عندما تسعى الأطراف المعنية في حكومات البلدان وإدارات الصحة العامة والمؤسسات الصناعية والأكاديمية إلى تطبيق الإجراءات اللازمة لمواجهة أخطار الأمراض والأوبئة، وتطوير اللقاحات وطرق التشخيص والأدوية، يلعب نشر الموارد والمعلومات على نطاق واسع وفي الوقت المناسب دوراً هاماً في التعرف على الوباء، وإجراء الأبحاث وتطبيق إجراءات الاحتواء والتخفيف من آثاره. ولكن توجد حواجز راسخة تقف في وجه المشاركة والبحث والتطوير المشترك في سياق الأوبئة، وذلك بسبب نقص الثقة في السرية وتبادل المعلومات، والغموض في ملكية الموارد، وتضارب الحوافز العامة والخاصة والأكاديمية.
البحث العلمي يجيب
قام فريق صغير من الباحثين من جامعة فريجي في أمستردام، ومؤسسة تريال، والمعهد الوطني الهولندي للصحة العامة والبيئة، وشركة فيوتشرلاب، بنشر مقالة لمنتدى السياسات في مجلة ساينس (Science) تطرح إمكانية استخدام تكنولوجيا البلوك تشين لحماية مصالح الباحثين الذين يعملون على إيجاد علاج لوباء ما. وفي هذا البحث، اقترح الفريق استخدام تكنولوجيا البلوك تشين لتوزيع معلومات البحث بطريقة تحمي حقوق الملكية وغيرها من المصالح للباحثين والجهات التي يعملون لصالحها.
مع تواصل محاولات العالم للتكيف مع التغيرات التي جاء بها الوباء، يعمل العلماء في جميع أنحاء العالم على تطوير لقاح وعلاجات للمصابين. ويُعتبر هذا العمل غير مسبوق من أكثر من ناحية، حيث تقوم الفرق حول العالم بمشاركة نتائجها مع المجتمع الدولي بطرق غير مسبوقة، وفي بعض الأحيان قبل أن تُحكّم النتائج أو تُنشر رسمياً. ولكن، وفي حالات أخرى، تقف عوائق قديمة أمام مشاركة المعلومات، مثل انعدام الثقة، والقلق بشأن براءات الاختراع، وكيفية ضمان جني الأرباح من الاكتشافات، وبالطبع، المخاوف إزاء نَسْب العمل لأصحابه الفعليين. فلا أحد يرغب في أن يكتشف علاجاً لكوفيد-19 ومن ثم يُسرق منه هذا الاكتشاف لصالح شخص آخر. وفي هذا البحث، يقترح الباحثون استخدام أداة يمكن أن تساعد على حل هذه المشكلة: تكنولوجيا البلوك تشين.
حسبما يظهر في الشكل 1، تبدأ السلسلة بالتعرف على ظهور المرض المعدي (ثانية) عبر المراقبة، يلي ذلك التحليل الأولي للعامل المسبب للمرض. هذا يتطلب الوصول إلى العينات البيولوجية، وتمكين تحديد صفات العامل الممرض. تشكل العينات والبيانات الجينية والبروتينية عوامل تُبنى عليها إجراءات الصحة العامة وعمليات البحث والتطوير الموجهة نحو الإجراءات الطبية المضادة للمرض.
لنوضح فيما يلي كل مفهوم من المفاهيم الأساسية لأوربي:
الهويات: تعمل كطبقة للهويات وإدارة الوصول اللامركزية عبر الشبكة، وتمثل سجلاً شاملاً وسرياً لكيانات الشبكة (مثل الأفراد والمنظمات، وأيضاً الأجهزة والوثائق والعينات وغيرها من الأغراض، سواء أكانت مادية أم رقمية) باستخدام معرّفات لامركزية.
العقود: تستضيف العقود الذكية المسجلة في البلوك تشين، والتي تحدد الأحكام والحقوق والواجبات لكيانات الشبكة، وتطبق على عمليات الأذونات بناء على المعرفات اللامركزية والبيانات الثبوتية الشخصية الخاصة بها التي يمكن التحقق منها.
سجلات البحث والتطوير: مخزن مقيد بالسماحيات لسجلات البحث والتطوير، ويحفظ في قاعدة بيانات خارج السلسلة، وهذه القاعدة مؤمثلة محلياً لتخزين الترابطات البيانية الموجهة اللاحلقية (اختصاراً: داج). تستخدم داج لربط السجلات، بحيث تجسد تطور وتفرع عملية البحث والتطوير مع مرور الزمن. يتم تنسيق الوصول إلى المخزن وسجلاته عن طريق العقود، وتتضمن السجلات بيانات وصفية ومؤشرات لتحديد الموارد المخزنة في خدمات السجلات (المفتوحة أو المقيدة) خارج أوربي. تضاف إلى هذه السجلات والموارد دوال تجزئة ومؤشرات زمنية في البلوك تشين لإثبات وجودها وصحتها.
سجل التدقيق: يتضمن تسجيلاً غير قابل للتغيير لمن قام بعملية وصول إلى سجلات وموارد البحث والتطوير، ومتى، ووفق أية أحكام وشروط. يمثل هذا السجل أساساً لحيازة بيانات النظام والبنية التحتية للتدقيق، وذلك لدعم التنافس العادل والتشاركية بين كيانات الشبكة.
مثال
نعرض فيما يلي مثالاً يوضح آلية العمل، حيث يرمز اللون الأخضر لحالة تطبيقية تشترك فيها منظمة الصحة العالمية WHO.
الخلاصة
يقول المؤلفون إن تكنولوجيا البلوك تشين تسمح بالتخزين اللامركزي الذي يتيح توزيع بيانات البحث بوصول متكافئ ومسارات بحثية قابلة للمصادقة؛ كما أنها ستحول أيضاً دون إجراء أي تعديلات غير مسموح بها. يمكن لهذه التكنولوجيا أيضاً أن تسمح للباحثين ومؤسساتهم بمنح صلاحية الوصول إلى البيانات الحساسة للكيانات الموثوقة فقط. ويلحظ الباحثون أيضاً أن التكنولوجيا بقيت في مجال الاستخدام العام فترة كافية لإثبات نفسها كمخزن موثوق للمعلومات الحساسة، خصوصاً العملات المشفرة مثل بيتكوين.
جدير بالذكر في الختام أن الباحثين يقرون بأن هذه التكنولوجيا لم تستطع التغلب على جميع معوقات التبادل الحر للمعلومات، التي يتعلق بعضها بالكبرياء ومشاكل السوق والسياسات الإقليمية، كما يلحظون أن الأوان قد فات على الأرجح لاستخدام هذه التكنولوجيا لدراسة الوباء الحالي، ولكن يمكن البدء بالتخطيط لاستخدامها في الوباء المقبل، الذي لا نأمل بلقائه على الإطلاق!
المرجع: http://dx.doi.org/10.1126/science.aba1355
المشاركة التي تعتمد على البلوك تشين لدعم البحث والتطوير لمواجهة الأوبئة.