كان الاشتراك في مبادرة تريليون شجرة بمثابة رسم الانضمام إلى النخبة العالمية في المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام (إضافةً إلى عشرات آلاف الدولارات ثمناً لشارة الانضمام). وفي الواقع، كانت زراعة الأشجار هي القضية الاستثنائية التي اتّفقت عليها العالِمة جين جودل مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المنتدى الذي عُقد في مدينة دافوس السويسرية.
في هذه الأثناء، كشف موقع أكسيوس Axios في شهر يناير من هذا العام أن العضو الجمهوري في الكونجرس من ولاية أركنسا، بروس ويسترمان، يعمل على مشروع قانون يُطلق عليه اسم قانون تريليون شجرة، الذي من شأنه أن يضع هدفاً وطنياً لزراعة الأشجار (على الرغم من أنه لن يقوم بذلك كما يتّضح، ولا يمكن بالتأكيد أن يكون الهدف هو الوصول إلى عدد تريليون فعلاً).
من الرائع أن تتمتّع الأشجار بهذه الشعبية؛ إذ يجب على الدول أن تقوم بزراعة أكبر عدد ممكن منها وحمايتها، لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو وتوفير مساكن طبيعية للحيوانات وإحياء النظم البيئية الهشة.
يقول روجر إينس، الذي يقود مبادرة الكربون في مختبر لورانس ليفرمور الوطني، وهو برنامج بحثي يتعلّق بإزالة ثاني أكسيد الكربون: "الأشجار هي حل مهمّ وواضح جداً وملائم جداً من الناحية الاجتماعية".
لكنها أيضاً طريقة محدودة ولا يمكن الوثوق بها لمعالجة تغير المناخ. لدينا سجل رهيب في القيام بمحاولات إعادة تشجير الغابات حتى الآن؛ حيث سيتعين علينا زراعة عدد كبير من الأشجار وحمايتها لعقود من الزمن لمواجهة جزء بسيط من الانبعاثات العالمية. وقد تذهب سنوات المحاولات تلك سدى بسبب موجات الجفاف أو حرائق الغابات أو الأمراض أو إزالة الغابات في أماكن أخرى.
ربما يكون الخطر الأكبر هو أن جاذبية الحلول التي تبدو طبيعية يمكن أن تخدعنا للاعتقاد بأننا نتخذ إجراءات أكثر جدوى مما نقوم به بالفعل. تقول جين فليجال، عضو هيئة التدريس المساعدة في كلية مستقبل الابتكار في المجتمع بجامعة ولاية أريزونا، إن هذه الحلول "تدعو الناس إلى اعتبار زراعة الأشجار بديلاً" عن التغييرات الشاملة المطلوبة لمنع انبعاثات غازات الدفيئة من الوصول إلى الغلاف الجوي في المقام الأول.
وبما أننا نبحث في الدور الذي يمكن أن تلعبه الأشجار في مكافحة تغير المناخ، فمن المهم مراعاة العديد من القضايا.
الوقت
أعلن مؤخراً تطبيق مخصّص لحجوزات السفر يسمى هوبر Hopper أنه سيتبرع بما يكفي لزراعة 4 أشجار عن كل رحلة طيران يتم حجزها على خدمته.
وتشير تقديرات الشركة إلى أن الشجرة الواحدة في المتوسط لا تقوم باحتجاز سوى طن متري واحد من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يقرب من حصة راكب واحد في رحلة طيران متوسطة يتم شراؤها من خلال التطبيق. تكمن المشكلة في أن هذا الأمر يتطلب حوالي 40 سنة من نموّ الأشجار. وعند الأخذ بالاعتبار اختلاف الأنواع والظروف المناخية وغيرها من العوامل الأخرى، تتوقع الشركة أن الأمر سيستغرق عادةً حوالي 25 عاماً لتحييد كمية الانبعاثات الصادرة عن كل رحلة، وذلك عند زراعة 4 أشجار لكل مسافر.
وبالتالي، سيكون من الواهم تماماً الاعتقاد بأن هذه الأنواع من برامج تحييد الكربون تجعل إجراءاتنا محايدة الكربون على الفور. لكن يمكن لمثل هذا الاعتقاد أن يشجعنا على مواصلة إصدار الكربون في وقت يجب فيه خفض الانبعاثات بسرعة.
إذا قارنت بين كافة رحلات الطيران وكل الشركات التي تبرّر استمرار أعمالها كالمعتاد مع زراعة الأشجار التي لن يكون لها تأثير كبير على مدى عقدين من الزمن -على فرض بقاء الأشجار على قيد الحياة لهذه المدة الطويلة- فستدرك بسرعة أن هذا الاعتقاد يمكن أن يصبح مشكلة رئيسية.
النطاق
حتى تلعب الأشجار دوراً رئيسياً في المناخ، لا بدّ علينا من إيجاد مساحة لزراعة عدد هائل منها.
قدّر تقرير صدر العام الماضي من الأكاديميات الأميركية الوطنية للعلوم والهندسة والطب أن إزالة 150 مليون طن متري واحتجازها في العام يتطلب تحويل حوالي 10 مليون فدان من الأراضي إلى غابات لا يمكن جني محاصيل منها. وتعتبر هذه المساحة أكبر من ولاية ماريلاند.
لكن الولايات المتحدة مثلاً أنتجت حوالي 5.8 مليار طن من الانبعاثات خلال اقتصادها العام الماضي. وفي غياب السياسات المناخية الأخرى، فهذا يشير إلى أننا نحتاج إلى تخصيص حوالي 371 مليون فدان، أو ما يعادل أكثر من ضعف مساحة ولاية تكساس.
وتكمن المشكلة في أن الولايات المتحدة ومعظم الدول ليس لديها مساحات شاسعة من الأراضي الملائمة. كما أن تحويلها إلى ذلك سيؤثر على الزراعة وإنتاج الغذاء وقطع الأشجار وغيرها من الاستخدامات.
وفي الواقع، خلص تقرير صدر مؤخراً عن لجنة التغيّر المناخي إلى أن المملكة المتحدة ستحتاج إلى تخصيص خمس أراضيها الزراعية لتخزين الكربون، بالإضافة إلى العديد من الجهود الأخرى، للوصول إلى هدفها المتمثّل في أن يصبح صافي انبعاثاتها مساوياً للصفر بحلول عام 2050.
وبالنظر إلى محدودية الأراضي والقيود الاقتصادية وغيرها من العوامل الأخرى، تقول دراسة الأكاديميات الأميركية الوطنية إن الكمية "التي يمكن الوصول إليها عملياً" لإزالة الكربون بسبب الغابات في الولايات المتحدة تُقدّر بنحو 250 مليون طن متري سنوياً، أي ما يعادل 1/23 مما تم إنتاجه في العام الماضي.
ومع افتراض وجود كثافة نسبية للأشجار بمعدّل 2000 شجرة لكل هكتار (حوالي 840 شجرة لكل فدان)، فإن زراعة تريليون شجرة حول العالم تتطلب حوالي 500 مليون هكتار (1.2 مليار فدان). وقدّرت ورقة علمية أثارت الكثير من الجدل العام الماضي أن مساحة الأراضي المتوافرة حول العالم، التي يمكن أن تدعم الغطاء الشجري بشكل مستمر لا يستخدمها الإنسان حالياً، بنحو 900 مليون هكتار (2.2 مليار فدان).
لكن جيسي رينولدز، من جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، يشكّك في تلك الأرقام، مشيراً إلى أن بعض الأراضي من المرجّح أن تكون مخصّصة لرعي الماشية، بينما قال آخرون إن الكثير منها قد لا يكون صالحاً حقاً لمحاولات زراعة الأشجار.
كما اعترض النقاد أيضاً على الاستنتاجات الأوسع نطاقاً للدراسة، التي وصفت زراعة الأشجار بأنها "أفضل حلّ متاح اليوم لتغير المناخ"، بحجّة أن الباحثين بالغوا كثيراً في تقدير كمية ثاني أكسيد الكربون التي يحتمل تخزينها في كل هكتار أو فدان.
الحسابات
هناك تحديات متأصلة وربما لا يمكن التغلب عليها في إجراء تقييم دقيق لكمية ثاني أكسيد الكربون الإضافية التي نقوم بإزالتها من خلال محاولات زراعة الأشجار. فقد وجدت الدراسات والاستقصاءات باستمرار أن برامج تحييد الكربون -بما فيها البرامج التي أطلقتها الأمم المتحدة وولاية كاليفورنيا- بالغت كثيراً في تقدير الانخفاضات الناجمة عن الأشجار وخدعت أصحاب الأراضي.
المشكلة هي أن برامج تحييد الكربون غالباً ما يتم التعامل معها كاستبدال شيء بشيء آخر، مما يمنح الإذن بإصدار انبعاثات بنفس المستوى الذي من المفترض أن نحيّده. وبالتالي، إذا تم تضخيم كمية الانخفاضات المقدّرة، فقد يعني ذلك أننا سنصدر في النهاية كمية أكبر بالمجمل من الكمية التي كناّ سنصدرها من دون تلك البرامج.
الاستدامة
تشير فليجال إلى أنه من الغريب بشكل خاص أن نرى العديد من الأطراف تتبنّى فكرة زراعة الأشجار في نفس العام الذي شهدنا فيه حدوث حرائق كارثية في أستراليا وإزالة الغابات على نطاق واسع في البرازيل. فعندما تموت الأشجار والنباتات، سواء كان ذلك بسبب الحرائق أو قطع الأشجار أو بمجرد السقوط، فإن معظم الكربون المحتجز في جذوعها وأغصانها وأوراقها يعود ببساطة إلى الجو.
وتقول: "إن مجرد نقل مخزون ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي إلى المحيط الحيوي للأرض لا يعدّ احتجازاً دائماً للانبعاثات؛ إذ يمكن لأماكن احتجاز الكربون أن تصبح مصادرَ له بسرعة كبيرة".
ومن المرجّح أن يشكّل ذلك مشكلة أكبر مع ازدياد قساوة المناخ في السنوات القادمة. فمن المتوقع أن يؤدي الجفاف وارتفاع درجات الحرارة إلى إجهاد الغابات وجعلها أكثر عرضة لغزو حشرات الخنفساء وحدوث الحرائق الكبيرة.
فكرة مغرية
توصّلت معظم الأبحاث إلى أننا في حاجة إلى إزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء بكميات هائلة لمنع حدوث الاحترار بمستويات خطيرة. وتعدّ زراعة الأشجار هي الطريقة المتاحة الأرخص والأكثر موثوقية للقيام بذلك على نطاق واسع في الوقت الحالي. لذلك، لا شك في أننا في حاجة إلى إيجاد طرق أفضل لتشجيع محاولات زراعة الأشجار والحفاظ عليها وتمويلها ومراقبتها وفرضها في جميع أنحاء العالم.
إلا أن أحد التقارير السابقة الصادرة عن الأكاديميات الأميركية الوطنية وجد أن الأشجار لن تكون وحدها كافية لهذا الغرض المعروف باسم الانبعاثات السلبية. وسنحتاج إلى حلول برية أخرى، مثل إيجاد طرق أفضل لتخزين الكربون في التربة، والمفهوم الذي لا يزال نظرياً ويعرف باسم: الطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وعزله. وإذا كنا نأمل في تأمين الغذاء اللازم لسكان العالم الذين يتزايد عددهم بسرعة، فسنحتاج على الأرجح إلى حلول تقنية لا تشغل مساحة كبيرة من الأراضي، مثل آلات الاحتجاز من الهواء مباشرةً.
لذا، يمكن للأشجار أن تلعب دوراً في احتجاز الكربون الموجود أصلاً في الجو ولا بدّ أن تقوم بذلك، لفترة من الوقت على الأقل. لكن هذا سبب إضافي لعدم استطاعتنا الاعتماد على الأشجار كبديل مؤقت عن المهمة البارزة المنفصلة المتمثلة في خفض الانبعاثات من أنظمة الطاقة والنقل والزراعة.
ويذكر أن هناك مجموعة من القضايا المعقدة الأخرى التي يجب أخذها أيضاً بالاعتبار، بما فيها التكلفة المرتفعة لمحاولات زراعة الأشجار على نطاق واسع، والانبعاثات الإضافية التي تنجم عن زراعة الأشجار والعناية بها، وحقيقة أن الغطاء الشجري يمكنه أن يمتص الحرارة ويزيد الاحترار إلى حد ما.
ولكن حقيقة الأمر أن الناس يريدون الأشجار ليتمكّنوا من حل هذه المشكلة. فالحلول التي تبدو طبيعية هي أكثر جاذبية من الحلول التقنية؛ إذ إنها تتفادى التسبب في عدم الاستقرار والحلول باهظة الثمن مثل محطات الغاز الطبيعي مع أنظمة احتجاز الكربون ومحطات الطاقة النووية وخطوط النقل طويلة المسافات.
لذلك سوف يميل الناس والمنشورات من كافة الأطياف السياسية إلى تبنّي أسطورة أن الأشجار ستُنقذنا، وسيقوم أولئك الذين يأملون في عرقلة الجهود الأكثر فعالية أو الحدّ منها باستغلالها بسعادة بالغة.