أصدرت مجموعة من الخبراء الذين يقدمون المشورة لحكومة المملكة المتحدة تقريراً جديداً يحتوي تقييماً شديد الانتقاد لخطة البلاد المسماة "المناعة الجماعية" (أو مناعة القطيع) في مواجهة فيروس كورونا. وقد أشار التقرير إلى أن ما يصل إلى 250.000 شخص قد يموتون نتيجة اتباع هذه الخطة، وأنها ستكون ضعيفة الكفاءة في منع تعرض مرافق الرعاية الصحية لضغط كبير يفوق طاقتها.
خلفية الخبر
أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في الأسبوع الماضي أن بلاده ستتبنى إستراتيجية لمواجهة فيروس كورونا مختلفة عن تلك التي يتبعها جيرانها الأوروبيون. لقد سعت معظم الحكومات إلى كبح انتشار الفيروس عن طريق الحد من التجمعات الكبيرة، وفرض قيود الحجر الصحي، والتشجيع على الابتعاد الاجتماعي. لكن جونسون قال إن البلاد سوف تستغني عن مثل هذه الإجراءات بواسطة خطة غير عادية لمنع تفشي المرض من إرباك نظام الرعاية الصحية ولحماية الفئات الأكثر ضعفاً خلال مواسم ذروة العدوى. وبموجب هذه الإستراتيجية، كان من المتوقع أن يصاب 60% على الأقل من السكان بالفيروس وأن يتعافوا منه، وسيكون معظم المصابين من الأفراد الأصغر سناً الذين سيواجهون شكلاً بسيطًا من المرض. لقد اعتقدت الحكومة أن ذلك سيؤدي إلى تشكيل "مناعة جماعية" تجاه المرض من شأنها أن تحمي لاحقاً الفئات الضعيفة من العدوى، بينما تتجنب -في نفس الوقت- "الإرهاق السلوكي" الذي قد يتسبب في امتناع الناس عن التعاون مع تدابير السلامة بمرور الوقت.
إدراكٌ للتبعات وانعطافةٌ حادة
قوبلت هذه الإستراتيجية بنقدٍ شديد خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي؛ حيث كشف فريق الاستجابة لفيروس كوفيد-19 ومقره إمبريال كوليدج في لندن يوم 16 مارس أن خبراء الحكومة قد أدركوا خلال الأيام القليلة الماضية فقط أن سياستها "من المحتمل أن تؤدي إلى مئات الآلاف من الوفيات"- وربما 250,000 وفاة- وأن العبء على أنظمة الصحة سيتجاوز استطاعة المرافق الصحية ومواردها بما يصل إلى 8 مرات.
وصرحت أزرا غاني، رئيسة قسم علم أوبئة الأمراض المعدية في إمبريال كوليدج، للصحفيين يوم 16 مارس: "كنا نتوقع أن يتم بناء المناعة الجماعية، لكننا ندرك الآن أن من غير الممكن تحمل نتائج ذلك". وفي المقابل، يدعو التقرير إلى كبح تفشي الفيروس عن طريق اتباع إجراءات صارمة من شأنها أن تبقي أعداد الحالات منخفضة باستمرار، بما يتماشى مع ما تفعله العديد من البلدان الأخرى.
تصحيح المسار
يبدو أن حكومة المملكة المتحدة قد أدركت أخطاءها وهي تسعى جاهدة الآن للقيام بعمل أفضل؛ ففي يوم 16 مارس، طلب جونسون من الناس تجنب "الاحتكاك غير الضروري" والامتناع عن الذهاب إلى الأماكن والمواقع المزدحمة، حيث يدخل حظر التجمعات الجماهيرية حيز التنفيذ يوم 17 مارس. كما تم حث العائلات على البقاء في المنزل لمدة 14 يوماً في حالة ظهور أي أعراض على أي فرد من الأسرة، وعدم الخروج "حتى لشراء الطعام أو الضروريات".
وقالت غاني: "لا يتمثل هدفنا الآن في إبطاء معدل تزايد حالات الإصابة، وإنما في عكس مسار الوباء، عاقدين الأمل على أن لا يتجاوز عدد الوفيات عشرات الآلاف، ربما بضعة آلاف فقط".
لسوء الحظ، يشير التقرير أيضًا إلى أنه قد ينبغي الالتزام بالعزلة والابتعاد الاجتماعي إلى أن يتم إنتاج لقاح ناجع لفيروس كورونا، الذي قد يستغرق ما يصل إلى 18 شهراً. وقد قال نيل فيرغسون، عالم الأوبئة في إمبريال كوليدج: "إن الإستراتيجية الوحيدة للخروج من هذه الأزمة حقاً هي التطعيم أو أشكال أخرى من التكنولوجيا المبتكرة".