ترددت عبارة "العدو غير المرئي" عن فيروس كورونا كثيراً في الآونة الأخيرة بين الأشخاص البعيدين عن الأضرار المباشرة من جائحة انتشاره، إلا أن أضراره على البشرية والمجتمع والاقتصاد باتت واضحة جداً، مما يدفع العلماء لابتكار وسائل معالجة حديثة، بالإضافة إلى البحث في تجارب العقود الماضية.
فمثلاً خلال جائحة الأنفلونزا الأسبانية H1N1 بين عامي 1918 - 1920 قبل وجود اللقاحات، لجأ الأطباء إلى استخلاص الأجسام المضادة من مصل دم المرضى -ما يُعرف ببلازما النقاهة- الذين أصيبوا ثم تعافوا من هذا الفيروس ومن ثم نقلوها إلى المصابين، فتبين لهم أن هذه العملية أدت إلى نتائج جيدة، ولكن مع تطور الأدوية واللقاحات تلاشت هذه العملية نظراً لصعوبة تطبيقها على نطاق واسع حيث تحتاج لمتبرعين بالدم، واقتُصر استخدامها على المرضى في حالات متطورة وخطرة كالإيبولا أو متلازمة الضائقة التنفسية الحادة (سارس).
مع ظهور مرض COVID-19 الناتج عن انتشار فيروس كورونا "SARS-CoV-2" بدايةً في الصين، قام الأطباء هناك باستخدام نهج بلازما النقاهة الذي أعطى نتائج جيدة وأنقذ حياة بعض المصابين الذين كانوا في حالة متقدمة من المرض خلال فترة قصيرة.
أعلنت بعض المستشفيات -ومنها مستشفى مونت سيناي في مدينة نيويورك- بتاريخ 23 مارس، أنها تسعى لتطبيق هذا العلاج على مرضى العناية المشددة المصابين بالفيروس، وهذا بالتعاون مع مخبر وادسورث في مدينة آلبني عاصمة ولاية نيويورك، وتحت إشراف إدارة الغذاء والدواء الأميركية.
في الحالة الطبيعية يجب أن تتم العديد من الأبحاث والدراسات التي تثبت فعالية العلاج وسلامته قبل اعتماده وموافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية عليه. ولكن في ظل حالة الطوارئ الراهنة، سيتم -تحت الرقابة المشددة من قِبل هذه الوكالة- البدء بمعالجة مرضى كوفيد-19 الذين يعانون من حالة صحية متدهورة ومهددة لحياتهم -بسبب فشل الأعضاء المتعدد أو الفشل التنفسي أو الصدمة الإنتانية- بطريقة بلازما النقاهة. كما يمكن للكوادر الطبية المعرَّضة للفيروس الاستفادة من هذا العلاج للوقاية من الإصابة.
ويمكن للمرضى المتعافين والمشخصين مخبرياً بفيروس كورونا التبرعَ بالدم لإنقاذ المصابين إذا توافرت لديهم شروط معينة؛ حيث يجب التأكد من أن تحليل الدم أو المسحة الأنفية الحلقية سلبي وأن أي أعراض للمرض قد زالت خلال آخر 14 يوماً، بالإضافة إلى التأكد من أن كمية الأجسام المضادة للفيروس في الدم كافية. يُنقل الدم إلى بنك الدم حيث يتم التأكد من خلوه من الفيروسات والعوامل الممرضة، ثم تُقام عملية فصل المصل من الدم، فهو الجزء الحاوي على الأجسام المضادة التي تلتصق بالعامل الممرض وتُبطِل مفعوله.
بالرغم من سهولة هذه العملية نظرياً، إلا أن هناك الكثير من الأمور التي تحتاج دراسة وتوضيحاً؛ فمثلاً لم يتمكن العلماء بعد من معرفة مقدار الأجسام المضادة اللازم من أجل المعالجة، أو ذلك اللازم لحالة الوقاية التي قد تحتاج كمية أقل. كما أن كلّاً من البروفيسورة ليزين بيروفسكي، اختصاصية الأمراض المعدية في كلية ألبرت أينشتاين للطب في نيويورك، والدكتور أرتورو كاساديفال، رئيس قسم الميكروبيولوجي الجزيئية والمناعة بجامعة جونز هوبكينز في بالتيمور بالولايات المتحدة، يحذران من أن هذه العملية تحتاج إلى درجة عالية من التعاون بين أطباء الأمراض الإنتانية وأمراض الدم وبنوك الدم، وينصحان جميع الأنظمة الصحية حول العالم باتباع هذه الطريقة التي قد تُسهم في احتواء فيروس كورونا.