طريقة جديدة تسهل اكتشاف مشاكل القلب عند الجنين

3 دقائق

تعدُّ الحقول الكهربائية المنتَجة داخل الجسم أداةً تشخيصيةً قويةً؛ إذ يستخدم الأطباء هذه الإشارات بشكل روتيني لقياس وظائف الدماغ والقلب والأعصاب والعضلات، مما يعطي فكرة يستحيل الحصول عليها باستخدام أدوات أخرى.

إلا أن لهذه الطريقة بعض القيود؛ فمن الصعب على سبيل المثال التقاط الإشارات الكهربائية من قلب الجنين لأنها تتداخل مع إشارات الأم، وهذا ما يجعل تشخيص بعض أمراض القلب عند الجنين أمراً في غاية الصعوبة.

ولكن هناك طريقة أخرى لدراسة النشاط الكهربائي للجسم، وذلك عن طريق قياس الحقل المغناطيسي الذي ينتجه، إذ إن من السهل فصل إشارة الجنين عن الأم؛ لأن الحقول المغناطيسية تتلاشى بسرعة خلال مسافات قصيرة.

لكن أجهزة قياس المغناطيسية ذات الحساسية المطلوبة تعتمد على إحدى التقنيات فائقة التوصيل، والتي يجب تبريدها إلى درجة حرارة الهليوم السائل، كما أن العزل -الذي يتطلبه ذلك- يمنع هذه الأجهزة من الاقتراب من العضو المستهدف؛ وبالتالي ظلت الإشارات المغناطيسية ضعيفة وصعبة التفسير دائماً.

إن كل ما نريده إذن هو مقياس مغناطيسي يعمل بدرجة حرارة الغرفة، ويمكن وضعه بعيداً عن العضو الهدف بمقدار ملليمترات، ويكون حساساً بما يكفي لقياس الإشارات المغناطيسية ذات الأهمية.

ويبدو أن ذلك صار ممكناً الآن بفضل أعمال كاسبر جنسن وزملائه في جامعة كوبنهاغن بالدنمارك، فقد قاموا بقياس إشارات تشخيصية مختلفة من قلبٍ حيواني بحجم قلب الجنين البشري، عن طريق استخدام مقياس مغناطيسي يعمل بدرجة حرارة الغرفة، وهذا العمل يمكنه أن يُحدث ثورة في قياس الحقول المغناطيسية الحيوية، وقد يساعد الأطباء في تشخيص أمراض القلب عند الجنين، والتي لا يمكن اكتشافها بطريقة أخرى.

يُعرف الجهاز الذي يقوم بهذا العمل باسم مقياس المغناطيسية بالضخ البصري، وهو يتكوَّن من قارورة صغيرة من الغاز الذري؛ وهو ذرات السيزيوم في هذه الحالة، وإن دوران كل ذرة من ذرات السيزيوم حساس جداً للحقول المغناطيسية المحيطة، مما يجعلها أدوات قياس مفيدة.

يجب في البداية أن ينتظم دوران كل الذرات في نفس الاتجاه، ويتم ذلك باستخدام ضوء الليزر المستقطَب، وعندما يتم إيقاف تشغيل الليزر، يبدأ الدوران في الانحراف وفقاً للحقل المغناطيسي الموضعي، ويوضح قياس الدوران مرة أخرى بعد وقت قصير مدى تغيُّره؛ مما يكشف عن قوة الحقل الموضعي واتجاهه.

وفي السنوات الأخيرة بدأت مجموعات مختلفة في استخدام أجهزة قياس المغناطيسية بالضخ البصري لدراسة الحقول المغناطيسية الحيوية، لكن العديد من هذه المحاولات كانت مخيبة للآمال؛ إذ إن مدى التردد الضيِّق للمقاييس المغناطيسية يمنعها من التقاط جميع الإشارات المطلوبة.

وفي العديد من الأجهزة يجب تسخين الذرات إلى درجة حرارة تبلغ عدة مئات درجة مئوية، وبالتالي يجب عزلها وفصلها عن العضو الهدف، وبما أن شدة الحقل المغناطيسي تنخفض بشكل كبير خلال مسافات قصيرة، فيمكن أن يكون لذلك تأثير كبير على فائدة هذه الأجهزة.

تفادى جنسن وزملاؤه هذه المشاكل بواسطة مقياس للمغناطيسية بالضخ البصري، والذي لديه حساسية للمجالات الواسعة نسبياً، ويعمل بدرجة حرارة الجسم؛ وهذا يعني أن الجهاز يمكن وضعه على العضو المستهدف، أو على بعد بضعة ملليمترات منه.

وقد وضع الفريق الجهاز تحت الاختبار باستخدامه في قياس الحقل المغناطيسي المرافق للقلوب النابضة عند حيوان ثديي للتجارب تم عزله في المختبر، ويعدُّ قلب هذا الحيوان بحجم قلب الجنين البشري تقريباً؛ لذا فإنه يمثل اختباراً جيداً.

وتُظهر هذه الطريقة نتائج واعدة؛ إذ يقول جنسن وزملاؤه إنهم التقطوا ضربات القلب بوضوح، والتي لها مجموعة واسعة من الخصائص التشخيصية.

ويتم في القلب الطبيعي تحفيز التقلُّص العضلي -والذي هو بمنزلة السمة المميزة لـ "ضربات القلب"- من خلال مرور الموجات الكهربائية عبر سطح القلب، وهناك موجات متعددة تسبب التقلُّص المتزامن لأجزاء مختلفة من القلب.

يرمز أطباء القلب لهذه الموجات بالحروف P وQ وR وS وT، ويعتبر التوقيت الفاصل بينها مؤشراً مهماً على وظيفة القلب.

ويعد الفاصل الزمني Q-T إحدى الإشارات ذات الأهمية الخاصة في قلب الجنين؛ فإنه يدل على وجود مشكلة خطيرة مثلاً إذا كان طويلاً، ومع ذلك لا يمكن استخدام جهاز تخطيط القلب الكهربائي للكشف عن ذلك في قلب الجنين.

يقول جنسن وزملاؤه إن تقنيتهم الجديدة يمكنها اكتشاف هذه المشكلة، وقد استخدموا الأدوية في تحفيز إطالة الفاصل Q-T عند قلب حيوانات التجارب لإظهار كيفية حدوث ذلك، وقالوا إن مقياس المغناطيسية بالضخ البصري تمكَّن من التقاط علامات التشخيص بوضوح.

ويعدُّ هذا العمل مثيراً وله آثار كبيرة؛ إذ يكون الفاصل Q-T طويلاً عند 1 من كل 2500 مولود، واكتشاف ذلك مبكراً أمر مهم، وينبغي أن تكون التقنية الجديدة قادرة على القيام به.

يقول جنسن وزملاؤه: "استناداً إلى قياساتنا التي أجريناها على قلب حيوان التجارب، نخلص إلى أنه قد يكون من الممكن الكشف في الوقت الحقيقي عن ضربات قلب الجنين البشري في العمر الحملي الذي يتراوح من 18-22 أسبوعاً؛ حيث تقدَّر المسافة بين المسبار والقلب بـ 5 سم".

وهذا العمل يمهِّد الطريق لمستقبل مثير؛ حيث ستكون المرحلة التالية هي اختبار هذه التقنية عند البشر، ثم عند النساء الحوامل بالتحديد، كما أن لديها القدرة على قياس الحقول المغناطيسية الأخرى في الجسم؛ مثل تلك التي ينتجها الدماغ والجهاز العصبي. فما عليك سوى الاستعداد من أجل الاحتفاء بقدوم شكل جديد من الأدوات التشخيصية.

المحتوى محمي