مر أكثر من ثلاثة عقود على ظهور شبكة الويب العالمية، وخلال هذه الفترة شهدت الشبكة مرحلتين من التطوير. حيث كان الإصدار الأول هو عصر القراءة فقط من أجل المعرفة، وهي الفترة التي امتدت من تسعينيات القرن الماضي إلى بداية الألفية الجديدة ويسمى "الويب 1".
بينما كان الإصدار الثاني أو "الويب 2"، وهو الذي نستخدمه حالياً، أكثر تطوراً حيث سمح لنا بالتواصل والتفاعل مع بعضنا بعضاً ومنحنا قدرة أكبر على الإنتاج، وحتى تحقيق الربح المادي من نشاطنا عبر الإنترنت، ولكن كل ذلك بإشراف وتحكم من شركات التكنولوجيا الكبرى التي توفر منصاتها للاستخدام بشكل مجاني أو مدفوع.
ونتيجة لهذا التحكم والنفوذ الكبير لشركات التكنولوجيا، بدأ الجيل الثالث أو ما يُسمى "الويب 3" بالظهور، حيث من المتوقع أن يغير هذا الإصدار طريقة تفاعلنا عبر الإنترنت من خلال تقديمه نظاماً بيئياً رقمياً لا مركزياً، يكون فيه المستخدم قادراً على امتلاك كل شيء يتعلق بتواجده الرقمي والتحكم فيه.
ما هو الجيل الثالث من الإنترنت أو الويب 3؟
في ديسمبر/كانون الأول من العام 2021 ألقى بريان بروكس، الرئيس التنفيذي لشركة Bitfury الرائدة في مجال تقنية البلوك تشين والعملات المشفرة، خطاباً أمام الكونغرس الأميركي شارحاً فيه ماهية "الويب 3"، حيث شبهه بشخص يتحرر من "حديقة مسورة" تعيق حركته.
حيث ذكر قائلاً: "في الإصدار الأول (الويب 1) فإن الأمر يشبه النظر إلى حديقة مسورة في مجموعة من المحتوى غير التفاعلي حيث لا يمكنك فعل شيء سوى القراءة فقط، ثم جاء الإصدار الثاني (الويب 2) وهو ما أُطلق عليه إصدار "(القراءة/الكتابة) عبر الإنترنت".
وسمح هذا الإصدار من الإنترنت للمستخدمين ليس فقط باستهلاك المحتوى، ولكن أيضاً إنشاء المحتوى الخاص بهم ونشره على المدونات مثل تومبلر Tumblr ومنتديات الإنترنت والأسواق مثل كريغسليست Craigslist.
وفي وقت لاحق، أدى ظهور منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر إلى دفع كيفية مشاركة المحتوى والتفاعل معه إلى آفاق جديدة.
ولكن بعد فترة من ذلك، أدرك المستخدمون الطريقة التي يتم بها جمع بياناتهم الشخصية من قبل عمالقة شركات التكنولوجيا، واستخدامها لإنشاء إعلانات وحملات تسويقية مخصصة.
وعلى الرغم من أن الإصدار الثاني من الويب "ويب 2" جلب للمستهلكين والمستخدمين خدمات مجانية مذهلة، إلا أنها أكثر تحكماً وغير مستقلة تماماً حيث يتحكم فيه مجموعة صغيرة من شركات التكنولوجيا الكبرى مثل جوجل وميتا ومايكروسوفت.
تقوم هذه الشركات بجمع بيانات المستخدمين الشخصية التي يقدمونها طواعية من أجل الحصول على هذه الخدمات المجانية، لاستخدامها لاحقاً في الإعلانات المستهدفة أو حتى بيعها لأطراف أخرى، وهذا يؤدي إلى تحقيقها أرباح مهولة يجعلها أكثر تحكماً ونفوذاً.
لكن وبسبب الفضائح العديدة التي شهدتها هذه الشركات فيما يخص انتهاكات الخصوصية واستغلالها لبيانات المستخدمين، والتي ترجع بصورة أساسية إلى شبه احتكارها لشبكة الويب العالمية، يمكن للإصدار الثالث من الويب "ويب 3" تجاوز كل هذه القيود.
حيث يمكن فهم "الويب 3" على أنه مرحلة "القراءة والكتابة والملكية"، وهذا يعني بدلاً من مجرد استخدام المنصات المجانية مقابل تقديم البيانات الشخصية، يمكن للمستخدمين المشاركة في إدارة وتشغيل الويب وأن يصبحوا مشاركين ومساهمين وليس مجرد عملاء أو منتجات.
ونظراً إلى أن العديد من المستخدمين أصبحوا أكثر وعياً بكيفية استهلاكهم للإنترنت والتفاعل معه، فإن المشهد التقني فيما يخص إنشاء التطبيقات والمواقع الإلكترونية وتوزيعها واستخدامها في تحول سريع، بفضل الإصدار الثالث من الويب "ويب 3" الذي يحتوي على مجموعة متنوعة من التطبيقات والتقنيات.
اقرأ ايضاً: كيف تقوم شركات التكنولوجيا بمحاربة الأخبار الكاذبة حول فيروس كورونا؟
أهم 9 تطبيقات حالية لشبكة الويب 3
فيما يلي إليك أهم التطبيقات التي يمكن أن تقدم لمحةً عما يمكن أن يكون عليه "الويب 3" في المستقبل القريب:
1- التطبيقات الإخبارية: "سابيَن" (Sapien)
مثال فريد من نوعه لما يمكن أن تكون عليه شبكة "الويب 3" الإخبارية مستقبلاً، ستبيَن Sapien عبارة عن منصة أو موقع إخباري اجتماعي لامركزي قابل للتخصيص مدعوم بواسطة شبكة إيثيريوم بلوك تشين، حيث يمكن النظر إليه على أنه بديل للشبكات الاجتماعية الإخبارية حالياً مثل تويتر.
ومن خلال النظام الأساسي للمنصة، سوف يقوم المستخدم بتحديد مدى المعلومات الشخصية التي يشاركها ومع من يشاركها، مع القدرة على تخصيص تجربته الاجتماعية وتكييفها مع اهتماماته، وتضم المنصة أيضاً المزايا نفسها الموجودة في المنصات الاجتماعية الحالية مثل إضافة الأصدقاء وإنشاء مجموعات وميزات الدردشة النصية والصوتية وغيرها.
2- التطبيقات البنكية: "إيفرليدجر" (Everledger)
تم إنشاء إيفرليدجر Everledger لتقليل عمليات الاحتيال عبر الإنترنت، وهو عبارة عن دفتر أستاذ عالمي رقمي يتتبع العناصر القيمة من خلال سجل فريد لكل مستخدم له علاقة بالعنصر، ويمكن للمستخدمين الاحتفاظ بالبيانات في السحابة والوصول إليها وقتما يريدون.
وهذه العناصر يمكن أن تشمل أي شيء ذو قيمة مثل الماس والذهب وغيرهما، حيث قام الفريق ببناء منصة يتم إقرانها مع عمليات سلاسل التوريد العالمية للتأكد من أصالة العنصر، وبهذه الطريقة تتم حماية المستخدمين والبنوك وشركات التأمين من عمليات الاحتيال المنتشرة في القطاع المالي.
3- التطبيقات السحابية: "ستروج" (Storj)
واحدة من العديد من منصات التخزين السحابية المتنافسة التي تعمل بالعملات المشفرة. تسمح منصة ستروج Storj لأي حاسوب بتأجير مساحة غير مستخدمة على القرص الصلب للمستخدمين الذين يتطلعون إلى تخزين الملفات. وبهذه الطريقة يمكن الاستغناء عن منصات التخزين السحابية التي تمتلكها شركات جوجل وأمازون.
وتستخدم تقنية البلوك تشين وتوفر العديد من نفس مزايا التخزين السحابية، ولكن على شبكة لا مركزية، وتتيح التحميل غير المحدود للبيانات، كما يمكن للمستخدمين تعيين تاريخ انتهاء الصلاحية لبياناتهم الموجودة على السحابة وبالتالي يتم تدمير هذه البيانات تلقائياً بمجرد انقضاء الزمن المحدد.
اقرأ أيضاً: لماذا أصبح الويب 3 محور أحاديث أوساط العملات المشفرة؟
4- تطبيقات التوظيف: "إيثلانس" (Ethlance)
هي منصة لامركزية تربط المستقلين وأصحاب العمل المحتملين، تعتمد على تقنية البلوك تشين، وتعتبر أول سوق لامركزية للمواهب والمستقلين في العالم حيث يحصل المستقلون على سيطرة كاملة على عملهم، ويمكن لفنانين ومبدعي المحتوى كسب أكثر مما يمكنهم في أي مكان آخر.
ومن أهم الميزات التي توفرها المنصة هو عدم وجود أي رسوم مقابل التسجيل وعدم وجود قيود على العضوية، ولا تستقطع المنصة أي مبالغ مالية جراء المعاملات التي تتم بين المستقلين وأصحاب العمل. وتتم معالجة جميع المدفوعات بعملة الإيثيريوم ما يجعل من السهل الحصول على مستقلين محترفين من جميع أنحاء العالم.
5- متصفحات الويب: "بريف" (Brave)
من أشهر تطبيقات "الويب 3" المعروفة لعموم المستخدمين، حيث يعتبر بديلاً جيداً يمتاز بالخصوصية وعدم جمع بيانات المستخدمين وغيرها من ممارسات الخصوصية والأمان الرقمي التي تفتقر إليها معظم مستعرضات الإنترنت المشهور الأخرى مثل جوجل كروم.
وهو متصفح مفتوح المصدر يعد بالحفاظ على خصوصية المستخدمين باستخدام تقنية البلوك تشين عن طريق حظر الإعلانات وعمليات تتبع المستخدمين، وأهم ميزاتها هو الدفع للمستخدمين جراء مشاهدة الإعلانات باستخدام العملات المشفرة.
6- تطبيقات المراسلة الفورية: "يُساين" (ysign)
هو تطبيق مراسلة لامركزية يستند على تقنية البلوك تشين توفر ميزات خصوصية مثالية مثل عدم الكشف عن هويات المستخدمين ومحفظة تشفير متكاملة، وتعمل عبر خوادم لا مركزية وبالتالي لا يتم تخزين البيانات الشخصية في خوادم مركزية مثل الموجودة حالياً في معظم تطبيقات المراسلة الشائعة.
ووفق وصف مطوري التطبيق فإنه بفضل استخدام المنصة لتقنية البلوك تشين، سيتم حفظ نسخة من رسائل المستخدم ومكالماته الخاصة على جهازه فقط، حيث لا يوجد خادم مركزي يمكن تخزين المعلومات الخاصة بالمستخدم فيه، وهو ما يضمن الأمان الرقمي والخصوصية بشكل تام أثناء تبادل الرسائل والمكالمات.
7- تطبيقات استضافة المحتوى: "بيكر براوزر" (Beaker Browser)
هو متصفح ويب مجاني مفتوح المصدر يستخدم بروتوكول التشفير "نظير إلى نظير" (Peer-to-Peer). يتيح للمستخدمين نشر المواقع وتطبيقات الويب مباشرة من المتصفح، دون الحاجة إلى إعداد وإدارة خادم ويب منفصل أو استضافة المحتوى الخاص بهم على خادم من جهة خارجية.
يتم نقل جميع الملفات والمواقع الإلكترونية باستخدام بروتوكول مشاركة البيانات "Dat" والذي يسمح بمشاركة الملفات واستضافتها من قبل العديد من أجهزة الحاسوب. ويدعم المتصفح أيضاً بروتوكول HTTP للاتصال بالخوادم التقليدية.
8- تطبيقات بث الفيديو: "لايف بير" (Livepeer)
تعتبر صناعة بث الفيديو عبر الإنترنت من أبرز الصناعات الصاعدة بقوة، وتوجد الآن العديد من المنصات الكبيرة التي تحتكر هذه الصناعة والتي أفرزت العديد من مشاكل الخصوصية مثل استخدام بيانات المستخدمين من أجل استهدافهم بتوصيات محتوى بناءً على عادات مشاهداتهم سابقاً.
أيضاً عندما يتعلق الأمر بمنشئي المحتوى، فليس هناك العديد من الخيارات للبدء فيها بل منصات محددة مثل تويتش ويوتيوب، وبالتالي فإن التحكم المركزي لا يوفر خيارات متساوية للجميع في اختيار ما يشاهدونه أو ما ينشر من محتوى.
وبالتالي فإن تطبيقات "الويب 3" توفر الكثير من الخيارات، مثل منصة بث الفيديو لايف بير "Livepeer" التي تسمح ببث المحتوى ونشره باستخدام بروتوكول "نظير إلى نظير" وتلقي المدفوعات بعملة الإيثيريوم المشفرة.
كما تسمح المنصة للمستخدمين بإجراء اتصالات فيديو في الوقت الفعلي، ومشاهدة مقاطع الفيديو والتقاط صور الشاشة، وبث الفيديو مباشرة من هواتفهم، وأهم ميزة هو أنه يسمح بتحقيق الدخل عن طريق بيع المساحات الإعلانية عند بث المحتوى.
9- تطبيقات التواصل الاجتماعي: "سولا" (SOLA)
تستخدم منصة سولا "SOLA" الذكاء الاصطناعي المستند إلى تقنية البلوك تشين "AI Blockchain" لإنشاء مزيج من الشبكات الاجتماعية والوسائط، وبالتالي يحصل القراء على محتوى عالي الجودة بناءً على تفضيلاتهم بدلاً من توصيات خوارزميات المنصات الموجودة حالياً.
وتطمح المنصة إلى أن تكون منصة تواصل اجتماعي يعامل فيها جميع المستخدمين على قدم المساواة ويقررون ما يريدون مشاركته ومتى، بالإضافة إلى إتاحة كسب المال عن طريق توليد المحتوى ومشاركتها بدلاً من احتكار المؤثرين والمعلنين غير العادل.