بدأ الذكاء الاصطناعي بالفعل يأخذ خطواتٍ جريئة في الطب، مع العديد من التطبيقات التي تقودها هذه التقنية، التي دخلت حيّز الاستخدام بالفعل. ولا شك في أن الذكاء الاصطناعي يستجلب الكثير من المزايا في مجال الرعاية الصحية، لكن النقاش الدائر الآن هو حول إمكانية استخدام هذه التقنية بدلاً من الأطباء.
قدرة فاعلة
يُستخدم الذكاء الاصطناعي حاليًا بشكل متزايد في قطاع الطب، ويمكن رؤية ذلك بسهولة من خلال تشخيص الأمراض بشكل دقيق يتفوّق على الأطباء أنفسهم؛ ففي دراسة عرضتها مجلة نيتشر في مايو 2019، تفوّقت خوارزمية "جوجل" على 6 من أطباء الأشعة لتحديد ما إذا كان المرضى يعانون من سرطان الرئة، وقد اكتشفت الخوارزمية الأورام بنسبة 5% أعلى من البشر، وقلّلت من نسبة الخطأ بأكثر من 10%، وتم تطويرها باستخدام نتائج فحص أشعة لحوالي 42000 مريض.
ولا يقف الذكاء الاصطناعي عند تشخيص أمراض السرطان، حيث ابتكرت شركة "إيماجين" (Imagen) أداة "Osteo Detect"، وهي خوارزمية تحدد ما إذا كان المعصم مكسوراً أم لا، وتعمل عن طريق تحليل صور الأشعة ثنائية الأبعاد لمعصم المريض، ثم تحدّد مكان الكسور إن وُجدت على الصور. وقد أكدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إعتماد هذه الأداة بشكل رسمي في الولايات المتحدة.
وبالنسبة للأطباء، هناك ثلاثة أشياء رئيسية يقومون بها: التشخيص (اكتشاف الخلل في جسد المريض)، والعلاج (الخطوات للمساعدة على تحسّن المريض)، وإعادة التشخيص (الوقت الذي يحتاجه قبل استعادة الحالة الطبيعية). ويمكن الآن تنفيذ هذه المهام الثلاث بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستخدم التعلّم العميق والتعلم الآلي بدقة. وعلى الرغم من ذلك، يعتقد العلماء أن الذكاء الاصطناعي لن يُقصي الأطباء ولكنه سيؤدي إلى تغييرات هائلة في مجال الطب، وتستند هذه الحجة إلى حقيقة أن هناك حاجة إلى لمسة الإنسان في تقديم الرعاية الصحية.
ميزة التعاطف
يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي مفيدًا في الرعاية الصحية بلا شكّ، خصوصاً في الأماكن عالية الأمراض أو منخفضة الموارد، غير أنه لا يزال أداة تشخيصية كما يؤكد الدكتور في مكتبة الطب الوطنية الأميركية "سمير أنتاني" في مقالة نشرها العام الماضي. وتُستخدم الروبوتات في الطب بما في ذلك العمليات الجراحية، حتى أنه يتم استخدامها في بعض الإجراءات الطبية عن بعد، ومع ذلك فإن تكنولوجيا الروبوتات الطبية لا تزال بعيدة عن الوصول إلى نقطة مماثلة لكيفية عمل الأطباء البشر؛ لأن هذا النوع من الوظائف يعتمد بشكل كبير على التعاطف والتواصل، وهذا ما ما يفتقر إليه الذكاء الاصطناعي.
ويعدّ التعاطف أداةً مهمة في حقل الرعاية الصحية؛ فالمريض الذي يخضع لتشخيص مرض السرطان مثلاً يحتاج إلى إمساك إنسان بيديه والتحدّث معه. هناك دائمًا علاقة بين الطبيب والمريض، وهذا يشكّل قيمة كبيرة للمريض؛ لأنه يرفع من معنوياته ويساعده على التمسّك بخطة العلاج. وعلى النقيض، لا يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على بناء علاقة التعاطف هذه، خصوصاً أن خوارزميات المعلومات العاطفية (Emotional Informatics) التي يتم تدريب الآلات عليها عاجزة عن التعرّف على المشاعر البشرية، وبالتالي فليس لديها القدرة على الاستجابة للمرضى بطريقة مناسبة.
انحياز البيانات
قضية أخرى هي البيانات نفسها. فنجاح الذكاء الاصطناعي في الطب يعتمد على توفير بيانات تدريب مكتملة وذات جودة، وإلا ستكون النتائج المنبثقة عنه متحيّزة وغير عادلة. هذا ما تؤكده دراسة قام بها باحثون في جامعة كاليفورنيا باركلي نشرتها مجلة "ساينس" نهاية شهر أكتوبر الماضي، وجاء فيها أن إحدى الخوارزميات -التي يستخدمها العديد من المستشفيات الأميركية للتنبؤ بالمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية صحية إضافية- قد قامت بمنح المرضى من ذوي البشرة البيضاء امتيازات خاصة مقارنةً بالمرضى من ذوي البشرة السمراء، حيث نقلت هذه الخوارزمية عملياً ذوي البشرة الفاتحة إلى مواقع أعلى في لائحة الانتظار لعلاجات خاصة بالحالات الصحية المعقدة مثل مشاكل السكري والكلى.
ويجتهد عدد من المنظمات لتحسين نوعية البيانات الطبية المدخلة إلى الذكاء الاصطناعي كمنظمة "Count me in" التي تأسست عام 2018، وتعمل على مشروع جمع المعلومات الطبية حول مرض السرطان، من خلال أخذ عينات الورم والدم وتجميعها في قواعد بيانات للباحثين. وهذا المشروع هو ثمرة تعاون بين عدد من الجهات، من بينها جامعة إم آي تي، وجامعة هارفارد، ومجموعة إيمرسون لصاحبتها أرملة ستيف جوبز.
وسواء اعتقد البعض أن الذكاء الاصطناعي سيحل مكان الأطباء أم لا، يبقى ثابتاً أن هذه التكنولوجيا ستلعب دوراً كبيراً في قطاع الرعاية الصحية، من تشخيص الأمراض ومكافحتها وغيره ذلك، وسيكون المريض حتماً هو المستفيد الأكبر من كل ذلك.