الاحترار العالمي قد يضر بالأطفال مدى الحياة

3 دقائق
طفل يجلس على شاطئ في يوم صيف حار

خلصت مجموعة متنامية من الأبحاث إلى أن ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم يزيد خطر الإصابة بالإجهاد الحراري والسكتة الدماغية وانخفاض الإنتاجية والناتج الاقتصادي، وتوسيع تفاوت الثروة على مستوى العالم، وهذا قد يؤدي إلى تأجيج المزيد من العنف (انظر "Hot and Violent").

وتشير دراسة جديدة أجراها باحثون في جامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا ببيركلي ووزارة الخزانة الأمريكية إلى أن الفترات القصيرة من الحرارة الشديدة قد تكون لها عواقب طويلة الأجل على الأطفال ومستقبلهم المالي. وعلى وجه التحديد، قد تؤثر موجات الحرارة التي تصيب الفرد في أوائل مرحلة الطفولة، ولو قبل الولادة، على دخل الفرد بعد ثلاثة عقود، طبقًا للورقة البحثية التي نشرت يوم الاثنين في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (Proceedings of the National Academy of Sciences). فكل يوم يشهد ارتفاع درجات الحرارة أكثر من 32 درجة مئوية، أو ما يقارب 90 درجة فهرنهايت، ابتداء من التخصيب حتى سن الواحدة يرتبط بانخفاض 0.1 في المائة في متوسط الدخل في سن الثلاثين.

ولم يتناول الباحثون التفسير المباشر لمعضلة كيفية ارتباط درجات الحرارة المرتفعة بتدني الدخل، لكنهم لاحظوا أن الأجنة والرضع يظهرون "حساسية خاصة تجاه درجات الحرارة المرتفعة لأن مركز تنظيم الحرارة والجهاز العصبي العاطفي لديهم غير مكتمل النمو". ربطت دراسات سابقة بين الارتفاع الشديد في درجات الحرارة أثناء هذه الفترة المبكرة من الحياة مع انخفاض معدل المواليد وارتفاع معدل الوفيات بين الرضع، ونشأ حقل بحثي كامل حول ما يعرف باسم "المصادر الإنمائية المبكرة للصحة والأمراض"، يتتبع آثار الصدمات الصحية المبكرة إلى مرحلة البلوغ.

وتقول مايا روسين-سلاتر، المشاركة في كتابة الدراسة والأستاذ المساعد في الإدارة في جامعة ستانفورد للبحوث الصحية والسياسية أن هناك عدة مسارات يمكن من خلالها أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى انخفاض إيرادات الكبار، بما في ذلك انخفاض الإدراك وحدوث مشكلات صحية مستمرة تزيد من عدد أيام الغياب من المدرسة أو العمل، والتأثير على الصفات غير المعرفية مثل الطموح أو تأكيد الذات أو ضبط النفس.

يكمن الخطر الأكبر في أن الاحترار العالمي سيعني زيادة الأيام التي يرتفع فيها متوسط درجات الحرارة عن 32 درجة مئوية — بالتحديد ٍسيزيد المعدل من يوم واحد في السنة في المقاطعة الأمريكية العادية إلى حوالي 43 يوماً سنويًا بحلول عام 2070، وفقًا لما ورد في تقرير سابق للأمم المتحدة استشهد به في الدراسة. 

أما العمال الذين قد يكسبون في الواقع 50000 دولار سنويًا، فإنه سيترتب على الارتفاع الشديد في درجة الحرارة في يوم واحد خلال أول 21 شهراً من عمرهم انخفاض مقداره 50 دولار، وإذا حدث الارتفاع في 43 يومًا فهذا يعني أن دخلهم سيقل 2150 دولار. وإذا ما ضربنا هذا الرقم في عدد السكان الذين يعانون من مثل هذه الظروف، فإن ذلك سيسفر عن تأثير اقتصادي ضخم، كما أن عدم قدرة نسبة أكبر من المواطنين على الحصول على دخولهم كاملة قد يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية الإجمالية والناتج الاقتصادي.

ويأتي ذلك بالإضافة إلى الطرق التي توثر بها ارتفاع درجات الحرارة تأثيراً مباشراً على الاقتصاد، وأبرزها انخفاض إنتاجية الإنسان والمحاصيل الزراعية، وفقًا لما أوردته أبحاث أخرى. قد يعمل تغير المناخ المتواصل على خفض متوسط الدخل العالمي بحوالي 23 في المائة بحلول عام 2100، وبحوالي 75 في المائة في أفقر البلدان في العالم، وفقًا لما ورد في بحث أعدته أستاذ السياسة العامة في جامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي سيانج سليمان وزملائها في عام 2015 Nature paper  (انظر Hotter Days Will Drive Global Inequality). وهذا بوضوح لا يتضمن الآثار الاقتصادية المدمرة لكوارث مثل الأعاصير وارتفاع مستوى سطح البحر.

وقال سيانج في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى إم آي تي تكنولوجي ريفيو: "نحن ندرك أن لارتفاع درجات الحرارة عواقب مدمرة عديدة على الإنتاجية الاقتصادية الحالية في الوقت الذي ترتفع فيه درجة الحرارة، وهذه الدراسة تكشف طريقة جديد تقلل فيها درجات الحرارة المرتفعة في الوقت الحالي من الإنتاجية الاقتصادية في المستقبل البعيد، عن طريق إضعاف قوتنا العاملة".

والأمر الذي يدعو للتفاؤل - على الأقل بعض الدول والمجموعات السكانية – أن استعمال مكيف الهواء يقضي تقريبًا على هذا التأثير المرصود، استنادًا إلى تحليلات الكتاب لبيانات مكتب التعداد الأميركي الذي رصد مدى ارتفاع معدل انتشار تكييف الهواء في مقاطعات الولايات المتحدة بمرور الوقت. ولكن هذا قد يشير إلى محصلة أخرى وهو أن ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم سيضر الدول الفقيرة بصورة متفاوتة، أو ربما قد يكون أضر بها بالفعل.

وقالت روسين-سلاتر: "لنا أن نتصور الحال في الدول الفقيرة ذات المناخات الحارة التي ليس بها مكيفات هواء، لا شك أن الآثار ستكون أكثر مأساوية".

وبحثت الدراسة نتائج 12 مليون نسمة ممن ولدوا في الولايات المتحدة بين عامي 1969 و1977، وتضمن ذلك معلومات عن إيرادات الكبار من البيانات المتوفرة حديثًا من برنامج Longitudinal Employer Household Dynamics الخاص بمكتب التعداد العام الأمريكي، وقد سعى الباحثون لاستبعاد تأثير درجة الحرارة، والتحكم في المتغيرات الأخرى، عبر استخدام بيانات الطقس اليومية ومعلومات الولادة "الدقيقة" على مستوى المقاطعة. 

وقال سيانج: "لقد كشفت لنا هذه الدراسة عن كيف قد يؤثر تغير المناخ في العقود القليلة القادمة على أحفادنا، حتى لو استطاع أبناء المستقبل البعيد معرفة كيفية تلطيف الأمور مرة أخرى". 

المحتوى محمي