امرأة في سباق مع الزمن لنزع فتيل قنبلة موقوتة في جيناتها

5 دقائق
حقوق الصورة: بريون أليانس

في عام 2011 ، تسلمت سونيا فالاب تقريراً وراثياً يحتوي على حكم بموتها. لكنه حوى أيضاً خريطة لكيفية للخلاص من هذا الحكم.

وقد علمت أن جسدها كان يؤوي طفرة وراثية، وهي حرف واحد خاطئ في الحمض النووي في جين "البريون"، والذي يؤدي في النهاية إلى حالة دماغية نادرة تسمى الأرق العائلي القاتل. كانت والدتها قد ماتت في العام السابق، وكان الاختبار قد كشف عن أن فالاب قد ورثت هذا الخلل أيضاً.وقد أصبح اليوم قرار فالاب وزوجها إريك مينيكيل، بمحاولة منع مرضها - وهو ما سمته مجلة نيويركو "قصة حب بريونية"- معروفاً جيداً. فبعد تشخيص القنبلة الموقوتة الوراثية، تخليا عن عملهما في مهنتي القانون والهندسة وأصبحا عالمين يكرسان جهدهما لنزع فتيل تلك القنبلة. ويتوقع أن يحصلا على شهادة الدكتوراه في ربيع 2019.

وهما يعتقدان اليوم بعد سبع سنوات، أنهما وجدا علاجاً يمكنه فعل ذلك، وهو دواء يطلق عليه اسم دواء مضاد للإحساس، وهو نوع من الجزيئات التطابقية التي يمكن - في حال وصولها إلى الدماغ - أن تقلل إلى حد كبير من كمية بروتين البريون، وهو ما قد يحبط هذا التفاعل السلسلي الغامض للبروتينات التشابكية التي تميز أمراض البريون.

وتشرح فالاب الأمر بالقول: كلما قل البروتين، قلت فرص إصابتها بالمرض.

وأعلنت فالاب في يوليو 2018 على مدونتها أنها وزوجها مينيكيل يعملان مع شريك تجاري هو شركة أيونيس للتقانة الحيوية في كاليفورنيا، وهي متخصصة في المركّبات المضادة للإحساس. وكتبت فالاب: "للمرة الأولى، أشعر بالتفاؤل بشأن استراتيجية علاجية محددة. فمن المعقول أن يستطيع الدواء المضاد للإحساس علاج المرض في حياتنا".إن سباق فالاب للوقاية من مرضها البريوني يثير سؤالاً في عصر العلاج الوراثي. فبالنظر إلى مخطط الحمض النووي الكامل لمرضك الموروث، أو لمرض شخص تحبه، ما هي فرصتك في وقفه أثناء حياتك؟

هناك أسباب تدعو إلى الاعتقاد بأن هذه الأنواع من الجرعات الطبية الطويلة أصبح احتمال تحقيق أهدافها أكبر. وذلك لأن التسلسل الجيني يمكن أن يكشف عن العيوب الجزيئية بتكلفة زهيدة، ولكن أيضاً لأن مجموعة من التقنيات الواعدة - العلاج المضاد للإحساس، والتعديل الوراثي بتقنية كريسبر - قادرة على استبدال الجينات أو تسكينها، في تحديد المشاكل الجينية في مصدرها.

صورة عن قرب لنسيج دماغ متأثر بالبريونات، وهي بروتينات متشابكة تكون سامة للخلايا العصبية.
حقوق الصورة: ويكيميديا كومنز

علاوة على ذلك، تستخدم هذه العلاجات الرمز الوراثي، فهي في الواقع مكونة من الحمض الريبي النووي أو الحمض الريبي النووي منقوص الأوكسجين. وهذا يعني أنها نموذجية وقابلة للبرمجة بشكل أساسي. ونظرياً على الأقل، أصبح من الممكن الآن أخذ أي خلل جيني والتخطيط لعمل مضاد له.

في الواقع ، إن تطوير الأدوية أمر معقد. فمعظم الأدوية تفشل، وتنهار بسبب المفاجآت الحيوية والسمية غير المتوقعة لجسم الإنسان. لكن فالاب تقول إنها وفي الأيام الأولى والمربكة في سعيها لإيجاد هذا العقار، تلقت نصيحة نقدية من إريك لاندر عالم الأحياء الذي يرأس معهد برود، حيث يدرس ويعمل كل من فالاب وزوجها مينيكيل. وقد أخبرها إريك أن تركز على الخطأ الوراثي نفسه، وهو ما شمله تشخيص مرضها.

"وتتذكر فالاب قوله لها: "عليك أن تري ما في يديك وتتوقفي عن النظر".

وهذا يعني عدم الانتظار للرد على أسئلة علمية مهمة، مثل ما الذي يفعله بروتين البريون في الجسم، أو لماذا يقتل خلايا الدماغ عندما يتشابك. تقول فالاب البالغة من العمر 34 عاماً: "هناك الكثير من الأسئلة المثيرة للاهتمام حول مرض البريون، وستظل تلك الأسئلة مطروحة عندما نتعامل معها".

إن أمراض البريون غريبة إلى حد بعيد لأنها لا تسببها فيروسات، بل بروتين مُعدٍ. وهي تشمل مرض سكريبي في الأغنام ، ومرض كورو (ينتشر عن طريق أكل لحوم البشر)، ومرض كروتزفلت جاكوب، والنسخة البشرية من مرض جنون البقر.

كانت الرؤية الأساسية للعقار هي أن الفئران التي تمت هندستها وراثياً لتفتقر إلى جين بروتين البرييون لا تمرض، حتى عندما يقوم العلماء بحقن البريونات المعدية في أدمغتها. يقول كورت جايلز الباحث في مختبرات جامعة كاليفورنيا حيث تم اكتشاف البريون للمرة الأولى: "إن المفهوم الحيوي للبريون هو أنه بروتين يغير شكله، ويمكنه عمل نسخ إضافية منه. إنها عملية نسخ ذاتية. وهو ما يسمح  له بالانتشار. وهذا يقود إلى فكرة الحد من البروتين. وكلما قلت كميته، كان هناك نسخ أقل".

بالنسبة للعلاجات الجينية، هناك مشكلة أخرى، وهي كيفية إدخالها إلى الجسم بحيث تصل، على سبيل المثال، إلى مليارات الخلايا الدماغية.كانت التقنية المضادة للإحساس والتي تم تصورها قبل عدة عقود، قد حققت تقدماً كبيراً في العام الماضي عندما أثبت العقار الذي طورته شركة أيونيس أنه فعال بشكل مذهل في علاج اضطراب عصبي عند الأطفال، وهو الضمور العضلي الشوكي.خلال ذلك، تم تقديم فالاب ومينيكل إلى شركة أيونيس، وكانت الشركة قد وافقت على تزويدهما بمركبات مضادة للإحساس تستهدف جين البريون لاختباره في الفئران. وتشير هولي كورداسيفيتش، رئيسة قسم علم الأعصاب في الشركة، إلى اللقاء الذي تم عام 2014. وتقول: "غادرنا الغرفة قائلين إننا بحاجة إلى بذل كل ما في وسعنا لمساعدة هذين الشخصين".

وقدمت الشركة لهما قائمة مهام، والتي سرعان ما بدأا العمل عليها. وتشمل تسجيل المريض، والتحقق من الدراسات الحيوانية، وعمل المرقم الحيوي لإظهار ما إذا كان الدواء يعمل. ويجري هذا البحث أيضاً في مستشفى في بوسطن يدرس مستويات بروتين البريون في السائل الشوكي.

يقول جيف كارول، وهو عالم آخر من المرضى (لديه طفرة لمرض هنتنجتون)، وهو الذي قدمهما إلى شركة أيونيس: "إن سونيا وإريك يقومان بهذا العمل دون تمويل حقيقي، وهما يحاولان جعل هذا الأمر حقيقة".

إحدى المشكلات التي لا يمكن معالجتها بسهولة هي أن مرض البريون نادر للغاية، وقاتل بسرعة، ونادراً ما يتم تشخيصه مسبقاً. وهذا يعني أنه لم يكن يحظى بضجة كبيرة لإيجاد علاج له. وربما هناك 200 شخص فقط في الولايات المتحدة يعرفون أن لديهم ذلك المرض الذي يشبه القنبلة الموقوتة مثل فالاب، ولا يوجد عقار واحد حالياً خاضع للتجارب البشرية. وقد أخبرت شركة إيونيس الزوجين منذ البداية أن التعاون كان أكاديمياً بشكل صارم وليس تجارياً.

ولكن عن طريق إزالة بروتين البريون في مصدره، قد يساعد العلاج المضاد للإحساس في مجموعة من الحالات النادرة المرتبطة به. الأرق القاتل غير مألوف لدرجة العدم، مثل حالات مرض جنون البقر، لكن إضافة هذه الأمراض "النادرة للغاية" تجعلها -كمجموعة أمراض- أقل ندرة.
يقول فالاب ومينيكيل إن لديهما الآن دليلاً على أن الجزئيات المضادة للإحساس من شركة أيونيس تحمي الفئران جزئياً من مرض البريون. وتعيش هذه الحيوانات التي أعطيت العقارعمراً أطول بنسبة 70 في المائة تقريباً.

وتصف كورداسيفيتش الآن البرنامج بأنه مشروع "تجاري" لشركة أيونيس، على الرغم من أنه لا يزال صغيراً جداً وفي مرحلة مبكرة ضمن خطط الشركة للأدوية قيد التطوير. تقول كورداسيفيتش: "ما تغير هو أن البيانات تبدو جيدة بما فيه الكفاية بحيث نعتقد أنه يمكن أن يكون لدينا عقار في غضون خمس سنوات".

وتأمل فالاب أن كل شيء يمكن أن يسير بشكل أسرع. وقد تبتلى بمرض الأرق القاتل غداً، أو خلال 30 عاماً. ليس هناك طريقة للتنبؤ بذلك. وهي وزوجها لديهما طفلتهما الأولى. وقد حملت بابنتها عن طريق التلقيح الاصطناعي، وتقول إن المختبر استخدم اختباراً جينياً للتأكد من أنها لن تحمل الطفرة.

ولإنقاذ نفسها، لن يكون الحصول على دواء كافياً، فهي بحاجة للحصول عليه قبل أن تصاب بالمرض. وما تزال خبرة الأطباء في تقديم مثل هذا الدواء الوراثي كشكل من أشكال الوقاية ضعيفة على مدار سنوات عديدة.

إن التعرف على كيفية إجراء مثل هذه الدراسة هو التحدي التالي لفالاب وزوجها. ويبدو أنهما يأملان أن تسمح إدارة الغذاء والدواء الأميركية بإجراء تجربة وقائية على المرضى الذين يحملون طفرات البريون. وبما أن الأمر قد يستغرق عقوداً من الزمن ليصاب الناس بالمرض (أو لا يصابوا به)، فإن مثل هذه الدراسة ستعتمد بدلاً من ذلك على مرقم حيوي، لمعرفة ما إذا كانت الحقن المضادة للإحساس يمكن أن تقلل من مستويات بروتين البريون في السائل الشوكي.

وقد أخبرتني فالاب أنها ستتطوع لتناول الدواء. تقول: "إن الحقيقة الأهم هي أننا نتحرك بسرعة أكبر بكثير مما يمكن أن يتوقعه أي شخص بسبب هذه الخطة الجينية الواضحة والجميلة التي سلمناها".

المحتوى محمي