لم يسبق للعالم أن شهد شيئاً شبيهاً بالتطبيق آروجيا سيتو للهواتف الذكية. فمنذ شهرين، لم يكن هذا التطبيق الهندي الرسمي لتتبع الاحتكاك ومراقبة انتقال فيروس كورونا موجوداً، أما الآن فقد وصل عدد مستخدميه إلى نحو 100 مليون مستخدم. قدم رئيس الوزراء ناريندرا مودي دعمه لهذا التطبيق عند إطلاقه، وذلك بتشجيع كل فرد في البلاد -التي تتضمن 1.3 مليار نسمة- على تحميله. وهكذا، وبعد إطلاقه بأسبوعين، أصبح أسرع تطبيق يحقق 50 مليون عملية تحميل على الإطلاق.
تولى أرناب كومار قيادة تطوير هذه الخدمة لصالح الحكومة الهندية، ويقول مبتسماً: "لقد تفوقنا على تطبيق بوكيمون جو".
ولكن، وعلى الرغم من أن التطبيق حقق نمواً غير مسبوق، فإنه مميز بطريقة أكثر أهمية: فإذا رفضت تنصيبه على جهازك، فقد تفقد عملك، أو تتعرض لغرامة مالية، أو تذهب إلى السجن.
تعتبر الهند حالياً الدولة الديمقراطية الوحيدة في العالم التي تلزم الملايين من مواطنيها بتنصيب تطبيق تتبع فيروس كورونا، وذلك وفقاً لقاعدة بيانات إم آي تي تكنولوجي ريفيو حول تطبيقات تتبع الاحتكاك لوباء كوفيد في العالم.
وعلى الرغم من أن السياسة الرسمية تنص على أن تنزيل التطبيق مسألة طوعية، فإن موظفي الحكومة ملزمون باستخدامه في الواقع، كما أن أصحاب الشركات الخاصة وملاك المساكن يفرضون استخدامه أيضاً. تفيد التقارير بأن مدينة نويدا بدأت تفرض غرامات على من لا يقومون بتنصيب التطبيق على هواتفهم، بل حتى تهدّدهم بالاعتقال أيضاً.
إنها خطوة مثيرة للجدل، وأدت إلى انتقادات حادة من خبراء الحريات المدنية في الهند، ومن جميع أنحاء العالم أيضاً.
يعتبر راهول غاندي أحد الأعضاء البارزين في البرلمان الهندي، وهو القائد السابق للكونجرس الوطني الهندي المعارض، كما أنه من منتقدي هذا التطبيق، ويقول إنه لا يوجد أي "إشراف مؤسساتي" على هذا التطبيق، كما أنه يثير "مخاوف حقيقية حول الأمن والخصوصية".
وقد كتب غاندي مؤخراً في إحدى تغريداته قائلاً: "يمكن أن تساعدنا التكنولوجيا على حماية أنفسنا، ولكن يجب ألا يُستخدم الخوف من أجل تتبع المواطنين من دون موافقتهم".
تقول إستيل ماسي، وهي محللة سياسات أساسية في مجموعة الحقوق الرقمية أكسيس ناو: "هناك اعتداء غير مبرر على حقوق الإنسان في هذه المسألة. وتوجد مخاطرة في إطلاق أداة يمكن تعديلها لاستخدامها لأغراض المراقبة بعد انتهاء الوباء".
مهمة ضخمة تشمل كل شيء
تبين قاعدة بيانات إم آي تي تكنولوجي ريفيو أن هذا التطبيق الهندي يتميز عن غيره من التطبيقات بطرق أخرى أيضاً؛ حيث تعمل الكثير من البلدان على تطوير خدمات محدودة تعتمد على البلوتوث أو نظام تحديد الموقع الجغرافي من أجل إطلاق "تنبيهات تعرض للعدوى" للأشخاص الذين تفاعلوا بشكل مباشر مع شخص تبين أنه مصاب بكوفيد-19.
غير أن التطبيق الهندي يمثل مهمة ضخمة تشمل كل شيء، وبطريقة تتجاوز بكثير ما تعمل عليه معظم البلدان الأخرى؛ حيث يقوم التطبيق بتتبع أحداث الاحتكاك عن طريق البلوتوث، كما يتتبع الموقع على غرار الكثير من التطبيقات الأخرى، ولكنه أيضاً يخصص لكل مستخدم شارة ذات ترميز لوني يعبر عن خطر الإصابة. إضافة إلى هذا، فإن آروجيا سيتو (الذي يعني "الجسر نحو الصحة" في اللغة الهندية) يتيح الوصول أيضاً إلى الرعاية الصحية عن بعد، وصيدلية إلكترونية، وخدمات للتشخيص. هذا التطبيق موجود على القائمة البيضاء لدى جميع شركات الاتصالات الهندية، أي أن استخدامه لا يُحسب ضمن إجمالي استهلاك البيانات.
غير أن التطبيق يتميز أيضاً عن غيره بما يفتقر إليه. لا يوجد في الهند قانون وطني لخصوصية البيانات، وليس من الواضح من يستطيع الوصول إلى بيانات التطبيق، والأوضاع التي يمكن أن يتم ذلك فيها. لا توجد سياسة راسخة وشفافة أو قيود تصميمية على الوصول إلى البيانات واستخدامها في الوقت الحالي. كما أن قائمة المطورين، التي تتألف في معظمها من متطوعين من القطاع الخاص، ليست علنية بشكل كامل.
يشدد كومار على أن التطبيق صُمم وفق معايير مشروع قانون حول خصوصية البيانات، وهو مشروع قيد النقاش في برلمان البلاد حالياً، ويقول إن الوصول إلى البيانات التي يجمعها يخضع لقواعد صارمة. غير أن المنتقدين عبروا عن مخاوفهم لكونه ليس مفتوح المصدر، على الرغم من أن الحكومة الهندية تفرض إتاحة التعليمات البرمجية لجميع تطبيقاتها أمام العامة. يقول كومار إن هذه المسألة أحد أهداف فريق آروجيا سيتو، وإن هذا سيحدث في وقت لاحق، ولكنه لم يستطع تأكيد جدول زمني أو موعد متوقع.
عندما أُعلن عن آروجيا سيتو لأول مرة، اشترطت الحكومة الهندية موافقة المستخدمين بالفعل، وبدا استخدام التطبيق في البداية طوعياً. أما اليوم، فهناك على الأقل مليون شخص تلقوا أوامر مباشرة باستخدامه، بما فيهم العاملون في الحكومة المركزية وموظفون في بعض الشركات الخاصة، مثل خدمات توصيل الطعام زوماتو وسويجي. إنه تكتيك معروف في الهند، فقد استُخدمت التكنولوجيا "الإلزامية طوعاً" من قبل لمراقبة بعض الحقوق الهامة.
وعلى الرغم من أن الهند هي الدولة الديمقراطية الوحيدة التي تلزم الملايين من مواطنيها باستخدام تطبيق لتتبع الاحتكاك، إلا أن هناك دولاً أخرى عقدت صفقات مع شركات الهواتف الخلوية من أجل الوصول إلى بيانات المواقع الجغرافية للسكان. ففي أوروبا، تم تجميع مقادير كبيرة من هذه البيانات وحذف الأسماء منها. وفي دول أخرى، قامت مؤسسات إنفاذ القانون التي تتعامل مع الوباء باستخدام قاعدة بيانات تتبع الهواتف التي تُستخدم عادة للأغراض الأمنية. وقد تعرض هذا الأسلوب لمعارضة شديدة، وجُوبِهَ بمعركة قضائية وصلت إلى المحكمة العليا والمؤسسة التشريعية.
انعدام الشفافية
يمكن أن تُعزى الكثير من هذه المشاكل إلى نقص الشفافية؛ حيث لم تكن سياسة الخصوصية أو شروط الخدمة للتطبيق متاحة للعموم عند إطلاقه، كما أن المطورين لم يشاركوها، على الرغم من الطلبات الموجهة إليهم. وبما أن التطبيق ليس مفتوح المصدر، لا يمكن تدقيق تعليماته البرمجية وطريقة عمله من قبل أطراف أخرى، كما لا يوجد بند معلن يتعلق بما سيحدث عندما يصبح التطبيق غير إلزامي، على الرغم من أن كومار يقول إن البيانات تلغى بشكل متكرر بعد فترة 60 يوماً بالنسبة للمرضى و30 يوماً بالنسبة للأصحاء، على الأكثر. أيضاً، لا توجد هناك خريطة طريق واضحة حول مدى إجراءات الحكومة الوطنية الهندية وحكومات الولايات، حيث يقول تقرير حديث إن الحكومة ترغب في أن يصبح آروجيا سيتو مسبق التنصيب على جميع الهواتف الذكية الجديدة، كما يقول تقرير آخر إن استخدام التطبيق قد يصبح قريباً شرطاً للسفر.
في بدايات عملية تطوير التطبيق، قال كومار إنه سيعتمد على التكنولوجيا التي تقوم شركتا آبل وجوجل بتطويرها بشكل مشترك من أجل آيفون وأندرويد. سيتم إطلاق هذا النظام المشترك خلال فترة قصيرة، ولكنه الآن يحتوي على قواعد تتضمن ضرورة الحصول على موافقة المستخدم، وحظر تتبع الموقع الجغرافي، وهما شرطان يتضاربان مع طريقة عمل آروجيا سيتو. يقول كومار إن مهندسي جوجل كانوا على تواصل وثيق مع مطوري آروجيا سيتو، وإن فريقه سيقوم بتقييم إمكانية تطبيق نظام وادي السيليكون اللامركزي، الذي يهدف إلى الحفاظ على الخصوصية. قامت جوجل وآبل بتسريع عرض التطبيق في متجري تطبيقات أندرويد وآي أو إس.
ولكن ما زالت هناك مخاوف عميقة حول تلاشي الحدود بين الطوعي والإلزامي، وبين حفظ الخصوصية وانتهاك الخصوصية، وستكون هناك عواقب بعيدة المدى.
يقول أنيفار أرافيند، وهو المدير التنفيذي لمنظمة التكنولوجيا المدنية إنديك بروجيكت: "لا تبذل الدولة أي جهد لكسب ثقة المواطنين. وهناك مجموعة من متطوعي شركات القطاع الخاص، الذين لا يخضعون إلى أية محاسبة، قاموا ببناء تطبيق للحكومات حتى تقوم بفرضه على الأجهزة الشخصية للجميع".