انتشر فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بشكلٍ غير متوقع وبمعدلٍ مُرتفع من تجمعاته الأولية في الصين ليصل لأكثر من 100 دولة حول العالم مع عدد إصاباتٍ بلغ أكثر من 110 ألف شخص وأكثر من 4000 حالة وفاة، حتى الآن. بسبب تأثير انتشار فيروس كورونا على مستوى العالم، قامت منظمة الصحة العالمية بإعلانه حالة طوارئ عالمية في شهر فبراير، وأخيراً تم الإعلان عنه كوباءٍ عالميّ في شهر مارس.
لو قمنا بمقارنة الوضع الحاليّ مع انتشار فيروس سارس سنة 2003، سنُلاحظ أن العاملين في مجال الرعاية الصحية قادرين على الاستفادة من الكثير من الأدوات والتقنية الحديثة والتي تساعد على تكوين فهمٍ قيمٍ لفيروس كورونا وتوجيه جهود الوقاية بطرقٍ فعالة ودمج الجهود البشرية المختلفة في مجال المساعدة والدعم، وأخيراً تسهيل عمليات البحث العلميّ المتعلقة بالفيروس نفسه. بمعنى آخر، وفرت التقنية الحالية وسائل بالغة الأهمية من أجل مكافحة انتشار الفيروس والحد من مخاطره.
بدأت برمجيات الذكاء الاصطناعيّ في السنين الأخيرة بلعب أدوارٍ هامة في قطاع الرعاية الصحية: تسمح الأدوات المبنية على الحوسبة المتقدمة وتحليل البيانات بمشاركة المعلومات وكذلك ممارسات التشخيص الطبي وهذا سينعكس بدوره على تعميق الإدراك والفهم الذي يمتلكه العاملون في المجال الطبي للأمراض وكيفية انتشارها. مدفوعةً بالحاجة العاجلة المتمثلة باحتواء فيروس كورونا، عملت الهيئات الحكومية والشركات الخاصة حول العالم بشكلٍ متزايد على الاستثمار أكثر في التقنيات المبنية على خوارزميات الذكاء الاصطناعيّ لتكون قادرة على توفير معلوماتٍ دقيقة حول انتشاره وكذلك من أجل دعم عمليات معالجة الأشخاص المصابين.
الذكاء الاصطناعي وأبحاث فيروس كورونا
يمتلك فيروس كورونا المستجد سلوكاً غير قابلٍ للتوقع فضلاً عن قابليته العالية لنشر العدوى، وهذا الأمر دفع الباحثين في المجتمعات الطبية للتركيز على تحليل بنية الفيروس وإعطائها الأولوية من أجل فهمه على أفضل نحوٍ ممكن وتطوير لقاحٍ مناسبٍ له، إلا أن هذه المهمة تمثل تحدياً كبيراً مع هذا الفيروس بالتحديد كونه ينتمي لفصيلةٍ من الفيروسات التاجية المغلفة والتي تتضمن جديلة واحدة من بنية رنا RNA، وبشكلٍ مشابهٍ للفيروسات الأخرى التي تمتلك جديلتين (مثل فيروس الإيدز وإيبولا والانفلونزا) يستطيع فيروس كوفيد-19 أن يقوم بإنشاء طفراتٍ بسرعةٍ عالية، أي أن هنالك نسخ جديدة ذات بنى مختلفة تظهر بشكلٍ متواصل، بما يجعل عمليات التطوير الهادفة للحصول على لقاح ضده أمراً أكثر صعوبة.
من أجل دعم الأبحاث الخاصة بفيروس كوفيد-19، قام شركة بايدو Baidu الصينية بإتاحة خوارزمية الطي الخطي Linearfold Algorithm الخاصة بها للاستخدام من قبل العلماء والفرق الطبية التي تعمل على مكافحة تفشي الفيروس. تم تطوير هذه الخوارزمية بالتعاون مع جامعة ولاية أوريغون وجامعة روشستر في 2019، وهي أسرع بكثير من الخوارزميات السابقة والمستخدمة في نفس المجال من أجل تحديد بنية الرنا الثانوية للفيروس والتي ستنتج عن عملية الطي، وعند تحليل تغيرات البنيوية الثانوية لسلاسل الرنا ذات التركيب المتشابه (كما هو الحال بين البشر والخفافيش) سنتمكن من إدراك كيفية انتشار الفيروس بين الكائنات المختلفة على نحوٍ أفضل. عند استخدام خوارزمية الطي الخطي المطورة من قبل بايدو، تمكن العلماء من تخفيض الزمن اللازم لتوقع البنية الثانوية لفيروس كوفيد-19 من 55 دقيقة إلى 27 ثانية فقط، أي تم تسريع العملية بنحو 120 مرة.
ساهمت أيضاً خوارزمية الطي الخطي بالكشف عن معلوماتٍ هامة تتعلق بجزيء الرنا المرسال mRNA، وهو عبارة عن نسخة من الرنا المسؤولة عن إعلام الخلايا بضرورة تشكيل البروتينات. كشفت الأبحاث الجديدة المعتمدة على خوارزمية الطي الخطي من بايدو أن البنية الثانوية للرنا المرسال ترتبط بعوامل هي نصف-العمر الوظيفي وهي تملك تأثيراً على عملية تفسير (ترجمة) البروتينات. الحصول على معلوماتٍ بهذه الأهمية حول بنية الرنا المرسال الخاص بالفيروس سيساعد بشكلٍ كبير على تقصير الزمن اللازم لتطوير لقاحٍ بكفاءةٍ عالية وبما يساهم بإنقاذ حياة الآلاف، وربما الملايين.
إجراء فحوصات آمنة وفعالة في الزمن الحقيقي
أحد أهم الأمور التي كان من الضروريّ تنفيذها للحد من الانتشار المتسارع للفيروس هو تأمين وسائل مراقبة وفحص سريعة وذكية تستطيع اكتشاف الحالات المصابة والإبلاغ عنها من أجل عزلها بشكلٍ فوريّ، خصوصاً في الأماكن العامة ذات الازدحام الكبير مثل محطات القطارات ومواقف الحافلات وقطارات الأنفاق. قامت بايدو بتطوير عدة تقنيات تساهم بدعم الجهود بهذا المنحى، ومنها تطوير نظام استشعارٍ حراريّ يعتمد على برمجيات الذكاء الصنعيّ يمكن استخدامه في الأماكن العامة والمرافق شديدة الازدحام من أجل تحديد فيما إذا كان أحد المارة يعاني من حمى وحرارة مرتفعة، وهي من الأعراض الشائعة المترافقة مع الإصابة بفيروس كورونا. يتم استخدام هذه التقنية حالياً في إحدى محطات القطارات في مدينة بيجينج للتعرف على الإصابات المحتملة من بين المارة، وهي قادرة على فحص 200 شخص في الدقيقة الواحدة بدون إعاقة تدفق المارة أو إجبارهم على الانتظار طويلاً، كما هو الحال في إجراءات الفحص والتحقق التقليدية التي يقوم بها أفراد الطواقم الطبية، والتي بدوره ستُسبب ا ازدحاماً كبيراً وترفع من خطر العدوى بين الأفراد.
قامت بايدو أيضاً بإطلاق أول نموذجٍ لبرمجيةٍ مفتوحة المصدر تساعد في تحديد إن كان المارة يرتدون الأقنعة الواقعية أم لا، وقد أظهر النموذج قدرته على التعرف الدقيق بنسبة 97.27%، كما أن هذه التقنية تتيح مراقبة استجابة السكان لانتشار الفيروس عبر ملاحظة التغيرات السلوكية التي يبديها المارة من ارتداءٍ للأقنعة الواقعية أو الحفاظ على مسافة جيدة مع الآخرين أو الحرص على ارتداء قفازات وتعقيم اليدين بشكلٍ متواصل.
أتمتة إجراءات الرعاية الصحية
يتم استخدام التصوير الطبقي المحوري CT-Scan لمنطقة الصدر كواحدةٍ من سبل تشخيص الالتهاب الرئوي، وهو أحد الآثار المحتملة التي قد تنتج عن الإصابة بفيروس كوفيد-19، ومع عدم قدرة الأطباء التعامل مع الحالات التي تنتشر بشكل أسيّ ومتزايد سيكون من الجيد امتلاك أجهزة التصوير الطبقي المحوري لآلياتٍ تساعدها على العمل بشكلٍ أسرع والمساعدة في التشخيص السريع للحالات المصابة.
قامت شركة لينكينج ميد LinkingMed من بيجينج والمختصة بمجال تحليل البيانات الطبية بإطلاق أول أداةٍ مفتوحة مبنية على برمجيات الذكاء الاصطناعيّ من أجل تحليل صور الالتهاب الرئوي الناتجة عن أجهزة الطبقي المحوري وكشف الآفات المرتبطة بها، وتم بناء هذه الأداة اعتماداً على منصة التعلم العميق الخاصة بشركة بايدو، وتم استخدام هذه الأداة في مستشفى مرتبط بجامعة زيانج نان في مقاطعة هونان، حيث أظهرت الأداة أداءً عالياً وقدرةً على كشف المرض بأقل من دقيقة مع دقةٍ تبلغ 92%.
إحدى المشاكل المرتبطة بانتشار فيروس كورونا هو وصوله للمناطق الريفية والبعيدة عن المدن الكبرى والتي لا تمتلك نفس مستوى الجودة من ناحية خدمات الرعاية الصحية المتوفرة، ولتوفيرٍ حلٍ لذلك قامت بايدو بإطلاق منصةٍ استشارية على الإنترنت تضم آلاف الأطباء والمختصين في مجال الأمراض التنفسية والتي يمكن عبرها الاستفسار عن الأعراض وإجراء الفحوصات بما يساهم بحماية الأفراد والطواقم الطبية على حد سواء، كما يُساهم بتوفير حد أدنى من الرعاية الطبية للأفراد الذين يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها. ساهمت منصة بايدو بتوفير معلوماتٍ لأكثر من 15 مليون استشارة مختلفة ساهمت برفع مستوى الوعي المرتبط بمكافحة الفيروس فضلاً عن تزويد العدد من المرضى بخططٍ مخصصة لهم تتناسب مع شدة حالتهم.
يمكن أيضاً استخدام تقنيات الاتصال عن بعد المؤتمتة في مجال مكافحة انتشار فيروس كوفيد-19، وذلك عبر توفير برامج آلية تقوم بالإجابة على أسئلة المراجعين بشكلٍ تلقائيّ بما يساهم بنشر معلوماتٍ هامة بين المواطنين حول الفيروس، وقامت بايدو بتطوير مثل هكذا منصة والتي قامت حتى الآن بالإجابة على أكثر من 3 مليون اتصال وبقدرةٍ تصل حتى 1500 اتصال في الثانية. تستطيع هذه المنصات الآلية الاستعلام أيضاً عن العديد من الأمور مثل الحالة الصحية للأفراد وتاريخ التنقل الخاص بهم وكذلك الجهات المقربة منهم، وذلك بهدف تحليل هذه المعلومات وربطها مع الحالة الصحية للفرد ومحاولة تحديد فيما إذا كان مصاباً أو لا.
العربات ذاتية القيادة ومهام غير تلامسية
تتطلب عملية مكافحة انتشار فيروس كورونا إتاحة وصول أكبر عددٍ من السكان لخدمات الرعاية الصحية، وبنفس الوقت يجب الحرص على عدم التسبب بعدوى إضافية عبر الاحتكاك بين المصابين والطواقم الطبية. هنا تلعب العربات ذاتية القيادة دوراً كبيراً، إذ أنها تستطيع القيام بالعديد من المهام بما يخفف من التواصل البشريّ ويساعد في تعزيز إجراءات الحجر الصحيّ المفروضة على المرضى، وذلك عبر إجراء عمليات توصيل المواد والطعام للأفراد في المناطق عالية الخطورة بالإضافة لتنفيذها لعمليات تعقيم المشافي والشوارع بشكلٍ متواصلٍ ومستمر. الحفاظ على بيئة عقيمة مع إبقاء الأفراد بحالة حجر صحي سيُساهم بشكلٍ فعال بالحد من انتشار الفيروس.
عملت شركة بايدو أيضاً على المساهمة في هذا المجال عبر منصة أبولو للعربات ذاتية القيادة الخاصة بها، والتي تستخدم من أجل إيصال الطعام والمستلزمات المختلفة لمستشفى هايدان في العاصمة الصينية بيجينغ، وبهذه الصورة، تسهم هذه الآلية بتوفير الطعام والمواد المختلفة لحوالي 100 فرد من الطواقم الطبية الذين يعملون بشكلٍ متواصل لمعالجة أعداد المرضى المتزايدة، وبفضل نجاح هذه الترتيب، قامت بايدو بإتاحة منصة أبولو بشكلٍ مجانيّ للشركات الأخرى ليتم استخدامها في الجهود المخصصة لمكافحة فيروس كورونا.
نشر هذا المقال أساساً من قبل شركة بايدو على موقع إم آي تي تكنولوجي ريفيو الأم، وتم تعريبه وتحريريه في إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.