لماذا يقع الأشخاص، حتى الأذكياء منهم، في فخ تصديق المعلومات الكاذبة؟

4 دقائق
مصدر الصورة: ماكس موزيلمان عبر أنسبلاش

أيهما أثقل كيلوجرام من القطن أم كيلوجرام من الحديد؟ قد تتفاجأ من عدد الذين سيجيبونك متأكدين: إنه الحديد بالطبع.

لقد أظهرت الدراسات أن أصحاب الإجابات الخاطئة على هذا النوع من الأسئلة هم أكثر عرضة لتصديق الأخبار المزيفة ونظريات المؤامرة والمعلومات الخاطئة، بينما يقوم أصحاب الإجابات الصحيحة بتوظيف ذكائهم لتحليل الادعاءات قبل تصديقها.

وعلى الرغم من اعتيادنا على مفهوم الأخبار المضللة في عصر الإنترنت، فإنها ما زالت تمثل خطراً كبيراً على مجتمعاتنا. وحتى نكتشف مدى تأثيرها اليوم، يكفي أن نطلع على السيل الجارف من المعلومات الزائفة المتعلقة بأزمة فيروس كورونا؛ فمثلاً قبل حوالي عشرة أيام فقط، قامت مجموعة من الأشخاص في المملكة المتحدة بإحراق عدة أبراج اتصالات بسبب اعتقادهم الخاطئ أن شبكات الجيل الخامس هي السبب في تفشي فيروس كورونا، وقد لاقت نظرية المؤامرة هذه انتشاراً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي شارك فيه العديد من المشاهير والمؤثرين.

فلماذا إذن تنتشر الأخبار الزائفة بسرعة النار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي؟ ولماذا نجد صعوبة في تصحيحها لدى الكثير من الناس؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في هذه المقالة.

كيف تجد المعلومات الكاذبة طريقها إلى عقولنا؟

تعمل عقولُنا بطرق مختلفة عند معالجة المعلومات، ويعتمد تصديقنا لها إلى حد كبير على طريقة تقديم المعلومة وعدد المرات التي نشاهدها فيها. وحتى الأكثر ذكاءً بيننا قد يقعون في فخ تصديق المعلومات الكاذبة.

وفي استطلاع حديث للرأي في الولايات المتحدة أجراه يوجوف (YouGov) وذا إيكونوميست، قال 14% من الأميركيين إنهم متأكدون تماماً من أن جهة ما قامت بتصنيع فيروس كورونا، فيما قال 13% إن قصة فيروس كورونا مجرد خدعة. بالطبع هذه المعلومات خاطئة، لكنها لاقت آذاناً صاغية لدى عدد كبير من الناس.

هناك عدة عوامل تؤثر في انتشار وتصديق المعلومات الكاذبة، منها:

1- طريقة تقديم المعلومة الكاذبة

يتم تصميم المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة ذكية حتى نصدقها قبل أن نخضِعها لتفكير منطقي سليم، مما يعني أنها قد تنطلي حتى على الأشخاص الأذكياء. إليك بعض الأمثلة:

  • عندما تبدو المعلومة سلسة وبسيطة ومفيدة نميل أكثر إلى تصديقها. ربما قرأت خبراً من قبيل: "حقيقة مجربة: تناول ملعقة عسل بعد حمام دافئ يقيك من الإصابة بفيروس كورونا"، المعلومة خاطئة ولكننا نعرف أن العسل مفيد بشكل عام والحمام الدافئ يعطينا شعوراً بالنشاط؛ لذا فقد نعتقد أنها ربما تكون صحيحة.
  • تزداد فرص تصديق المعلومة الكاذبة عندما تكون مترافقة بصورة معبرة. فالصور تساعدنا على تخيل المحتوى بشكل أسهل ليستقر في ذاكرتنا لمدة أطول.
  • إرفاق اسم معهد أبحاث أو مستشفى أو طبيب مع المعلومة الكاذبة يعزز من فرص تصديقها. على سبيل المثال، انتشرت معلومة خاطئة على فيسبوك منسوبة إلى أطباء وتدعي أنه يمكن معرفة إن كنت مصاباً بفيروس كورونا أم لا من خلال حبس نفسك لمدة 10 ثوان، فإذا لم تسعل بعدها فأنت غير مصاب.

2- مشاركة المعلومة الكاذبة على منصات التواصل الاجتماعي

كلما رأينا نفس المعلومة الخاطئة أكثر، كلما ارتفع احتمال اعتقادنا بصحتها. وهذا أمر مثبت في علم النفس منذ 50 عاماً؛ ففي دراسة منشورة عام 1979، وجد الباحثون أن الأشخاص يميلون إلى تصديق المعلومات التي سبق لهم أن شاهدوها بسبب شعورهم بأنها مألوفة. وخلال أزمة وباء كورونا، هناك دفق هائل من المعلومات الكاذبة إلى درجة وصفها بالوباء المعلوماتي الذي أصاب شبكات التواصل الاجتماعي.

وتشجع وسائل التواصل الاجتماعي بطبيعتها على مشاركة المنشورات؛ حيث يقوم الكثيرون بمشاركة المعلومات الخاطئة من دون تدقيقها. وفي حين يسعى البعض وراء الحصول على الإعجابات بغض النظر عن صحة المعلومة، فإن هناك آخرين ممن يشكون في صحة المعلومة ولكنهم يقومون بمشاركتها على أية حال بهدف إطلاع الآخرين وأخذ رأيهم فيها، أو ظناً منهم أنها قد تكون مفيدة لأحد الأصدقاء. لكن مجرد مشاركة منشور من هذا النوع تزيد من احتمال تصديق الناس لها نتيجة تكرارها ورؤيتها لعدد كبير من المرات.

مثال من الأخبار المزيفة التي انتشرت على مدى واسع في مصر حتى صدقها الناس.

3- عدم توافر معلومات صحيحة كافية

عندما لا تتوافر معلومات مثبتة علمياً حول موضوع ما، فإن ذلك يفسح المجال لعدم اليقين وانتشار الإشاعات الخاطئة. وفي الوقت الحالي، هناك نقص كبير في المعلومات حول فيروس كورونا، مما يدفع الناس إلى البحث عن أي معلومة حول المرض وكيفية الوقاية منه. وعلى سبيل المثال، توفي عدد كبير من الأشخاص في إيران نتيجة تناولهم للكحول المعدّ لأغراض صناعية بسبب إشاعة خاطئة عن فعاليته في مقاومة الإصابة بفيروس كورونا.

4- التحيز الذاتي

يميل الأشخاص إلى البحث عن المحتوى الذي يعزز قناعاتهم ومواقفهم، وهو ما يسمى بالتعرض الانتقائي للمحتوى؛ لذا قد تجد أشخاصاً مثقفين يصدقون معلومات كاذبة لأنها تدعم موقفهم السياسي أو الحزبي أو تسبب الضرر لخصومهم. وقد أدت هذه الظاهرة إلى نشوء ما يعرف بغرف الصدى على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث تتشكل مجموعات وصفحات من الأشخاص الذين يمتلكون نفس وجهات النظر حول أمر ما، ويتشاركون المعلومات التي تعزز من مواقفهم. وأبرز مثال خلال الأزمة الحالية على ذلك هو مجموعات فيسبوك التي روجت لنظرية المؤامرة التي تربط بين فيروس كورونا وشبكات الجيل الخامس.

كيف يمكننا محاربة المعلومات الكاذبة؟

ساد الاعتقاد سابقاً أن مجرد إثبات أن المعلومة خاطئةٌ يكفي لإقناع الأشخاص بالعدول عن تصديقها. لكن هذه الطريقة أثبتت عدم جدواها؛ إذ إنه عندما تصل المعلومة المضللة اليوم إلى عدد كبير من الأشخاص على منصات التواصل الاجتماعي، يغدو من الصعب دحض قناعاتهم. على سبيل المثال، هناك عدد كبير من منكري التغير المناخي الذين يرفضون جميع الأدلة العلمية على حدوثه.

لذا ينبغي اتباع منهج علمي وقائي لمواجهة الأكاذيب ولمنع انتشارها في المقام الأول، وهذا يشتمل على عدة أساليب:

  • تقديم الحقائق بأبسط طريقة ممكنة وإرفاقها بالصور التوضيحية، مما يزيد من فرص استدامتها في عقول الناس.
  • التريث قبل مشاركة أي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث ينبغي عدم الانقياد وراء المشاعر والقيام عوضاً عن ذلك بالتفكير منطقياً في محتوى المنشور قبل مشاركته. ويمكن مثلاً البحث عن مصدر المعلومة أو التأكد من اسم الطبيب الذي ذكر فيها إن كان موجوداً فعلاً، وربما البحث عن اسمه على تويتر مثلاً والتأكد من قوله للمعلومة.
  • متابعة الحسابات الموثوقة لوكالات الصحة المحلية والدولية عوضاً عن حسابات وهمية أو غير معروفة.
  • متابعة حسابات وسائل الإعلام المعروفة للتأكد من صحة الأخبار.
  • الشك في أي حساب يقدم معلومات مثيرة أو غريبة أو مزعجة أو مقلقة.
  • عدم الاكتفاء بقراءة عنوان الخبر قبل مشاركته.
  • ينبغي على منصات تدقيق الحقائق ووسائل الإعلام الرئيسية أن تزيد من سرعة دحض المعلومات الكاذبة قبل أن تتفشى على وسائل التواصل الاجتماعي.
  • ينبغي على وسائل التواصل الاجتماعي إضافة أنظمة إنذار للمحتوى المشكوك فيه.

وفي نهاية المطاف، لا أحد منا مُحصَّن ضد المعلومات الكاذبة، حتى الأكثر ذكاءً بيننا. وعلى الرغم من عدم وجود علاج سحري لظاهرة المعلومات الكاذبة وتصديقها، لكن من خلال التريث والتحقق قدر الإمكان قبل مشاركة أي محتوى أو تصديقه، يمكننا تخفيف انتشار المعلومات الخاطئة، التي قد تتسبب في عواقب خطيرة -في الوضع الراهن- على صحة الآخرين.

منصات موثوقة لتدقيق الحقائق:
منظمة الصحة العالمية
بوليتي فاكت
بوينتر
فولفاكت
وزارة الصحة ووقاية المجتمع في الإمارات
وزارة الصحة في السعودية

المحتوى محمي