منذ بداية تفشي وباء كوفيد-19 في نيوزيلندا في 28 فبراير الماضي وحتى وقت كتابة هذا المقال، تم تسجيل 19 حالة وفاة و 1,472 حالة إصابة بالمرض. ولكن أرقام الإصابات اليومية بدأت في الانخفاض منذ 1 أبريل لتصل إلى بضعة حالات فقط خلال الأيام القلية الماضية، وهو ما يعتبر قضاءً شبه كامل على الوباء. مما منح رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن الثقة لإعلان الانتصار على الوباء. وإثر ذلك، تم اليوم تخفيف إجراءات الحجر الصحي القائمة منذ خمسة أسابيع، والتي وصفتها أرديرن بأنها أشد الإجراءات صرامة تُطبق في نيوزيلندا في العصر الحديث.
فما هي العوامل التي ساعدت هذا البلد على هزيمة وباء كورونا خلال أقل من شهرين؟
الاستجابة السريعة
كانت نيوزيلندا من أوائل الدول التي فرضت حجراً صحياً لمدة أسبوعين على جميع الوافدين إلى البلاد بتاريخ 14 مارس، وفي حينها لم يكن هناك إلا ست حالات إصابة مؤكدة بالفيروس. وبعد ذلك بأيام، عندما وصل عدد الحالات إلى 28 إصابة، أعلنت رئيسة الوزراء منع دخول أي أجنبي إلى بلادها. ثم وبمجرد أن بلغ عدد الإصابات المائة، فرضت الحكومة إجراءات الإغلاق الشامل بتاريخ 23 مارس.
ومن ناحية أخرى، لم تستعجل الحكومة النيوزيلندية في تخفيف هذه الإجراءات حتى بعد انخفاض أعداد الإصابات اليومية.
الاختبار والتتبع على نطاق واسع
عززت نيوزيلندا من قدرتها على إجراء الاختبارات حتى بلغت 7,000 اختبار يومياً. وحتى تاريخه، أجرت نيوزيلندا أكثر من 126,000 اختبار. والأكثر أهمية من ذلك هو مدى فعالية إجراء الاختبارات؛ فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية، إذا كانت نسبة الاختبارات ذات النتيجة الإيجابية تتجاوز نسبة 1% فهذا يعني أن هناك انتشاراً مجتمعياً كبيراً. وفي نيوزيلندا، تم تسجيل هذا المعدل بالضبط؛ أي أنه من بين كل 10 أشخاص تم اختبارهم، تم تسجيل حالة إصابة واحدة في المتوسط. كما كشفت هذه الاختبارات أن عامل التكاثر الأساسي للفيروس في نيوزيلندا هو 0.4، وهو رقم متدنٍ جداً مقارنة بقيمته في باقي دول العالم.
بالإضافة إلى ذلك، حرصت الحكومة على تتبع احتكاكات المصابين بغيرهم وتنبيه المواطنين إلى ضرورة فرض حجر صحي ذاتي في حال اختلاطهم بشخص مصاب.
القيادة الشفافة المستندة إلى العلم
إن أهم الدروس التي يجب استخلاصها من تجربة نيوزيلندا في مواجهة فيروس كورونا، هو الفعالية الكبيرة التي تحققها الإدارات الحكومية النشطة إذا ما اعتمدت على الأسس العلمية ووضوح الخطاب مع الشعب.
فقد كانت الحكومة شفافة منذ البداية في رسالتها إلى الجمهور، وركزت على مفهوم "التعاون والتوحد لمواجهة الوباء". حتى إن رئيسة الوزراء كانت دائماً ما تصف شعبها بتعبير "فريقنا المكون من خمسة ملايين شخص". وحرصت أرديرن على الظهور في الإعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعي بشكل منتظم لإطلاع الجمهور على إجراءات الإغلاق وتطور المرض في البلاد مشددةً في خطابها على ضرورة التعاضد والتعاطف بين الجميع. مما أكسبها ثقة الشعب وامتثاله للإجراءات الحكومية والتوحد في مواجهة المرض. وبالإضافة إلى ذلك، كان المدير العام للصحة الدكتور آشلي بلومفيلد حاضراً دائماً إلى جانب رئيسة الوزراء لشرح التفاصيل الطبية وتقديم النصائح الصحية للجمهور.
لقد أكدت أرديرن أن إعلان الانتصار على الوباء لا يعني أنه لن يكون هناك حالات إصابة جديدة، وإنما يعني أن أعداد الإصابات ستكون تحت السيطرة. وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققته نيوزيلندا في مواجهة الوباء، إلا أن رئيسة الوزراء قالت "إننا لم نخرج من منطقة الخطر بعد"، ودعت إلى توخي الحذر قبل العودة إلى الحياة الطبيعية. ورأت أرديرن أن المعركة ضد كوفيد-19 قد تستمر إلى أن يتم التوصّل إلى لقاح، ونوهت إلى أنه ما يزال هناك كفاح اقتصادي يجب خوضه لمواجهة تداعيات الوباء وتأثيراته على مختلف القطاعات.