى الآن كيفية إتمام تصميم جديد للشرائح في 24 ساعة بشكل آمن دون تدخل بشري، وهذه المقاربة التي نعمل على تطويرها جديدة تماماً".
ويقول ويليام تشابيل (مدير مكتب داربا المسؤول عن برنامج إيراي): "نحن نحاول إطلاق ثورة في تصميم الإلكترونيات وتصنيعها"، وتأمل الوكالة أن تستطيع أدوات التصميم المؤتمتة أن تساعد الشركات الصغيرة التي لا تمتلك موارد الشركات العملاقة المصنِّعة للشرائح، كما حدث في العديد من المجالات الأخرى من قبل.
مواد جديدة للشرائح وتصاميم ذكية
إذا رغبت في تجاوز قانون مور، فستحتاج غالباً إلى نقلة نوعية في المواد وأساليب مكاملة قوة الحوسبة والذاكرة؛ حيث إن نقل البيانات بين مكونات الذاكرة التي تخزنها والمعالجات التي تتعامل معها يستهلك الكثير من الطاقة، وهو يُعد من أكبر العوائق في وجه زيادة قوة الحوسبة، ولذلك يركز مشروع آخر في إيراي على دراسة وسائل لتصميم تكامل الدارات بأشكال جديدة يمكنها أن تلغي الحاجة إلى نقل البيانات بشكل متكرر، أو على الأقل تقلل منها، والهدف النهائي هو إدماج قوة الحوسبة بشكل فعال في الذاكرة، وهو ما قد يؤدي إلى قفزات كبيرة في الأداء.
أما من ناحية هيكلية الشريحة، فترغب داربا في تصميم عتاد صلب وبرمجيات يمكن تغييرها في الزمن الحقيقي للتعامل مع مهام أكثر عمومية، أو مهام خاصة، مثل بعض التطبيقات المحددة في الذكاء الاصطناعي، ويتطلب هذا حالياً عمل عدة شرائح، مما يزيد من التعقيد والتكاليف.
وتتقاطع بعض جهود داربا مع مسائل يتم العمل عليها حالياً وبشكل مكثف في هذا المجال، ومن الأمثلة على هذا مشروعٌ لتطوير تقنية شريحة تحمل نظاماً ثلاثي الأبعاد، وهذا المشروع يهدف إلى تمديد قانون مور باستخدام مواد جديدة مثل الأنابيب الكربونية النانوية، وأساليب أكثر ذكاء من أجل تكديس الدارات الإلكترونية وتقسيمها، ويعترف تشابيل بوجود هذا التقاطع، ولكنه يقول إن العمل الخاص بالوكالة "قد يمثِّل غالباً أكبر الجهود المبذولة حالياً لتحقيق هذه المقاربة على أرض الواقع".
هذا لا يكفي
يعتقد البعض في أن داربا -وغيرها من المؤسسات الحكومية الأميركية التي تدعم أبحاث الإلكترونيات مثل وزارة الطاقة- يجب أن تنفق المزيد من أجل دعم الابتكار في هذا المجال.
وتقول إريكا فوكس (التي تعمل بروفسورة في جامعة كارنيجي ميلون، وهي خبيرة في السياسة العامة المتعلقة بالتقنيات الناشئة): إن تركيز تطوير الشرائح على تطبيقات محددة قد أفقد الشركات الكبيرة رغبتها في الإنفاق على الأبحاث المشتركة، وذلك في نفس الوقت الذي بدأ فيه قانون مور بالاختلال.
وقد أشادت فوكس بمشروع إيراي، ولكنها تعتقد أن المقاربة العامة للحكومة الأميركية لدعم الابتكار في الإلكترونيات أصغر من المطلوب لمواجهة التحديات الحالية "بمرتبة كاملة على الأقل"، لكن علينا أن نأمل أن يساعد هذا التحرك الأوَّلي (الذي تحاول داربا إثارته في مجال تصميم الشرائح) في ردم هذه الهُوَّة.